"الكلب هول" وقصة تأسيس أول وحدة كلاب بوليسية في الشرطة المصرية

قرر البوليس المصري في عام 1936 إنشاء أول وحدة للكلاب البوليسية لمساعدته في الكشف عن المجرمين، بحسب ما نشرته جريدة الأهرام في عددها الصادر في 7/6/1949 في الصفحة رقم 3 تحت عنوان “من مذكرات رسّل باشا.. الكابتن هول”.
ورسّل باشا هو ضابط إنجليزي عمل في مصر وترأس بوليس العاصمة في تلك الفترة، ويحكي عن الكلب هول، الذي كان ضمن أول وحدة كلاب بوليسية استخدمت في الكشف عن الجرائم، الذي تميز بذكائه الخارق ومهارته في تعقب المجرمين.
البداية
وبحسب المذكرات، كان اليوزباشي عزيز الألفي، مولعا بتربية الكلاب البوليسية وسافر عدة مرات إلى ألمانيا وانجلترا، لذلك كلف في عام 1936 بتكوين وحدة الكلاب البوليسية، وبعد مشقة في البحث عثر على كلب من فصيلة الألزاسي أو ما يعرف بالراعي الألماني، وكان عمره وقتها 3 سنوات، وبالرغم من أنه ينحدر من أبوين غير مدربين إلا أنه في فترة أقل من عامين أثبت براعة وذكاء كبيرين في عمله.
وبحسب المذكرات لم يمض عام 1938 إلا وقد ذاع صيت “هول” كأحد الوسائل الأساسية في الكشف عن الجناة وأصبح يلقب بـ”الكابتن هول”.
قاهر الجناة

وتلفت المذكرات إلى أن البوليس المصري على مدار عامين استعان بـ”هول” في أكثر من 170 قضية، ونجح في حل 32 منها، وقد اعترف المجرم بجريمته، وفي 24 قضية اعترف المجرم بأن الآثار له ولكنه أنكر الجريمة، وفي 85 قضية أنكر الرجل، ولكن أدلة المحققين فيما بعد أثبتت أن هول كان على حق.
وبحسب ما قاله الضابط الألفي عن “هول” كان قادرا على تمييز رائحة قد مر عليها أكثر من 5 أيام من فوق طريق أسفلتي قد مرت عليه السيارات، وأحيانا كان مجرد خروجه لاستعراض الجناة يلقي الرعب في قلب المجرم فيعترف قبل أن يقبض عليه “هول”.
حادثة الفيوم
وبحسب ما أدلى به الضابط “ألفي” لـ”رسّل” باشا، فإنه سافر إلى الفيوم لقضاء عطلة عيد الأضحى بصحبة زوجته، وكان في استقباله صديق له يدعى جودة، وقضوا اليوم الأول في الصيد وفي اليوم التالي أرادت زوجة “ألفي” أن تزور معبد مادي فاعتذر جودة لعدم اهتمامه بالآثار، واتفقا على أن اللقاء بعد ساعتين عند البركة الجنوبية بعزبة كاشف.
يقول “ألفي”: “أنهينا أنا وزوجتي زيارتنا للمعبد وذهبنا إلى البركة الجنوبية لكننا لم نجد جودة، وانتظرنا لأكثر من ساعة ولكنه لم يحضر وأخيرا تركنا له رسالة شفوية لموافاتنا في الاستراحة عند وصوله، وغادرنا ولكنه لم يتصل أو يحضر، وفي اليوم التالي اتصلنا بزوجته فأخبرتنا انه لم يعد إلى المنزل وقد ساورنا القلق، وبعد مرور ثلاثة أيام أشيع في البلدة أن جودة قد قتله بعض الأعراب”.
ثلاثة مجرمين وحمار
وبحسب الألفي، فقد تم الاستعانة بأحد قصاصي الأثر، ليرشد عن مكان جثة “جودة” حيث تتبع آثار أقدامه من عند البركة الجنوبية، وعرف أن ثلاثة أشخاص، أحدهم أعرج، ومعهم حمارا يحمل حملا ثقيلا، قد توجهوا ناحية الصحراء، وفي عمق 4 كيلومترات وجدت جثة “جودة” مدفونة بالرمال عارية تماما وعلى بعد أمتار قد دفنت ملابسه.
ودلت التحريات أن “جودة” كان قد تشاجر العام الماضي مع مجموعة من الأعراب حول حقوق الصيد في أحد البرك، وبتضييق دائرة الاشتباه تم حصر الاتهام في ثلاثة أشخاص، تبين فعلا أن أحدهم ساقه اليسرى عرجاء، وتم وضعهم وسط مجموعة كبيرة من المشتبهين، وجاء “هول” للتعرف عليهم بعد أن شم أثر جثة “جودة”، واستطاع “هول” أن يكشف عن الجناة الثلاثة وكان منهم الأعرج، وبقى أن يكشف عن الحمار الذي استخدم في حمل الجثة، وبالفعل استطاع “هول” أن يقود رجال البوليس إلى منزل الأعرج صاحب الحمار، واعترف الأعرج بأنه شارك في حمل الجثة ودفنها ولكنه لم يشارك في قتل “جودة”.

وفاة هول
ورغم بطولاته العظيمة، لم يمت “هول” في إحدى المواجهات مع المجرمين الخطرين، ولكنه مات بالحمى في عام 1938، جراء وباء انتشر في تلك الفترة لم يستطع البيطريون تشخيصه، وبلمح “الألفي” إلى أنه بالرغم من أن إدارة الكلاب دربت مئات الكلاب بعد “هول” إلا أنها لم تستطع أن تضم كلبا في ذكاء وشجاعة “الكابتن هول”.
الضابط العظيم
وفي نهاية حديثه عن “هول” يقول “الألفي”” إن كشف غموض جريمة مقتل صديقه جودة يرجع إلى دقة ملاحظة قصاص الأثر وذكاء “هول” الذي استطاع تتبع آثار الرائحة حتى بعد مرور أكثر من خمسة أيام، ويعلق في نهاية شهادته قائلا: “لو أردت أسوق أدلة أخرى على ذكاء هذا الكلب ومقدرته الفائقة على تتبع الرائحة لاحتجت إلى آلاف الصفحات، أروي كل قضية سعى هذا (الضابط) إلى كشف سرها”.
+++++++++++++++++++++

هوامش:
– جريدة الاهرام – العدد الصادر في 7/6/1949 – صفحة (3)
– الصورة  الرئيسية  (المركبة )المستخدمة  على اليمين، للكلب من فصيلة الألزاسي من موقع ويكيبيديا برخصة المشاع الإبداعي وعلى اليسار من تصوير المحرر لعنوان الموضوع المنشور بجريدة الأهرام في 1949 بعنوان (الكابتن هول).

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر