الفيلم المصري في الأوسكار.. «الشوشرة» مستمرة!

يعلم المتابعون لأخبار السينما أن فيلم «عيد ميلاد سعيد» للمخرجة سارة جوهر عرض لأول مرة في مهرجان «تريبيكا» الأمريكي في مايو الماضي، حيث حصل على ثلاث جوائز كأفضل فيلم وسيناريو في المسابقة الدولية وجائزة نورا ايفرون لأفضل فيلم نسائي. ويعلم المتابعون كذلك أن مهرجان «الجونة» الدولي أعلن في أغسطس الماضي، ثم في المؤتمر الصحفي الذي عقد منذ أيام، أن «عيد ميلاد سعيد» سيكون فيلم افتتاح دورته القادمة ليلة 16 أكتوبر القادم. وكما يعلم أهل السينما فإن أعراف وقواعد المهرجانات تقضي بأن يكون الفيلم المختار للافتتاح لم يسبق عرضه في بلد المهرجان على الأقل (وأحيانا لم يسبق عرضه في المنطقة أو القارة أو العالم).
** **
ومن ناحية ثانية يعلم المتابعون لوقائع اختيار الفيلم الممثل لمصر في مسابقة الأوسكار 2025 أن الفيلم الذي وقع عليه الاختيار هو “عيد ميلاد سعيد”، كما يعلمون أن الفيلم أضيف في اللحظات الأخيرة إلى قائمة الأفلام القابلة للترشح، بعد أن عقدت لجنة الاختيار التي تشكلها نقابة المهن السينمائية (الجهة المخولة بالاختيار) اجتماعها الأول واختارت قائمة قصيرة كان يفترض أن تختار منها الفيلم الذي يمثل مصر في الاجتماع التالي. ولكن “عيد ميلاد سعيد” تم إضافته وإقامة عرضين له في سينما الهناجر، ضمن عروض أفلام القائمة القصيرة التي اختارتها اللجنة. وقيل وقتها لمن أبدى استغرابه أن الفيلم تنطبق عليه الشروط، وعلى رأسها أن يكون الفيلم قد عرض عرضا عاما Public release في بلده قبل 30 سبتمبر 2025. وقيل أيضا أن الشركة المنتجة للفيلم حددت موعد عرضه العام في 17 سبتمبر، أي يوم الأربعاء الماضي!
** **
وبحسن نية، وافتراض النية الحسنة، وافق أعضاء اللجنة الكرام، وكنت واحداً منهم، على أن يتم التصويت على الفيلم بشرط أن يلتزم منتجه وموزعه بعرضه في الموعد المحدد فعلا. بالطبع كان بعض أعضاء اللجنة، وأنا منهم، نشك في أن الشركة يمكن أن تتلاعب بالقواعد، بما أننا أبطال العالم في التلاعب بالقواعد، وأن عرض 17 سبتمبر قد يكون “صوريا”، مثل العقد الصوري، أو الزواج العرفي، مجرد حبر على ورق على طريقة: “الدفاتر دفاترنا والشركة شركتنا ودار العرض دارنا”.
وأذكر أنني وبعض الحاضرين أكدنا على الأستاذ مسعد فودة رئيس نقابة السينمائيين، بأن يتصل بالأستاذ أحمد الدسوقي منتج وموزع الفيلم في مصر ليتأكد منه، ويؤكد عليه، أن العرض العام سيكون حقيقيا وليس شكلياً، وأن مهرجان الجونة وافق بالفعل على أن يعرض في افتتاحه فيلما نزل إلى دور العرض قبل موعد المهرجان بشهر كامل. وقد قام الأستاذ فودة مشكوراً بالاتصال بالأستاذ دسوقي في حضورنا، ونقل إليه مخاوفنا من حدوث مشكلة أو فضيحة، إذا ما تم التحايل على القواعد. ومن باب الاحتياط اتفقت اللجنة على اختيار فيلم ثانٍ، في حالة وجود مشكلة مع “عيد ميلاد سعيد”، وبالفعل، كما توقع بعضنا، وبمجرد انتهاء الاجتماع واختيار الفيلم تناثرت بعض الاتهامات بمجاملة اللجنة والنقابة للفيلم، وبأن عرض الفيلم سيكون مجرد حبر على ورق، ولكننا رددنا لأنفسنا عبارات من نوع “إن غداً لناظره قريب”، و”المية تكدب الغطاس”!
** **
ثم جاء يوم 17 المنتظر، وكما خشي البعض، قامت الشركة بتنظيم عرض “غير عام”: مجرد صور لبوستر معلق وتذاكر “مقطوعة” أرسلوها إلى النقابة التي نشرت على صفحتها على الفيسبوك خبراً مٌحلى بالصور يفيد بأن الفيلم يعرض بالفعل في إحدى قاعات سينما “أرابيلا” بالتجمع.
حتى إذا افترضنا، أن هذا بالفعل عرض عام، فإن موقع “السينما.كوم” الذي يقدم خدمة التعريف بكل فيلم يعرض في مصر وكل قاعة تعرضه، ومواعيد كل عرض، وخدمة حجز التذاكر لأي عرض، ويمكنك البحث فيه إما بأسماء الأفلام أو بأسماء دور العرض، لا يحمل أي ذكر لـ”عيد ميلاد سعيد”. وقد جربت أن أبحث أيام 17 و18 و19 و20 سبتمبر على أمل أن تكون سينما “أرابيلا” قد أضافت الفيلم إلى عروضها رسمياً، ولكن لا أثر!
وعلى صفحة فيسبوك النقابة راحت التعليقات تنهال على الخبر المنشور عن الفيلم : واحد كتب أن العرض “كدبة وفضيحة وأن الفيلم مشتغلش حفلة واحدة”، وثانٍ كتب أن العروض “نصباية” و”وهمية” وثالث كتب أنه اتصل بالسينما فأخبروه بأن الفيلم غير معروض وأن العرض “شكل بس كدا علشان الأوسكار”، ورابع كتب “يا نصابين يا حرامية”!
ولا أعلم ما الذي يمكن أن يحدث إذا قام صاحب فيلم منافس أو فاعل خير بابلاغ المسئولين عن الأوسكار بأن مصر رشحت فيلما لا تنطبق عليه الشروط، وأن العرض لم يكن “عاما”، وأنه ليس منطقياً أن يعرض فيلم “كبير” انتاجياً وفنياً مثل “عيد ميلاد سعيد” في قاعة واحدة صغيرة غير محددة، ودون اعلان أو ذكر للفيلم وعرضه في موقع “السينما.كوم” أو غيره من المواقع.
** **
لقد قررت الشركة، بذكاء المصري الأصيل، أن تحصل على كل المكاسب: تعرض في “الجونة”، وترشح للأوسكار، وتنزل بالفيلم إلى دور العرض بعد 16 أكتوبر، وكل ذلك كان ممكنا وسهلاً لولا أن القاعدة تنص على أن يكون الفيلم المرشح للأوسكار قد عرض عرضاً عاماً قبل 30 سبتمبر. وأتخيل أحدهم وهو يقول: الموضوع بسيط- يا جماعة. مجرد فرق أيام، والفيلم جميل واللجنة اختارته بالأغلبية من الجولة الأولى، وسوف يشرف اسم مصر في أمريكا، وإن شاء الله يصل للقائمة القصيرة، ومن يدري، ربما يفوز بالأوسكار..فلماذا تثيرون الزوابع وتفتعلون المشاكل؟!
وكل ذلك جميل، والفيلم بالفعل جميل، وصناعه من أجمل الفنانين، ولكن للأسف هناك شيئ اسمه القواعد، وهناك شيئ اسمه الفعل الواضح والكلام الواضح، وليس مجرد شكليات للتمويه على القواعد.
يعني باختصار: هل الفيلم يعرض حاليا “عرضا عاما” (“بابليك ريليس” بالانجليزية!)، أي أنه متاح في عدة نسخ داخل أكثر من قاعة عرض، مع دعاية واعلانات رسمية عن تلك العروض، وهل متاح لأي مواطن أن “يقطع” تذكرة ليشاهده، أو لأي متشكك أن “يقطع الشك باليقين”؟!
** **
ويبدو أن استقصائي عن الفيلم قد وصل للأستاذ أحمد الدسوقي منتج الفيلم، فقد تواصل معي ليؤكد أن الشروط مستوفية، حسب قواعد الأوسكار، وهي العرض العام للفيلم في قاعة واحدة فقط لمدة ستة أيام متتالية على الأقل. وهو ما حدث على سبيل المثال في البرازيل العام الماضي، حيث عرض فيلم «لم أزل هنا» في قاعة واحدة (رغم أنني أعتقد أن العرض كان بالفعل عاماً ومتاحاً وليس مجرد اجراءات شكلية). الأستاذ أحمد أكد لي أيضاً أنه استأذن القائمين على مهرجان “الجونة” في إقامة عرض “محدود” للفيلم، وأنه يعرض بالفعل في إحدى قاعات سينما “أرابيلا”، ولكن دار العرض تشترط وجود 20 تذكرة على الأقل حتى تقوم بتشغيل الحفل (وبالطبع يصعب أن يتحقق ذلك مع عدم وجود دعاية أو اعلان عن وجود الفيلم) كما أضاف أنه على استعداد لتشغيل العرض لأي شخص يريد مشاهدة الفيلم.
المهم أن تكون الأقوال والأفعال واضحة وألا نفتح بابا للتحايل والفهلوة يمكن أن يتسبب في مشكلة للفيلم ولاسم الجهة التي اختارت الفيلم، ولتمثيل اسم مصر في مسابقة الأوسكار.
اقرا أيضا:
«اختيار مريم» واعتصام «زاوية»: جريمة تعلن عن نفسها!
كيف تقتطع تصريحا من سياقه وتثير زوبعة: «محمود حميدة» وعروس البحر وهجمة الترند!