"العنقاء" و"بدء الخلق".. أساطير فرعونية ارتبطت بـ"شم النسيم"

ربط المصري القديم عدة أساطير بيوم شم النسيم، وهو عيد الحصاد، كما اعتبروه رأسًا للسنة المدنية، وبدء الخلق وأول الزمان، وأن الحياة فيه تبعث من جديد.
“شِمو” هو التسمية الهيروغليفية لشم النسيم، والتي تعني “فصل الحصاد”، لذلك فهو عيد قومي مصري، وتطور الاسم من شمو إلى شم في العصر القبطي ثم أضيفت له النسيم فيما بعد.
المصريون القدماء اعتادوا ربط أعيادهم ومناسباتهم بالظواهر الفلكية، ولأن مصر بلد زراعي فقد قسموا السنة إلى فصول وجعلوا لكل فصل نصيبه من مراحل الزراعة، وكان فصل الحصاد واحد من أهم فصول السنة عندهم.
بدء الخلق
الباحث عبد المنعم عبد العظيم، مدير مركز التراث للصعيد، يقول إن المصريين القدماء كانوا يرون أن شم النسيم هو عيد بداية الخلق، وكانوا يرمزون للخلق بالبيضة، لذلك جرت العادة على تناول البيض في شم النسيم، ولأن المصري صاحب إبداع دائمًا فكانوا يلونون البيض لإضفاء نوع من البهجة لدى النفوس.
كان أشهر المعبودات المصرية الذين ارتبطوا بيوم الحصاد أو شم النسيم هم  أوزريس، وحتحور، وفينكس الجديد.
الصراع بين البقاء والفناء
أوزوريس كان الملك الذي علم الناس الزراعة، بحسب الباحث عصام ستاتي في كتابه “شم النسيم- أساطير وتاريخ وعادات وطقوس” وفتح لهم طريقًا للتقدم حتى اصطدم بأخيه ست “رمز الشر والتصحر” وانتهى الصراع بموت أوزوريس،  فتبدأ اخته وزوجته إيزيس رحلة البحث عن جسده، حتى تجمع أشلائه ليتسلم ابنه حورس زمام المعركة ضد ست.
ويذكر ستاتي أن هذه الأسطورة مثلت الصراع بين النماء والفناء، فأوزوريس يرمز للنماء، بينما يرمز “ست” للفناء والتصحر والجدب، لذا كان المصريون يحتفلون بعودة أوزوريس وبعثه مجددًا  في صورته الرمزية وهي الزراعة،  فكان الفرعون وكبار القوم يحتفلون  بعيد الحصاد،  ويركبون القوارب الخفيفة في هذا اليوم، كرمز لحماية الحصاد من أخطار الجدب المتمثلة في “ست”.
ومن بعض النماذج الغنائية للاحتفال بعودة أوزوريس، نماذج من أشعار الدراما الأوزورية:

أيها الشاب الجميل عد إلى بيتك

من زمن طويل لم نرك

عد إلى بيتك.. لقد هجرتنا

يامن تعيش فينا.. لقد هجرتنا

أيها الشاب الجميل.. يامن رحلت قبل الميعاد

انت ماء سرى جاء من آتوم

حتحور والشمامة
أما أسطورة “حتحور” فتحكي عن خروج المصريين القدماء يوم شم النسيم في الصباح الباكر إلى الحقول والبساتين، كرمز لأولئك الذين حملوا أواني “الجعة” ليسكبوها في طريق حتحور قبل أن تفتك بالبشر.
جاء ذلك بعد أن سخط “رع” على المصريين لعدم طاعتهم إياه واستدعى الآلهة ليدمروا البشر، لكنهم خافوا جميعًا، فيما عدا حتحور التي قبلت أن تفتك بالبشر، حتى ظهر قارب الشمس عند الغروب فركبته ونزلت في النهار تمشي بين الناس لترى خطاياهم وتشتعل كراهية لهم.
“رع” استدرك الأمر فأمر الآلهة بجمع كميات شعير وطحنها، وكانت دموعهن في دقيق الشعير، فتخمر وتحول إلى جعة، حتى أخذ رع  الخمر وألقى به في طريق حتحور حتى شربت منها فسكرت، كما شربت الأرض فأينعت وازدهرت، فاطمئن الناس، وفرحوا  بميلاد الخضرة والنباتات، فكانوا يشمون أريج الأرض.
وبحسب هذه الأسطورة فقد ارتبط يوم شم النسيم بالمعبودة حتحور، إذ كان الناس يخشون فتكها ليلًا فيطهرون أنفسهم جيدين حتى ترضى عنهم، ويخرجون إلى استقبالها في الصباح الباكر.
ستاتي يقول إن حتحور استمرت في ذهن الثقافة الشعبية المصرية تحت اسم “الشمامة”، التي ينتظرها الناس لزيارتهم ليلًا قبل بزوغ الشمس يوم الاثنين الموافق شم النسيم.
ويضيف الباحث عبد المنعم عبد العظيم، مدير مركز التراث للصعيد، أن المصري القديم كان يحتفل بشم النسيم من خلال أكل المملحات “كالفسيخ أو الملوحة” وكانوا يستخدمون البصل والملانة لاحتوائهماعلى مضادات حيوية تعالج أضرار زيادة الملح في المأكولات.
ويوضح عبدالعظيم أن أحد أساطير المصري القديم اعتقاده بوجود  “شمامة” تأتي في صورة حية تعض من لم يتناول البصل، فقد كان يعتقد أن البصل يطرد تلك الشمامة.
أسطورة فينكس والعنقاء
لكن أسطورة “فينكس” اختلفت عن الأساطير سالفة الذكر في أنها ارتبطت  بمكان معين وهو “المطرية” أو “هيليوبوليس القديمة” أو “مدينة الشمس”، فقد كان الاحتفال بـ”فينكس” أحد بقايا عبادة إله الشمس “رع”، يقام يوم شم النسيم، حيث يذهب الناس ليلة الرؤية إلى المسلة المقامة بمدينة الشمس،  ليشهدوا تساوي ساعات الليل والنهار، فينامون بعدها في الحقول المجاورة  ليشهدوا لحظة شروق الشمس.
المصريون القدماء زعموا- كما يوضح ستاتي- أن فينكس وهو الطائر الخرافي “العنقاء”، يعمر خمسة أو ستة قرون، ثم يحرق نفسه، لينبعث من رماده طائرًا جميلًا وشابًا، وهو رمز شروق الشمس وغروبها.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر