«القاهرة وعمرانها».. التاريخ بين يديك
هذا الكتاب موسوعة تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية، وفي الوقت نفسه تجليات ذلك كله على المكان الذي هو القاهرة عبر التاريخ.
كاتب الكتاب هو نزار الصياد، أستاذ العمارة والتخطيط وتاريخ العمران في جامعة كاليفورنيا- بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية. له أكثر من عشرين كتابا باللغة الإنجليزية تُرجم منها الكثير إلى لغات أخرى، ومنها العربية.
من كتبه: “مدن وخلفاء: عن نشأة وتطور العمران العربي الإسلامي”، و”القاهرة السينمائية” عن المدينة والحداثة ما بين الصورة والواقع، و”مدن سينمائية”، و“المدينة الأصولية” اللذان كتبت عنهما هنا من قبل. غرامه بالسينما ليس فيما يكتبه فقط، لكن فيما يخرجه من أفلام وثائقية، مثل: “قاهرة بين القصرين” و”أمنا الأرض”.
يسعدني هنا أن أكتب عن هذا الكتاب الصادر عن دار العين عنوانه: “القاهرة وعمرانها: تواريخ وحكام وأماكن”، في أربعمائة صفحة من القطع المتوسط. يبدأ بحكايته مع الكتاب الذي كتبه بالإنجليزية من قبل وتمت ترجمته، ثم أعاد كتابته بالعربية بعد عشر سنوات من الكتابة الأولى بالإنجليزية، ولماذا فعل ذلك ليكون الكتاب تلخيصا لكل كتبه السابقة عن القاهرة، والتركيز على العلاقة مابين حكام المدينة والأحداث التي مرت بها، والعمران والأماكن الناتجة عن هذه التفاعلات. في نفس الوقت جعل الكتاب أكثر سلاسة للقارئ، ومرجعا موثقا لدارسي التاريخ العمراني.
***
ندخل في الكتاب مع ما مر على مصر القديمة، والغزوات التي طالتها، وظهور مدينة الإسكندرية في عصر البطالمة، وهي المدينة التي أمر الإسكندر الأكبر ببنائها عام 331 ق. م، لكنه مات وأنجزها بطليموس الأول والثاني. حديث موسع دائما في التاريخ وتجلياته حتى على المستوى الشعبي.
تفصيل أصل كلمة قبط، التي على الأرجح جاءت من المصرية القديمة التي تعني مقر روح الإله بتاح. وربما كان الإغريق قبل غزو الإسكندر ينطقون الكلمة التي تعني مقر الإله بتاح بوصفها “إيجيبتوس”، التي أصبحت في نهاية الأمر “إيجيبت” أو مصر. وصف العرب سكان مصر بالقبط قبل الفتح، ثم بعده استخدموا كلمة مصر من الأمصار التي يصفون بها الأراضي التي قاموا بفتحها.
عودة إلى الإسكندرية بين العصور البطلمية والرومانية وصراعات الحكام، وقصص الحب بين كليوباترا ومارك أنطوني. كيف ولدت الإمبراطورية البيزنطية، وكيف أصبحت الإسكندرية عاصمة العالم في العصر الهلليني الذي يشمل الفترة اليونانية والرومانية، حتى جاءت الحملة العربية على مصر صيف عام 640 ميلادية.
***
كيف تسلم العرب مصر وتفاصيل ذلك كله. حديث عن حصن بابليون الذي سمي فيما بعد بقصر الشمع مع دخول العرب، وهو الحصن الذي حين استولى عليه العرب صارت مهمة الاستيلاء على مصر سهلة. احتمالات بما كان في الحصن من كنيسة داخله، ثم كيف أتيح لأقباط مصر بعد الفتح العربي بناء كنائس أخرى حوله وصار حيا لهم، بينما استقر العرب في منطقة الفسطاط التي تقع شمال شرق الحصن. أحاديث المؤرخين عن الحصن مثل يوحنا النقيوسي الذي عاصر إلى حد ما عمرو بن العاص وغيره.
ويفصل كيف كان جنود الفتح العربي من قبائل مختلفة، وكيف بعد سقوط حصن بابليون تم تأسيس مدينة الفسطاط شمال شرق الحصن، لتكون أول عاصمة لمصر تحت الحكم الإسلامي.كان تخطيطها مناسبا للتعددية بين القبائل العربية. حديث عن شوارعها الكبيرة التي حملت اسم الطريق، والضيقة التي حملت اسم الدروب. تأسيس مسجد عمرو بن العاص عام 641-642 ميلادية، وكيف ازدادت أهمية المسجد، وتطورت الأحياء حوله. هكذا دائما ننتقل من التاريخ إلى العمران.
ثم يعرض العصور الإسلامية التالية: تدهور الفسطاط، وظهور مدينة العسكر في فترة الحكم العباسي، ثم مدينة القطائع لأحمد بن طولون كعاصمة جديدة. القطائع تعني العنابر أو الأحياء.التأثر في عمارتها بمدينة سامراء، ولا يزال مسجد أحمد بن طولون شاهدا عليها. مكونات المسجد وأنواع حجارته وشكل أعمدة البناء، وكيف كان المعتاد استخدام أعمدة من الكنائس أو المعابد الفرعونية، لكن هنا لا يوجد دليل إلا زوجان فقط من الطراز البيزنطي إلى جانبي المحراب. حال مصر في عهد ابن طولون ومن جاء بعده وسيرة الحكام والاغتيالات بينهم.
***
تأتي القاهرة في العصر الفاطمي، من جوهر الصقلي إلى الحاكم بأمر الله. مسجد الحاكم بأمر الله، وكيف هو الوحيد الذي ينافس مسجد ابن طولون. وفي الحديث عن كل مسجد، حديث عما يمكن أن ترى من القاهرة من أعلى المئذنة في كل الاتجاهات. هنا جولة في القاهرة الفاطمية.
حديث تاريخي عن الدولة الفاطمية وظهورها واحتلال مصر، وكيف قام القائد جوهر الصقلي بتأسيس مدينة جديدة لها بوابات ومسجد، أسماها المعز لدين الله الفاطمي بالقاهرة، وأعلنها عاصمة الخلافة الفاطمية. يصف المدينة الجديدة في كتب المؤرخين مثل المقريزي. بدايات بناء جامع الأزهر ثم اكتماله. الحاكم بأمر الله وما أضافه. حكايات الحاكم وأسطورته بعد اختفائه في المقطم.
بعد بناء مسجد الحاكم، صارت خطبة الجمعة شيعية في الجامع الأزهر ومسجد الحاكم. أبواب القاهرة مثل باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة. وعن بناء جامع الأقمر وحديث عنه ونقوشه وزخرفته. صارت القاهرة مدينة القصور الفخمة، وتجمعات سكنية كاملة للأثرياء من المصريين.أحاديث عنها عند الرحالة، مثل الفارسي ناصر خسرو الذي قال عن المدينة الفاطمية: “هذه المنازل رائعة وجميلة تجعلك تعتقد أنها مصنوعة من الجواهر، وليس من الجبس والبلاط والأحجار”. كيف كان الفاطميون يميلون إلى الطرق الواسعة فوسعوا طرق الفسطاط الضيقة.
***
ندخل إلى القاهرة تحت حكم الأيوبيين: كيف بدأت المرحلة الأيوبية مع القائد العسكري الكردي صلاح الدين يوسف بن أيوب، وحديث عن الحكام وبينهم شجرة الدر. وكيف تم تشييد القلعة على حافة هضبة المقطم، وإحاطة القاهرة بأسوار. القلعة وأسوارها وبواباتها، وكيف جعل صلاح الدين الأيوبي مسكنه في القلعة. كيف تم حفر بئر بها اسمه بئر يوسف على عمق تسعين مترا لإمدادها بالمياه.
ويعرض كيف قرر صلاح الدين الأيوبي فتح مدينة القاهرة لسكنى العامة، فتغيرت مدينة الأمراء سابقا. كيف تهدمت قصورها الفخمة، وحلت محلها مدارس ومساجد. كيف انتعشت القاهرة تجاريا، وحديث عن المحتسب ووظيفته كمراقب للأسواق. وظهور نظام الوقف الذي يسمح بتخصيص أي ملكية عقارية لدعم الخدمات الاجتماعية للناس. بعدها صار من المعتاد أن يقوم الأثرياء والأعيان بتخصيص جزء من إيرادات أحد المراكز التابعة لهم للأنشطة الخيرية.
***
يتناول توسع القاهرة وشكل شوارعها التي رآها الرحالة العراقي عبد اللطيف البغدادي عام 1193 ميلادية آخر أيام حكم صلاح الدين الأيوبي: “مدينة ذات مبان ضخمة ومساحات خضراء وشوارع واسعة”. بينما قال عنها الرحالة المغربي ابن سعد عام 1243 م في نهايات حكم الأيوبيين: “إن مباني القاهرة شاهقة، لكن شوارعها ضيقة وحركة السير فيها غير منتظمة”.
ثم ينتقل إلى المدارس التي بناها الأيوبيون ومنها مدرسة الصالح نجم الدين أيوب أو المدرسة الصالحية، وحديث عن تكوينها. وكيف أضافت شجرة الدر ضريحا لزوجها الصالح بعد وفاته إلى المدرسة، وكيف بنت مقبرة لنفسها في مقابر المماليك أسفل القلعة، يزينها زجاج الفسيفساء على النمط البيزنطي. يقول المؤلف إنه ليس هناك أدني شك أن ذلك إشارة لأسمها شجرة الدر أي “الشجر الذي يحمل اللآلئ”.
***
ننتقل إلى عصر المماليك.
قاهرة سلاطين المماليك البحرية الذين ربما جاء اسمهم لأن أغلبهم كان يسكن في جزيرة الروضة في النيل، وكان المصريون يسمون النيل بالبحر. إنها مدينة قلاوون والناصر محمد والسلطان حسن وابن خلدون. القاهرة في عصرهم التي حين جاءها ابن خلدون أواخر أيامهم قال عنها: “من لم يرَ القاهرة لا يعرف شيئا عن عز الإسلام. إنها حاضرة الدنيا وبستان العالم”.
كالعادة جولة تاريخية وكيف وصل المماليك إلى الحكم، وحديث عن كل حاكم، ثم كيف توسعت القاهرة. يستعرض مسجد الظاهر بيبرس الكبير، الذي تم بناؤه في الحي الشمالي الجديد الذي بني خارج أسوار القاهرة، في محاولة لخلق مركز جديد للمدينة أثناء حكم المماليك البحرية. ويعرض شكل المسجد الذي أشرف بيبرس بنفسه على بنائه، وكيف تم جلب العديد من مكوناته من منشآت الصليبيين في يافا. تكوين المسجد كالعادة في كل مرة.
***
أما المنصور قلاوون فكان مولعا بالبناء أكثر من بيبرس، فأنشأ المجمع الكبير في فراغ بين القصرين، واحتوى على مسجد ومدرسة وضريحا وبيمارستان أو مستشفى، وطابعه المعماري الجديد. وظائف المسجد والمدرسة والبيمارستان. ثم يأتي حكم الناصر محمد ابن المنصور قلاوون، وتطوير المدينة وبناء مدارس وجوامع مثل المسجد الجامع في القلعة. كانت فترة الناصر محمد هي فترة ازدهار للقاهرة. وصار حجمها ضعف حجم لندن وباريس، لكنه مات عام 1340.
كان خلفاؤه من الضعف والوهن لكن كان السلطان حسن بن الناصر، أحد البناة الكبار. بني مسجد ومدرسة السلطان حسن، وكان من أكثر المباني تكلفة على الإطلاق، إذ بلغت تكلفته عشرين مليون درهم، وهو رقم بالغ الضخامة ذلك الوقت. جاء المسجد قريبا من القلعة. وطبعا أحاديث تفصيلية طويلة عن شكل البناء وجوهره. العمارة التي هي الهدف الرئيسي للكتاب رغم كل ما أحاط ذلك من تاريخ وغيره.
تأتي قاهرة المماليك البُرجية (الجراكسة): مدينة برقوق وقايتباي والمؤيد شيخ وقنصوة الغوري والمقريزي. جاء اسم المماليك “البرجية” لأن معظمهم سكن القلعة، حيث عاش الظاهر برقوق والمؤيد شيخ وقايتباي وقنصوة الغوري. كانت مآذن المساجد التي أقامها المماليك البرجية من أكثر مساجد القاهرة ارتفاعا وأناقة، ومنهما المئذنتان اللتان ترتفعان على قمة باب زويلة.
***
كان باب زويلة مدخل السلطان إلى المدينة والموقع الرسمي لتنفيذ حكم الإعدام، والموضع الذي يتم فيه تعليق أجساد المجرمين وأسرى الحرب والسجناء السياسيين بعد إعدامهم. شيَّد المؤيد شيخ مسجد ومدرسة المؤيد شيخ. درج العامة على إطلاق اسم “بوابة المتولي” على باب زويلة، الذي جاء اسمه نسبة لقبيلة زويلة التي جاءت مع الفاطميين، وعسكرت في هذا المكان. حديث المقريزي وحكاياته عن المكان وشكل المدينة في عصر المماليك البرجية، وكذلك الرحالة الأجانب كالعادة.
ويستعرض مجمع السلطان برقوق، وكيف تم عام 1386م، وضم مدرسة وضريحا، وكان من أفخم مباني القاهرة. ثم يتناول تاريخ الحملات والحروب والقاهرة بينها، وتصنيف الناس في القاهرة الذين كان أقواهم طبقة التجار، ومنهم فئة الكرميون أو تجار الكارِم، وهو التوابل. ومن من مشروعات السلاطين توسيع الشوارع.
ثم يأتي الأشرف قنصوة الغوري وما أقامه من مدرسة وخانقاه ووكالة بنفس الاسم في المنطقة التي صارت تحمل اسم الغورية. وكان السلطان قايتباي، آخر حكام المماليك، راعيا كبيرا للفنون والعمارة. مما أنشأه مجمع وضريح قايتباي الاستثنائي بزخارفه الرائعة. في كل ذلك وصف للمساجد والمجمعات وتكوينها ومنها ارتفاع المآذن والقباب والمقارنة بينها.
***
نستمر مع القاهرة كعاصمة إقليم في الدولة العثمانية.
مدينة خاير بك وعبد الرحمن كُتخدا ومحمد بك أبو الدهب. قام خاير بك حاكم مصر بتمويل أول مسجد في العصر العثماني، وكالعادة مسجد ومدرسة. كيف استقر الحكم في مصر لخمس سنوات ثم اضطرابات. ظهور الإنكشارية التي تجمع الضرائب وتحافظ على الأمن. لم تظهر بنايات متأثرة بالطراز العثماني إلا بعد نصف قرن، مع مسجد سنان باشا الألباني الذي حكم مصر1561م. وهو مسجد على الطراز العثماني محاط بالأشجار، يحاكي مساجد الآستانة.
ثم يأتي رضوان بك الذي حكم مصر عام 1631م لأكثر من عقدين، وكان من أكثر من قام بالتطوير. كان مما أنشأه قصبة رضوان وسوق الخيامية وسوق الجلد لصناعة الأحذية ووكالة وغيرها، وكلها كانت عبر الشارع الرئيسي الذي يربط باب زويلة بشارع الصليبية (شارع شيخون بالجمالية الآن).
***
يتابع المؤلف الحديث عن علي بك الكبير ثم محمد بك أبو الذهب وعبد الرحمن كُتخدا، الذي كان من أشهر إنجازاته السبيل والكتّاب الذي يحمل اسمه، والذي تم بناؤه عام 1744م. لقب “كُتخدا” يعني نائب القائد أو قائم مقام في الإنكشارية.
ثم يعرض كيف صار تشكيل القاهرة الديموجرافي أثناء القرنين السابع والثامن عشر، مكونا من جماعات غير متجانسة من السكان المحليين، وأعداد ضخمة من الأجانب، وصار عدد سكانها حوالي ربع مليون بنهاية الحقبة العثمانية. كانت النخبة الحاكمة تعيش منفصلة عن عامة الشعب، ومنها بيت محمد بك الألفي الذي بني على بحيرة الأزبكية عام 1798، وهو المنزل الذي سيكون له دور تاريخي فيما بعد. قبله بيت محمد بن يوسف الهراوي وبيت السحيمي، وكانا من كبار التجار. مداخل البيت والسلاملك للرجال والحرملك للنساء وردهاته وقاعاته وغير ذلك.
