الفنانة التشكيلية هبة حلمي: الخزف له تأثير السحر والتجريب فيه لا ينتهي

تعشق الألوان والخطوط والطبيعة والخزف أيضا وتجد حريتها في تجريب الأشكال والألوان حتى تختار ما تحب دون إجبار أو التزام نمطي مكرر، لتنتج منه تجربتها الخاصة وطابعها المميز وتضع بصمتها الفريدة. «هبة حلمي» فنانة تشكيلية وخزافة تخرجت في كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان عام 1994، وشاركت في العديد من المعارض الفنية الخاصة والجماعية، إلا أن أعمالها لها رونقها الخاص بها الذي تتمنى ألا تفقده أبدا.. «باب مصر» يلقى الضوء على موهبتها.

النشأة وتأثير المكان

عن تأثير النشأة.. قالت هبة حلمي لـ«باب مصر»: “الأماكن التي نشأنا بها تمنحنا قاموس بصري وحسي وعاطفي يؤثر علينا ويصبح منبع أولي وأصلي لأي تجربة تأتي في المستقبل، هذا القاموس كونني كإنسانة وكفنانة تشكيلية فيما بعد”.

وتابعت: أنا قاهرية أبا عن جد، ولدت بقلب القاهرة حيث سكنت مابين شارع القصر العيني وكورنيش النيل، النيل الصغير وهو الجزء الشرقي من النيل الذي يحيط جزيرة المنيل، والذي يتميز بهدوئه مقارنة بالجهة الغربية، كنت أمر عليه ذهابًا وإيابًا في طريقي إلى مدرستي وأطل عليه من شرفة غرفتي، فكانت معظم صور الطفولة المبكرة في المدينة متعلقة بالنيل وعشش بعض الصيادين المقيمين على شاطئه، بجانب المراكب الشراعية والأشجار على الكورنيش ذات الجذور الهوائية التي تتدلى من أعلى الفروع إلى الأرض لتلد شجيرة جديدة، كما كان ميدان التحرير على مسافة ليست بعيدة، ومنطقة وسط البلد حيث التسوق والازدحام والقاهرة الخديوية بمعمارها، التي عشقت تأمل كل ما نحت على واجهات عماراتها وأشكال أبوابها ونوافذها ذات الحديد المشغول.

تكمل حلمي: مكان آخر كان له تأثير مهم علي وجعلني أكون من خلاله علاقة وثيقة مع الطبيعة، وهو بيت جدي لأمي في قريته البهاتية بالدلتا، مركز ميت غمر بالدقهلية، هناك لعبت في التراب والحقول وتذوقت الخضروات والفاكهة بعد قطفها مباشرة، وصعدت شجر الجميز، وعرفت روائح “حش” البرسيم وزهور البرتقال.

البدايات الفنية

لا تتذكر حلمي كيف ومتى ظهرت موهبتها في الرسم، حيث كان حاضرًا معها منذ البداية فهي لا تتذكر تاريخا أو فترة بعينها – كما تقول-، لكنها تتذكر جيدا أنها كانت ترسم قبل دخولها المدرسة، وتقول: “أتذكر نفسي وأنا ارسم فقط من قبل دخول المدرسة، وأتذكر جيدًا خالي وهو شجعني كثيرا، فقد كان خريج كلية التربية الفنية ونحات موهوب ورائع، كانت تماثيله حولي في كل مكان بالبيت، أتأملها وأغوص بخيالي داخلها وأخترع لها قصص حياة، بالتأكيد خالي كان له التأثير الأكبر في ارتباطي بالرسم وحبه ودراسته فيما بعد، كما كنت أحب مدرسي الرسم وانتظر حصة الرسم بلهفة وشوق، وكان لمشاركتي في النشاط الفني في المدرسة، منحي فرصة استخدام خامات جديدة كالألوان الزيتية وطين الخزف”.

تردف حلمي: قررت دراسة الفن والتحقت بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان ودرست فن التصوير والرسم، وأثناء دراستي كنت أعمل في مجال التصميم الجرافيكي، سواء في مجال الإعلان ثم مجال صناعة الكتاب (تصميم الأغلفة وإخراجها)، وأرى أن أهم ما منحته الدراسة بالفنون الجميلة هو التفرغ التام للرسم والتكوين الثقافي الملازم بالضرورة للجانب التقني، فقد منحنى التواجد في المراسم بالكلية مع طلبة الدفعات السابقة ثم اللاحقة، تبادل للخبرات، بجانب ذلك كان لي أساتذة احترمهم وأجلهم كالمرحوم زكريا الزيني، والمرحوم عبدالهادي الوشاحي، والمرحوم ناجي شاكر، الذي اعتبره أبي وصديقي وأستاذي.

تضيف حلمي: عملت بكلية الفنون الجميلة مدرسا مساعدا بقسم تاريخ الفن، الذي أسسه الدكتور عبدالغفار شديد وشرفت بالعمل معه أيضا، كانت تجربة التدريس ملهمة جدا، فأنا لا أتعامل مع خامات وورق وألوان، بل طالبات وطلبة، أرواح وعقول ومخاوف ومواهب.

وتشير إلى أن المنابع المتنوعة للمعرفة دائما ما توسع من أفق الرؤية، كما أن المهارات المكتسبة مع كل خبرة جديدة تتراكم مع الزمن، وهذا التراكم جعلني ارسم لوحاتي على سطح الخزف، لذلك أنا مصورة خزافة.

الخط العربي 

تتحدث حلمي عن أعمالها وتقول: “أحببت الخط العربي من زمن طويل ولكني لم أفسح لنفسي وقتا أو أرتب أولوياتي لتعلمه لسنوات طويلة حتى جاءتني فرصة، حيث ذهبت للخطاط محمد حمام (شيخ الخطاطين) ليكتب لي عنوان كتاب كنت أصمم غلافه، وأخبرته برغبتي، فبدأنا دروس تعلم الخط، وقد منحني تعلم الخط العربي، “خط النسخ وخط الثلث” قاموس آخر من الجماليات البصرية، امتلكته ووظفته بعد وقت في الخزف، وكنت أتعلم الخط العربي في نفس الوقت الذي أكون فيه خبرة أكبر في تشكيل وتلوين وحرق الخزف، خبرة باتت تتيح لي أن أنفذ ما أوده بسهولة، ما اسميه امتلاك الصنعة وهذا مهم”.

وعن تجربتها مع الخزف واللوحات تحكي حلمي: “أحبهما معا، فهما ليسا منفصلين، أنا ارسم على الخزف، واكتب على اللوحات، وأعتبر نفسي تشكيلية تعمل بوسيط هو الخزف، هناك فقط اختلاف ما بين الرسم والخزف. عندما ارسم لوحة وتكون باليت اللون في يدي والفرشاة في اليد الأخرى، أخلط ألوانا معا لأكون لون جديد أريده وضعه في المكان المرغوب فيه داخل لوحتي، أما في الخزف الأمر يختلف، اللون الذي أضعه على السطح في 90% من الحالات يكون لونا لا علاقة له باللون النهائي بعد الحرق، وهذا يعني أنه على الخزاف أن يتخيل اللون المستقبلي داخل التشكيل الذي ينفذه، لأن اللون بتكوينه ودرجته وكثافته يعرفه الخزاف من تجارب عينات لألوان حرقت في الفرن من قبل”.

محطات أخرى في حياة حلمي كان لها أيضًا تأثير عليها، مثل ورشتها في قرية تونس بالفيوم، وورشتها في الفسطاط، وعن تلك الأماكن تقول: “أذهب كل عطلة أسبوع إلى بيتي بقرية تونس بالفيوم، حيث اخترت أنا وزوجي بناءه محبة في القرية، والفنانة العظيمة الراحلة إيفيلين بوريه، ووسط الطبيعة وورش الخزف التي تملئ القرية، ووسط هذه التجربة التنموية الفريدة، أثار الخزف فضولي وأخذني إليه، اشتغلت في العديد من ورش القرية، واخترت ورشة الخزاف عبدالستار عبدالرحمن، الذي لم يبخل علي بما يعرف، كما تعلمت من السيدة العظيمة إيفيلين بوريه وزوجها ميشيل باستور، ودار بيننا نقاشات كثيرة ونقل الخبرات، ثم قرأت ودرست تاريخ الخزف الإسلامي، واستقريت في ورشتي الخاصة بمنطقة الفسطاط، حيث كان يعيش ويعمل أجدادي الخزافين.

وتقول: “الخزف بالفعل له سحر خاص بالنسبة لي، لأن التجريب فيه لا ينتهي ما بين الطين وتنويعاته وتشكيله والألوان والجليزات وطرق الحرق، كل عامل واحد من هذه العوامل يفصح عن سلسلة من النتائج المتنوعة جدا، وبالتالي تجربة مستمرة مثيرة ولا تنتهي”.

تختتم حلمي حديثها وتقول: لا يتخيل أحد كم المعلومات التي يمكن أن تعطيها لنا قطعة خزفية تخرج من الفرن بشرط أن تكون العيون متأهبة للاستقبال ومفتوحة لتحليل ما تستقبله، ترى الناجح المؤكد في العمل الفني وتبصر الجديد الناتج عن خطأ غير مقصود، العيون المنتبهة تلك هي سلاحي وسلاح أي فنان للتطور والاكتشاف، كل ما أتمناه هو الحفاظ على دوام الانتباه و ألا أفقد راية الخيال أو الفضول أبدًا.

اقرأ أيضا

بهاء خاطر طبيب الأسنان الفنان: أريد أن أكون صوتا لهؤلاء الأطفال

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر