دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«القلوب البيضاء» و«قناة السويس».. فرق من ذوي الهمم تضيء مهرجان الإسماعيلية للفنون

مع ختام أحد العروض الراقصة في مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية، امتلأ المسرح بمؤدين من رومانيا والإسكندرية إلى جانب راقصين من فرقة «هيئة قناة السويس لذوي الهمم»، التي تشارك للمرة الثانية رسميا بعرض كامل في المهرجان، في رقصة جماعية على أنغام أغنية المهرجان.

تجلى خلال العرض اندماج فني وإنساني فريد بين راقصين محترفين وأعضاء فرقة من ذوي الهمم. في مشهد عكس اعترافا متبادلا بالقدرات الفنية دون حواجز نفسية أو فنية. ما يعزز الاندماج الاجتماعي عبر الفنون الشعبية كجسر ثقافي يتجاوز الإعاقة، ويجعل من ذوي الهمم عنصرا فاعلا ومحبوبا في التعبير عن التراث الوطني.

الدورة الـ25 من مهرجان الإسماعيلية

في الدورة الخامسة والعشرين من المهرجان، شاركت فرقتا “القلوب البيضاء” و”هيئة قناة السويس لذوي الهمم” في برنامج عروض متكامل. وليس مجرد فقرات ترفيهية ضمن الاستعراض الافتتاحي. بعد مشاركات سابقة في مهرجان المانجو الصيفي ومهرجان الفراولة الربيعي بالإسماعيلية.

يقول إبراهيم المصري، مدرب الرقص لفرقة القلوب البيضاء لـ«باب مصر»: “مشاركتنا في مهرجان دولي إنجاز كبير في مسيرتنا. أداؤنا يتطور باستمرار منذ بدأنا مع مصمم الرقصات سامي البرنس قبل أربع سنوات فقط”.

 كيف نبتت «القلوب البيضاء»

بدأت مشاركة راقصين من أصحاب متلازمة داون بشكل استعراضي شرفي ضمن فرقة الأطفال للفنون الشعبية. تحكي رحاب زكريا، والدة جومانا سالم، عضوة فريق هيئة قناة السويس لذوي الهمم، عن بدايات ابنتها كحاملة لعلم فريق الأطفال بقصر ثقافة الإسماعيلية مع المدرب سامي البرنس. وانضمام كل من محمد جمال نصار وعمر خالد لتشكيل ثلاثي استعراضي مميز ضمن العروض.

تقول رحاب: “بتفاعل الثلاثي أصبح من الممكن تكوين فريق من ذوي الهمم وخاصة متلازمة داون. اجتهد أولياء الأمور في جمع الأطفال سواء من المدارس المتخصصة أو الأندية. وحتى خلال اللقاءات العفوية في عيادات العلاج والتأهيل”.

من هذه النواة الصغيرة تأسس فريق القلوب البيضاء بالإسماعيلية. ومع تزايد عدد الأعضاء، انشق بعضهم لاحقا لتأسيس فريق جديد حصل على دعم رسمي من هيئة قناة السويس. ليصبح امتدادا لعمل مركز رعاية الأطفال ذوي القدرات الخاصة تحت اسم فرقة هيئة قناة السويس لذوي الهمم للفنون الشعبية.

دعم المؤسسات والمدارس والجمعيات

يرتبط النشاط الفني للهيئة بمنظومة رعاية يقدمها مركز رعاية الأطفال ذوي القدرات الخاصة، الذي يوفر خدمات طبية وتأهيلية وتربوية متخصصة. إلى جانب الدعم النفسي والاجتماعي للأسر.

يقول المصري: “90% من أعضاء الفريق من متلازمة داون، معظمهم من مدرسة التربية الفكرية وجمعية التثقيف الفكري. صممت الرقصات بما يتناسب مع قدراتهم ليظهروا بأفضل صورة ممكنة. ساعدنا كذلك إعلان الدولة أعواما مخصصة لذوي الإعاقة، ما زاد تقبل المجتمع للمختلفين”.

سبق للمصري تدريب فرق الإسماعيلية القومية للأطفال. كما درب فريقا تابعا لجمعية خيرية لرعاية الأيتام. ويضيف: “في العام الماضي قدمنا عروضا على المسرح المكشوف بحديقة الشيخ زايد ومدينة القصاصين. وهذا العام طُلب منا تقديم عروض جديدة بعد الدعم والتفاعل الكبير من الجمهور”.

نموذج للرعاية المؤسسية

توفر هيئة قناة السويس نموذجا متكاملا للرعاية المؤسسية التي تضمن استدامة النشاط الفني لذوي الهمم. تقول رحاب زكريا: “الهيئة توفر دعما ماديا ومقرا للتدريب وملابس العروض والانتقالات، إلى جانب التنسيق للمشاركات في المهرجانات. هذا الدعم خفف العبء عن أولياء الأمور. وجعل دورهم يتركز في الدعم النفسي لأبنائهم”.

وتوضح أن التدريب على الرقص الشعبي ساهم في تحسين مهارات ابنتها الأكاديمية، مثل اللغة والحساب، وزاد من قدرتها على التركيز والانضباط. خاصة مع ارتباطها بأيام التدريب وشعورها بالانتماء داخل الفريق. وتضيف: “في المدرسة كانت جومانا تشعر بالاختلاف، لكن في الفريق لا توجد فوارق. الكل أصدقاء وأبطال”.

الفن والرياضة كعلاج

قبل انضمامها إلى الفريق، جربت جومانا رياضات السباحة وكرة اليد. لكنها وجدت شغفها الحقيقي في الرقص الشعبي، مثل زميليها محمد جمال نصار (حمودي) وعمر خالد.

تقول سماح رجب، والدة حمودي: “وجد ابني نفسه مع فريق الفنون الشعبية. وهو أول راقص من متلازمة داون في الإسماعيلية، شجعه أصدقاءه على الانضمام. فتكون الفريق وتعمق التفاهم بينهم أكثر”. وتتابع: “عند تجميع الفريق لأول مرة، يظهر الخوف والترقب في أول حصتين. لكن سرعان ما ينطلق العضو الجديد مع الفريق كأنهم أصدقاء منذ أعوام، طاقتهم تشع معا”.

ويقول حسن الدكروري، مدرب فريق هيئة قناة السويس لذوي الهمم: “يضم الفريق أطفالا من أصحاب متلازمة داون. إضافة إلى إعاقات ذهنية بسيطة وسمعية. نراعي في التدريب الفروق الفردية في الاستيعاب، ونوزع الأدوار وفقا لذلك”.

خلال أحد العروض، يجلس الدكروري على مقعد في الصف الأول أمام المسرح، موجها الراقصين بإشارات يده. خاصة أحد أعضاء الفريق الذي يؤدي رقصة التنورة باحتراف رغم إصابته بإعاقة سمعية.

تدريب منظم ومنهجية علمية

نجاح فريقي القلوب البيضاء وقناة السويس لذوي الهمم، لم يكن من محض الصدفة، بل هو نتاج منهج تدريبي منظم. يخضع الأعضاء لبروفات منتظمة ومكثفة لصقل مهاراتهم. مع التدريب على أفكار فنية جديدة لضمان جاهزيتهم للمشاركة في الفعاليات. يجتمع فريق الهيئة مرتين أسبوعيا، لمدة ساعتين في كل مرة، في أجواء تجمع بين الجدية والحماس.

من عروض فرقة قناة السويس للفنون الشعبية.. تصوير: محمد عوض
من عروض فرقة قناة السويس للفنون الشعبية.. تصوير: محمد عوض
دراسات أكاديمية تدعم التجربة

يتوافق النظام التدريبي للفريقين مع نتائج بحث أكاديمي للدكتورة جنات عبد الغني، أستاذ المناهج وطرق تعليم الطفل المساعد بكلية رياض الأطفال -جامعة الإسكندرية، بعنوان “دور أنشطة الفنون في تنمية بعض المهارات لدى الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة (متلازمة داون)”.

تشير الدراسة إلى أن الموسيقى تسهم في تنمية شخصية الطفل عبر تنمية الذوق الجمالي والقدرة على التعبير. كما تزيد من دافعيته للتعلم، مما يجعلها من الأنشطة المحببة لأطفال متلازمة داون. نظرا لطبيعتهم المرحة واستجابتهم العالية للإيقاع والحركة.

وتؤكد إحدى أولياء الأمور – والدة الطفلة ملك، عضوة فريق هيئة قناة السويس- على الأثر الواضح للتدريب الفني قائلة: “ابنتي أصبحت تتحدث بشكل أفضل بعدما انضمت للفرقة، والاندماج مع زملائها. بالتأكيد ساعدتها المدرسة ولكن تطورها في الكلام كان أسرع بعدما دخلت الفرقة”.

دور الأسرة والدعم المجتمعي 

إلى جانب جهد المدربين، يلعب أولياء الأمور والأشقاء دورا بطوليا في دعم الأبناء. يحرص العديد منهم على حضور التدريبات والمساعدة في تجهيز الأطفال قبل العروض، مؤكدين أنهم لاحظوا مبكرا ميول أبنائهم للفنون.

هذا الدعم الأسري المكثف هو ما يضمن استمرارية الالتزام بالتدريبات التي تتسم بالصعوبة أحيانا. ويساهم في خلق الدافع الداخلي لدى المؤدين. وتشير منهجيات التربية الخاصة إلى أن إيجاد الحافز لدى الطفل ومكافأته عند تحقيق السلوك المطلوب هما أساس النجاح في عملية التعليم والتأهيل.

نحو مهرجان خاص بذوي الهمم

بعد مشاركة فريقي القلوب البيضاء وهيئة قناة السويس لذوي الهمم في مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية، طرح المدربان فكرة إقامة مهرجان خاص لفرق الفنون الشعبية من ذوي الهمم على اللواء أكرم جلال محافظ الإسماعيلية.

يقترح المشروع أن يبدأ المهرجان بفرق مصرية، مثل فرق مراكز الشباب وفرقة القلوب البيضاء بمدينة المحلة، على أن تمتد الدعوة لاحقا إلى فرق أجنبية مماثلة، ليصبح مهرجانا دوليا جديدا.

وخلال اجتماع المحافظ مع الفرق المشاركة، تم عرض المقترح رسميا، وينتظر المدربان لقاءً لاحقا لمناقشة التفاصيل التنفيذية، في خطوة تمثل انتقالا من مفهوم “العرض الترفيهي المخصص” إلى “الاندماج الثقافي الشامل”، حيث تكون الفنون الشعبية مساحة متكافئة للتعبير والإبداع لكل فئات المجتمع.

اقرأ أيضا:

لحن صعيدي ودبكة فلسطينية.. مهرجان الإسماعيلية للفنون يحتفي باليوبيل الفضي

«السمسمية».. موسيقى الناس وسر البهجة التي عبرت من القناة إلى اليونسكو

«ملتقى السمسمية».. احتفاء بتوثيق عالمي ومطالب محلية لدعم العازفين

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.