***
ننتقل إلى العصر الحديث مع مدينة نابليون ومحمد علي والجبرتي وإدوارد وليم لين. لاحظ أنه دائما وهو يذكر أسماء الحكام في العناوين يكون معها اسم مؤرخ أو مستشرق. وصف الجبرتي لمصر وإدوارد وليم لين. كيف دخل نابليون مصر. كيف اختار منزل محمد بك الألفي على بحيرة الأزبكية ليكون مقر الحكم. سياسة نابليون لاستمالة الشيوخ وغير ذلك بدءا من البحث في تاريخ مصر عن طريق علماء الحملة، حتى انتشار الدعارة مع الجنود الفرنسيين. حين وصل محمد علي إلى الحكم قام ببناء مقر حكم جديد على النيل في حي شبرا عام 1809م.
ما كتبه المستشرق البريطاني إدوارد وليم لين عنه وعن عادات وتقاليد المصريين. تدفق الفنانين والكتاب الأوربيين على القاهرة مثل ديفيد روبرتس، والبريطانية فلورانس نايتينجيل، وجان ليون جيروم، ولوحاتهم وما كتبوه عن القاهرة. توسيع الشوارع في عهد محمد علي بإزالة المصاطب مثلا التي كانت أمام البيوت. التفكير في خط السكة الحديد. أمل محمد على في الصناعة وما فعله. كيف أسس جامعته في القلعة. ونمشي مع أبنائه وأحفاده.
كيف بنى عباس الأول فندق شبرد على شاطئ بحيرة الأزبكية قبل إسماعيل. لقد تم هدمه منذ سنوات قريبة. كيف بدأ مشروع قناة السويس قبل إسماعيل أيضا في عهد سعيد. يأتي عهد إسماعيل وكيف صارت هناك قاهرتان. تنظيم القديم وتصميم الجديد.
***
كيف بنى الخديوي إسماعيل فندق عمر الخيام أو الماريوت بالزمالك لاستقبال الإمبراطورة أوجيني عند افتتاح قناة السويس، وأسماه قصر الجزيرة. في فترة إسماعيل من 1863إلى 1879 كان التحديث أسرع من فترة جده محمد علي. كيف كان إسماعيل يريد القاهرة مثل باريس. ظهور علي مبارك وهندسة القاهرة الخديوية. كيف عمل علي مبارك بوصفه وزير الأشغال العامة على تحويل القاهرة لتصبح “باريس النيل”. شوارع مثل الفجالة وكلوت بك ومحمد على التي أقيمت مثل شارع الريفولي في باريس بالقباب التي تتقدم العمارات وتحتها الأرصفة وغير ذلك كثير، ولقد تحطم وتغير ذلك كله، وهذه الإضافة من عندي.
عمارات وسط القاهرة وقانون البناء الذي يحدد ارتفاع العمارة بمرة ونصف عرض الشارع- راح خلاص في الوباء مع الفساد – وكوبري قصر النيل، ومشروع بناء قصر عابدين بتخطيطه على شكل القصور الفرنسية، وهو آخر رموز القاهرة الحديثة التي أضافها إسماعيل. زيارات الرحالة الأجانب ورأيهم كالعادة. ظهور الترام في القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر فتوسعت المدينة وظهور مستثمرين أجانب ومصريين. من الأجانب كان الامبراطور إمبان البلجيكي الأصل الذي أقام مجتمعا جديدا في منطقة هوليوبوليس التي صارت تعرف فيما بعد بمصر الجديدة. بناء جامعة القاهرة في عصر الملك فؤاد.
***
نصل إلى القاهرة عاصمة الجمهورية العربية في عصر الاشتراكية وجمال عبد الناصر. إقامة برج القاهرة كتحدٍ لمؤامرات أمريكا ضد عبد الناصر ووصف البرج. بيوت شعبية في أحياء مثل إمبابة على النظام السوفييتي. قضايا السياسة في عهد عبد الناصر والحروب التي دخلها. الغموض الذي شاب تمويل برج القاهرة. القول بأن أمريكا سلمت عبد الناصر ثلاثة ملايين دولار مقابل تعهده بالوصول إلى اتفاق مع بريطانيا بشأن قناة السويس، لكن عبد الناصر أقام بها البرج ردا على الأمريكيين. هناك رواية أخرى لا يذكرها الكاتب، وهي أن أمريكا رصدت مبلغا كبيرا لاغتيال عبد الناصر وصل إلى عبد الحميد السراج وزير الداخلية ورئيس المكتب التنفيذي للإقليم الشمالي أثناء الوحدة، فأوصله لعبد الناصر.لكن بدأ بناء البرج عام 1956قبل الوحدة، ومن ثم فالرواية الأولي أقرب إلى الصحة.
كيف عين عبد الناصر عبد اللطيف البغدادي وزيرا للأشغال العامة، فقام بإعادة تخطيط ميادين مثل الأوبرا والإسماعيلية – التحرير فيما بعد- وباب الحديد أو رمسيس فيما بعد أيضا، وإنشاء كوبري الجامعة بين جامعة القاهرة في الجيزة وجزيرة الروضة، وستاد القاهرة. كان مجمع التحرير قد بدأ إنشاؤه عام 1950 واكتمل عام 1953. تأسيس مبنى الاتحاد الاشتراكي في عهد عبد الناصر وهو المبنى الذي احترق خلال أحداث ثورة يناير وتم هدمه. كل الأمور السياسة في عهد عبد الناصر.كيف بدأ الزحف من الريف إلى المدينة، لكن أيضا ظهرت أحياء مثل المهندسين ومدينة نصر.
***
تأتي قاهرة الانفتاح والاقتصاد الحر في عهدي مبارك والسادات. كالعادة حديث عن السادات وتاريخه وحكمه واغتياله أمام قبر الجندي المجهول ودفنه عنده. المدن الجديدة التي تم التخطيط لها، وكانت ثماني عشرة مدينة بين عامي 1975-1979 تحت مظلة هيئة المجتمعات العمرانية، ومنها مدينة 6 أكتوبر ومدينة 15 مايو ومدينة العاشر من رمضان ومدينة السادات. زيادة العشوائيات ومخالفات البناء والفساد في الوقت الذي ظهرت الكومباوندات ومنها دريم لاند ورجال الأعمال المصريين، فالعصر يعطي الفرصة للقطاع الخاص وانتهت مركزية دولة عبد الناصر. المراكز أو المولات في المدن الجديدة مثل سيتي ستارز الذي أنشئ ما بين مصر الجديدة ومدينة نصر، مما ساعد على اختفاء مراكز التسوق القديمة، وإنشاء حديقة الأزهر عام 1994.
نصل إلى الجمهورية الجديدة، وهو المصطلح الذي ظهر في أكتوبر عام 2021. الأمور السياسية بعد ثورة يناير. ظهور ممشى أهل مصر على النيل وتطوير مثلث ماسبيرو، والبدء في إنشاء الكباري بتوسع كبير، ومشروع إزالة العشوائيات، الذي من الصعب اكتماله، بهدمها وبناء مساكن لسكانها مثل مشروع الأسمرات، وغير ذلك مما نعيشه.
***
هكذا تكون قد قطعت رحلة رائعة في الكتاب مع التاريخ والتطور والثقافة حافلة بالصور والرسوم والخرائط. رحلة اتركها للقارئ فهي حافلة بالأحداث والصراعات على الحكم. ينتهي الكتاب بسؤال هل ستقوم القاهرة بتغيير ماهيتها في عصر العولمة؟ أم ستواصل الفوضى والخمول. الزمن وحده كفيل بالإجابة.
اقرأ أيضا:
كتاب عن «الروائح» يتسع به الفضاء
كيف أصبحت الإسكندرية حلما؟ الروائي «إبراهيم عبدالمجيد» يُفسر
