«الكشري المصري»: طبق واحد بطعم كل محافظة
إعداد: أسماء الشرقاوي ودعاء عبدالحميد وجاسمين مهنى وأسماء منتصر
بعد إدراج «الكشري المصري» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو، أجرى «باب مصر» جولة ميدانية، تتبع خلالها رحلة هذا الطبق من جنوب الصعيد إلى شماله، وصولا للمدن الساحلية، لرصد طرق إعداده وطقوس تناوله، باعتباره جزءا أصيلا من الهوية الغذائية المصرية ووجبة يومية لا غنى عنها.
قنا.. عربات الكشري في قلب الشارع
تنتشر في محافظة قنا عدد كبير من عربات الكشري منذ سنوات طويلة، ويقبل عليها الزبائن من مختلف الفئات. ما جعل الكشري الأكلة الأكثر شهرة والأقل سعرا. ويقبل على تناوله في الشتاء والصيف، ليلا ونهارا، لا سيما من طلاب المدارس والجامعات والعاملين في الوظائف الحكومية.
ويرجع انتشار الكشري إلى توافر مكوناته الأساسية بسهولة، وانخفاض تكلفتها مقارنة باللحوم. إذ يعتمد على الأرز والمكرونة والبصل والطماطم، وهي عناصر بسيطة لكنها مشبعة. وتجول «باب مصر» في عدد من الأماكن التي تقف بها عربيات الكشري المتنقلة بمدينة قنا. ومن بينها منطقة عمر أفندي، ومنطقة الشبان المسلمين، والسوق الفوقاني، وهي مناطق تتسم بالكثافة السكانية العالية.
منطقة الشبان المسلمين بمدينة قنا
في هذه المنطقة، اعتاد الشاب بلال أمين منذ صغره مساعدة والده صاحب عربة الكشري. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره، بدأ في تولي نصف اليوم لبيع الكشري بعربة والده، التي أصبحت معروفة بثباتها في منطقة الشبان المسلمين. ما جعل الزبائن يتوافدون عليها من مناطق مختلفة.
يقول بلال أمين إن أسرته تعمل جميعها في مجال الطهي، واختار والده الكشري لأنه في متناول الجميع، وتستطيع مختلف الفئات شراءه. فضلا عن كونه من أشهر وأسهل الأكلات بالمحافظة، وأرخصها سعرا، وأكثرها أمانا صحيا مقارنة باللحوم.
ويحكي لـ«باب مصر» أن والدته تبدأ يوميا في تجهيز الكشري من الساعة الثامنة صباحًا، ويخرج به في العاشرة على عربة الكشري، ليبدأ البيع للأطفال والكبار والشباب. بأسعار تبدأ من خمسة جنيهات للأطفال، وتصل إلى 30 جنيها للشباب.
ويجلس بعربته الزرقاء منتظرا زبائنه المعتادين، ومعظمهم من الأطفال والشباب، حتى ينتهي من البيع قبيل العصر. ثم يعود إلى المنزل. وبعدها تبدأ والدته في تجهيز كمية أخرى يخرج بها والده في الفترة المسائية، لتصبح الأسرة واحدة من شهر بائعي الكشري بالعربات المتنقلة في قنا.
منطقة عمر أفندي بالمدينة
في مكان آخر من شوارع المدينة، وتحديدا بمنطقة عمر أفندي، إحدى أقدم مناطق قنا. يجلس الشاب مصطفى أبو عبدالله بعربته المخصصة لبيع الكشري، بعد أن ورث المهنة عن والده وأخيه الأكبر. وتزين عربته عبارات مكتوبة بخط جميل، منها: “عايزة صبر”، و”الله المستعان”، و”الله غالب”.
ويقول إن والدته تبدأ منذ الساعة السادسة صباحا في تجهيز كمية كبيرة من الكشري يوميا، يأخذ جزءا منها إلى منطقته. حيث يجلس من الساعة العاشرة صباحا وحتى المغرب، حتى يتمكن من بيعها. فيما تجهز كميات أخرى لوالده وأخيه، اللذين يتنقلان في شوارع المدينة بعربات أخرى مخصصة لبيع الكشري.
من قنا إلى قوص
يشير مصطفى إلى أنه يعمل في بيع الكشري منذ عام 2012، بينما كان والده يعمل بالمهنة منذ أكثر من 20 عاما، فتعلم منه ومن شقيقه الأكبر، حتى استقل بذاته في البيع. ويؤكد أنهم يقدمون الكشري البسيط الذي اعتاد عليه أهالي قنا. والمكون من الأرز والمكرونة والشعرية والعدس، مع كميات وفيرة من البصل والطماطم، دون إضافة مكونات جديدة.
ويضيف أن الكشري يقبل عليه المواطنون من جميع الفئات، فهو وجبة الغني والفقير. إذ يشتري الطفل طبقا صغيرا بخمسة جنيهات. بينما يشتري الشباب أطباقا أكبر بسعر 20 و30 جنيها، وينفق من عائده على أسرته.
ولا تقتصر شهرة عربات الكشري على مدينة قنا فقط، فهناك بائعون معرفون في مراكز أخرى مثل قوص. من بينهم حمدي بصل، أحد أشهر بائعي الكشري في منطقة السوق الفوقاني، أقدم مناطق قنا. حيث يلتف حوله طلاب الجامعة من الساعة الثامنة وحتى العاشرة مساءً. ويُنهي كامل ما لديه نظرا للإقبال الشديد، وهو يعمل بالمهنة منذ أكثر من 20 عاما.
وفي قوص أيضا، توجد عربة كشري لشاب متزوج يعول أسرة، يجلس أمام مدرسة التعليم الصناعي بنين، ويقبل عليه الطلاب أثناء دخولهم وخروجهم. كما توجد عرب أخرى بقرية البطحة، تعمل يوميا من السابعة حتى العاشرة صباحا. ليتناول العمال والطلاب وبعض الأهالي وجبة الإفطار. ويعد صاحبها من أفضل صانعي الكشري بالمركز، لانتمائه إلى عائلة متوارثة في إعداد الكشري والطعمية.
من جنوب الصعيد إلى شماله.. الكشري حاضر
بالانتقال من قنا جنوبا إلى محافظة المنيا شمالا، لا يختلف المشهد كثيرا، وإن اختلفت طريقة التقديم. ففي شارع بورسعيد بمركز أبو قرقارص، تتحول “ساندوتشات الكشري الحارة بالورد المقرمش” إلى وجبة تجمع الفقير والغني.
تتردد هذه الجملة في ساعات الظهيرة على ألسنة الصغار والكبار أمام محلات الكشري. حيث يتزاحم المواطنون على وجبة سريعة تخفف عنهم مشقة الحياة اليومية. حتى أصبحت محلات الكشري أيقونة للأكلات الشعبية، يقبل عليها الناس في الإفطار أو الغداء.
ولا تقتصر ظاهرة “ساندوتش الكشري” على المنيا فقط، بل تمتد إلى محافظات شمال الصعيد مثل الفيوم وبني سويف، في تقليد قد لا تجده منتشرا بنفس الشكل في باقي المحافظات.
ويقول الحاج فيصل، صاحب محل “كشري فيصل” بالمنيا لـ”«باب مصر»: “الكشري معشوق الجماهير، ومن النادر أن تجد شخصا لا يحبه، فهو وجبة متكاملة تعبر عن وجدان الإنسان المصري. ولا أحد يستطيع مقاومة رائحة العدس والبصل والدقة والثوم والصلصة. هذه الخلطة تدفع المارة لشراء طبق أو ساندوتش كشري حتى لو لم يكونوا يشعرون بالجوع، فلكل طباخ سر وحكاية ولمسة خاصة”.
ويضيف أن الطلاب والموظفين وعمال اليومية من أكثر الفئات إقبالا على الكشري. وكثير منهم يفضل تناوله في صورة ساندوتش، يختلف سعره حسب رغبة الزبون، بين من يفضله بالعيش البلدي، أو بساندوتش المكرونة.
أصناف جديدة للكشري
لم يكتف أصحاب محلات الكشري بالطبق التقليدي المعروف، بل استحدثوا العديد من الإضافات والأشكال الجديدة. ويقول الحاج فيصل إن من بين هذه الأصناف: الكشري باللحمة المفرومة، والكشري بالفراخ، والكشري بالكبدة. إلى جانب طواجن الكشري “اللوكس”.
ويوضح أن كثيرا من الزبائن يطلبون إضافات متعددة، مثل “الورد” وهو البصل المحمر، والدقة، والمخلل، والشطة بقطع الطماطم. فضلا عن العيش المحمص المتبل.
ويشير الحاج فيصل إلى أن أسعار الكشري تغيرت كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة. إذ كانت تتراوح قديما بين جنيه وجنيه ونصف، وكان الطلاب وعمال اليومية يكتفون بكيس كشري بجنيه ورغيف عيش لسد جوعهم طوال اليوم. ويضيف: “المطعم يتردد عليه أعداد كبيرة من الشباب والسيدات والأطفال، اللي معاه فلوس بياكل واللي معهوش بياكل، ودعوة صادقة من شخص غير قادر هي أهم مكسب أحققه”. ويؤكد أن الإقبال الأكبر من الطلاب يظل على ساندوتشات الكشري.
ساندوتش الكشري بعد صلاة العيد
يتابع فيصل: “لا ننسى أن ساندوتشات الكشري هي بطلة الأعياد”. إذ يقبل المصلون بعد أداء صلاة العيد في الصباح الباكر على محلات الكشري، ليصبح طبق الكشري وساندوتش الكشري من أهم طقوس الاحتفال بالعيد.
ويقول الحاج صبحي عبدالعال، أحد الزبائن، إن الكشري لا غنى عنه في حياته اليومية. ويلجأ إليه باستمرار ليعينه على مشقة اليوم. وأحيانا يطلب أصنافا مختلفة مثل الكشري باللحمة أو الفراخ أو الكبدة، ولكل مذاقه الخاص.
وتقول منة عبدالله، طالبة، إنها تواظب وزميلاتها على شراء ساندوتشات أو أطباق الكشري مع العيش المحمص طوال فترة الدراسة من مصروفهن اليومي. مؤكدة عشقهن لطواجن الكشري بالفراخ، خاصة مع الدقة الزيادة والورد المقرمش.
ويقول عمر عبدالرحمن، طالب، إن ساندوتش الكشري هو “بطل يومه” خلال الدراسة. ولا يستطيع مقاومة رائحته أثناء مروره أمام المحلات. وغالبا ما يطلبه مع العيش المحمص والمخلل والشطة بقطع الطماطم لمذاق أفضل.
عشق المهنة
يقول محمد مصطفى، عامل بمحل كشري، إنه يعشق هذه المهنة ويتفنن فيها حسب طلب الزبائن، فكل طباخ أسراره ونكهته الخاصة. وهو ما يجعل بعض الزبائن يفضلون محلا بعينه دون غيره. ويضيف: “لم أتعلم أسرار طبخ الكشري فقط، بل تعلمت أخلاق المهنة من والدي، الذي أوصاني بأن أكون دائما بشوشا وحسن اللسان. حتى أكسب قلوب الناس، فكانت هذه الوصية منهج حياة”.
ساندوتش “المرمرية”
يضيف علي إبراهيم، أحد عمال محلات الكشري، أن كثيرا من الزبائن يطلبون ساندوتش “المرمرية” وهو ساندوتش المكرونة بالصلصة. إلى جانب ساندوتش الكشري “اللوكس” بالورد، كما يلقى الإقبال ساندوتشات الكشري بالعيش السوري والشامي. وساندوتشات الكشري بالفراخ والكبدة، وكشري اللحمة المفرومة.
ويشير الحاج علاء فكري، أحد الزبائن، إلى أن أطباق الحلو مثل المهلبية، وأم علي، والأرز باللبن، من أهم ما يميز المطاعم عن بعضها. خاصة أنها تخفف من الشطة الحارة في الكشري.
وعن قائمة الأسعار، يقول علي إبراهيم إن لديهم: علبة لوكس 7 جنيهات، وعلبة “شبح” 10 جنيهات، وكشري جامبو 12 جنيها، وكشري ميجا 15 جنيها، وكشري العمدة 20 جنيها, وطاجن كشري لحمة أو كبدة أو فراخ 25 جنيها. أما الحلويات فتبدأ من 5 جنيهات، وكذلك الإضافات مثل العدس، والورد، والحمص، والعيش.
من المنيا إلى أسيوط.. ذاكرة الكشري
من شمال الصعيد إلى قلبه، يحضر الكشري بقوة في محافظة أسيوط. حيث لا يمثل مجرد وجبة شعبية، بل جزءا من هوية المدينة وذاكرتها اليومية. ففي قلب أسيوط القديمة، وعلى بعد خطوات من محطة القطار، تقف أقدم محلات الكشري شاهدا على أكثر من ثلاثة عقود من النكهة والتاريخ.
كشري وحلواني “نجمة الحمصاني”
بين الواجهات العتيقة والبيوت القديمة، ولد أول طبق كشري في أسيوط داخل محل “كشري وحلواني نجمة الحمصاني”. الذي جمع عمالا وطلابا ومسافرين على طاولة واحدة. ولم يكن المكان مجرد مطعم، بل محطة دفء يومي يتوارثها الناس جيلا بعد جيل، كما يقول عم رمضان شفيق، أحد الزبائن الدائمين.
سعر الكشري زمان
يتابع شفيق: “يُعد المكان أول مطعم كشري في مدينة أسيوط، وأحد المطاعم اللامعة التي ارتبط اسم المدينة بها. ويتوافد عليه الزبائن ثقة في مذاق الكشري وجودة مكوناته. فضلا عن نظافة المكان وتاريخه الممتد بين أهل أسيوط وزائريها. ومع كل طبق يخرج من القدر العتيق، يعود الزبائن بذاكرتهم إلى الطعم الأول. الذي بقي كما هو رغم تغير الأزمنة. وإلى صاحب المحل الذي ظل يعرف زبائنه بأسمائهم ويفتح أبوابه قبل أن تستيقظ المدينة”.
ويحكي عم شفيق أن أول طبق كشري في “كشري وحلواني نجمة الحمصاني” كان يباع بـ25 قرشا فقط. ومع تعاقب السنين وتغير الأجيال، ارتفعت الأسعار نتيجة زيادة تكلفة مكونات الكشري من مكرونة وأرز وبصل وعدس. إضافة إلى ارتفاع أجور العمال، لتتراوح الأسعار حاليا بين 20 و40 جنيها.
وتتنوع الأحجام بين: “التوب، والوسط، والكبير، والجامبو نجمة الحمصاني”. مع إمكانية إضافة الحمص أو الفراخ أو العدس المحمص أو البصل، إلى جانب المشروبات.
ويضيف عم رمضان أن المطعم يقدم أيضا طواجن إضافية بجانب الكشري. مثل طواجن المكرونة بالفراخ أو اللحمة أو الكبدة. فضلا عن ركن الحلويات الذي يضم الأرز باللبن، والأرز بالفرن، والكاسترد، والمهلبية بالفرن، وأم علي، والمشمشية.
كشري الهناء
على بعد خطوات من محطة السكة الحديد بأسيوط، وبالقرب من موقف الأربعين. يقف مطعم كشري “الهناء” كأحد معالم المدينة، بوصفه ثاني أقدم مطعم كشري في أسيوط. يحمل المكان عبق التاريخ. وتتشابك بين جدرانه ذكريات رسمتها أجيال متعاقبة. حيث يتصدر الكشري كرمز من رموز التراث الشعبي الذي حافظ على حضوره رغم تغير الزمن.
ويقول هشام مصطفى، المسؤول عن إدارة المطعم، إن “الهناء” يفتح أبوابه منذ عشرات السنين، ورغم صغر مساحته والمنافسة المحيطة به، فإنه يتميز بطعم خاص ورائحة تجذب المارة. ويضيف أن للمحل خلطته المميزة التي تجعل زبائنه يعودون إليه مرارا. مع اختلاف الأسعار حسب حجم الطبق وجودة المكونات المستخدمة، والتي يحرص أصحاب المكان على اختيارها بعناية رغم ارتفاع تكلفتها.
ويتابع أن سعر الكشري قديما كان لا يتجاوز الجنيه الواحد، لكن ارتفاع أسعار المكونات خلال السنوات الأخيرة انعكس على السعر الحالي. ورغم ذلك، ظل كشري “هناء” محتفظا بروحه الأولى وبساطته المميزة. بطعم لا يتغير وذاكرة ممتدة تعيد الزائر إلى زمن أكثر هدوءا. وتتنوع أسماء أطباق الكشري داخل المحل بين “كشري عادي، سوبر، سوبر لوكس، كشري الهناء، كشري جامبو، وكشري جامبو الهناء”.
ذكريات الأسايطة مع الكشري
“الكشري مش أكله وخلاص.. ده عشق من وأنا طفل لحد النهاردة”، بهذه الكلمات بدأ محمد عبد الباسط، في نهاية الأربعينات من عمره، حديثه لـ«باب مصر» مستحضرا ذاكرة ممتدة مع الكشري. ويقول: “فاكر وأنا طفل أجري أروح أشتري كشري وآكله وهو سخن قبل ما يبرد. كل ما بكبر بحس إن طعمه مرتبط بعمري. وبالشوارع اللي اتغيرت وبالناس اللي لسه فاكرة طعم الكشري زمان. وعشان كده مهما فتحت مطاعم كشري جديدة، خطواتي دايما بتاخدني للمطاعم القديمة اللي ليَ في كل ركن فيها ذكرى”.
وبالمثل تقول سهير محمد، ربة منزل في العقد الثالث من عمرها: “نجمة الحمصاني من الأماكن اللي ليها مكانة مميزة في قلبي. لما أحب آكل كشري مظبوط بروح له من غير تفكير. طعمه ثابت، والنظافة باينة، والتعامل راق”.
وتضيف أنها تتردد على المحل منذ أكثر من 15 عاما. وأصبحت تصطحب أبناءها معها: “الكشري عندهم مختلف، الرز مظبوط، والمكرونة فريش، وريحة الدقة تفتح النفس، والصلصة فيها حرارة خفيفة تخليك تخلص الطبق كله. وبعدها نطلب الحلو رز بلبن. مهما نبعد، بنرجع له”.
ويقول أحمد حسين، مهندس في الأربعينات من عمره: “الكشري بالنسبة لي مش مجرد وجبة، ده طقس يومي من أيام الجامعة. بروح لنفس المحل، ريحة البصل وهو بيتحمر كانت بتسوقني أنا وصحابي قبل ما نوصل. والطعم زي ما هو ما اتغيرش. الكشري في أسيوط له نكهة خاصة لأنه مرتبط بذكريات الصحبة واللمة”.
من الصعيد إلى البحر.. “الكشري بالكبدة” أيقونة الإسكندرية
بعد أن حمل الكشري في محافظات الصعيد ذاكرة ودفء الحكايات، يصل الطبق الشعبي الأشهر إلى الإسكندرية. حيث تكتسب نكهته ملامح مختلفة، ويبرز “الكشري بالكبدة” بوصفه أحد أكثر الأنواع إقبالا بين جمهور المدينة.
تقول نهال مصطفى، باحثة في الأنثروبولوجيا والتراث الثقافي غير المادي بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، إن الكشري ليس مجرد وجبة، بل يرتبط بالعادات والتراث. ويعكس جانبا أصيلا من الشخصية المصرية، التي استطاعت من خلال حبوب بسيطة أن تصنع وجبة متكاملة ذات هوية مصرية خالصة. وتشير إلى أن للكشري جذورا تاريخية وثقها عدد من المستشرقين الذين زاروا مصر. ما يجعله جزءا من التراث الغذائي القادر على أن يكون عنصرا من عناصر الجذب السياحي، في ظل انتشار ما يعرف عالميا بـ”سياحة الطعام”.
وتضيف أن من الأنواع التي تتميز بها مدينة الإسكندرية طبق الكشري المكون من الأرز والعدس الأصفر فقط. وهو ما تفسره بطبيعة نمط الحياة السريع الذي يميز السكندريين. وتوضح أن الكشري في الإسكندرية يعد وجبة موفرة تلجأ إليها الطبقات الشعبية، لكنه ينتشر أكثر كوجبة منزلية مقارنة بانتشاره في محال الكشري كما هو الحال في القاهرة.
كما تشير إلى تميز المدينة بالكشري الجمبري، باعتبارها مدينة ساحلية تنتشر بها أسواق السمك والصيادين على طول شواطئها. ولكنه أيضا طبق يُطلب خصيصا وليس معتاد وجوده في محال الكشري. ويُعد طبق الكشري بمكوناته المعروفة هو الأكثر انتشارا.
مكونات الكشري المصري المتوازن
يقول علاء الحنفي، إنه بدأ عمله في مجال مطاعم الكشري منذ عام 2002 في القاهرة قبل أن ينتقل إلى الإسكندرية، ولاحظ التفاوت الكبير في أسعار الكشري على مدار سنوات عمله.
ويسترجع قائلاً إن أكبر طبق كشري في بداية عمله كان يباع بجنيه واحد. بل إن البعض كان يتناوله بنصف جنيه أو ربع جنيه. بينما يصل سعر الطبق الكبير اليوم إلى نحو 60 جنيها دون إضافات، ويبدأ سعره من 25 جنيها.
ويشير الحنفي إلى أن طرق تناول الكشري الشائعة في القاهرة مثل ساندوتشات الكشري أو تناوله في الأكياس، غير معروفة في الإسكندرية، ولا يطلبها الزبائن. على عكس ما هو موجود في المناطق الشعبية بالقاهرة مثل السيدة زينب والزاوية الحمراء. ويؤكد أن من أكثر الأطباق طلبا وتميزا في الإسكندرية هو “الكشري بالكبدة”.
ويوضح أن مكونات طبق الكشري المصري الأصيل تشمل الأرز، والشعرية، والعدس بنوعيه الأصفر والأسود. والمكرونة بنوعيها الصغيرة والإسباجيتي. مع إضافة التوابل والبهارات والصلصة وبصل “التقلية”. مضيفا أن الكشري المتوازن يقوم على تقسيم واضح: ثلث أرز، وثلث عدس ومكرونة، وثلث حمص و”تقلية”. مؤكدا أن أي إخلال بهذا التوازن لا يمكن أن يطلق عليه “كشري مصري”.
اقرأ أيضا:
الكشري المصري بـ«اليونسكو».. كيف يواجه الطعام الشعبي غزو الثقافة الأجنبية؟












