رفضته الرقابة: «شرف» صنع الله إبراهيم في فيلم متعدد الجنسيات لمخرج مصري ألماني

سبع جنسيات من الممثلين العرب، وأكثر من سبع جنسيات في فريق العمل من الإنتاج إلى العمال، ومخرج مصري ألماني، ورواية لواحد من أهم الأدباء المصريين. في قصة مصرية تدور أحداثها في مصر لشخصيات مصرية (باستثناء أجنبي واحد يقتل في بداية الرواية). ومع ذلك لا يضم الفيلم أيا من الممثلين المصريين المعروفين ولم يتم تصويره في مصر. بل واضطر مخرجه إلى طمس معالمه المصرية وصنع عالم هلامي تجريدي. تدور أحداثه في بلد غير محدد الهوية (باستثناء أنه عربي لأنهم يتحدثون العربية). وترتدي فيه الشخصيات ملابس غير محددة ببلد ما. وينطقون بلغات دارجة من مصر وتونس ولبنان والجزائر. وكل ذلك لأن صناع الفيلم فشلوا خلال أكثر من عشر سنوات من المحاولات أن يصوروا الفيلم في مصر!

فيلم شرف

الفيلم الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (من 6 إلى 15 ديسمبر) يحمل اسم “شرف” على اسم الرواية المقتبس منها للكاتب صنع الله إبراهيم، والتي تدور أحداثها في منتصف تسعينيات القرن الماضي حول شاب ساذج يقتل سائحا أستراليا حاول أن يغتصبه. فيسجن بعد أن يفشل في إثبات براءته. والرواية تسجل يومياته في السجن، التي تنتهي بقبوله بيع جسده. رغم أنه دخل السجن دفاعا عن شرف هذا الجسد!

المخرج سمير نصر
المخرج سمير نصر
عن المخرج

مخرج الفيلم سمير نصر ولد في ألمانيا لأبوين مصريين منذ خمسين وبضعة أعوام. درس الإدارة والسينما ويقوم بتدريس السينما في أكثر من جامعة ألمانية، لكنه مصري الهوية والهوى. يجيد العربية ويتحدث كأي مصري، ومشغول بالهموم المصرية والعربية. منذ خمسة عشر عاما صنع فيلمه الأول بعنوان “بذور الشك” كان من أوائل الأفلام الأوروبية التي تناولت حالة الريبة وسوء الظن بالمسلمين عقب أحداث 11 سبتمبر. وتأثير ذلك على زوجة بدأت تشك في كون زوجها إرهابيا. وشارك الفيلم في العديد من المهرجانات الدولية وحصل على عدد من الجوائز منها جائزة لجنة النقاد الدوليين (الفيبريسي) لأفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

أزمة التصوير

منذ ذلك الحين يسعى سمير نصر لصنع فيلمه الثاني. قرأ رواية “شرف” وقرر تحويلها لفيلم. والتقى بصنع الله إبراهيم ليحصل على موافقته وأصبحا أصدقاء منذ ذلك الحين. وقد شارك صنع الله في كتابة سيناريو الفيلم. تقدم للرقابة بنسخة وراء الأخرى لكي يتمكن من تصوير الفيلم في مصر، وعرض العمل على عدد من الممثلين المصريين، لكن المشروع تعثر مرة تلو الأخرى. فاضطر في النهاية أن يصوره في تونس بممثلين غير مصريين. وأن يغير في السيناريو، مضيفا المشاهد التي كان قد حذفها من أجل عيون الرقابة في مصر. ولكن في المقابل قام بتغيير معالم المكان وهوية الشخصيات ليصبح فيلما “تجريديا” لا يدور عن مصر بالتحديد. ولكن بالطبع كل من يشاهد الفيلم ويعرف الأصل الروائي المقتبس منه لن يفكر سوى في مصر، وربما بعض البلاد العربية الأخرى. ورغم أن أحداث الرواية تدور في التسعينيات، ولو صور الفيلم في مصر كان سيحدد هذه الفترة بوضوح، إلا أن التجريد الذي حدث للمكان والزمان قد يوحي للمشاهد بأن الأحداث تدور في الوقت الحالي، وهكذا، كالعادة، يتسبب المنع في زيادة الإساءة التي يحاول أن يمنعها!

ممثلون عرب

يشارك في بطولة الفيلم، كما ذكرت، ممثلون عرب منهم الشاب الفلسطيني أحمد المنيراوي في دور “شرف” واللبناني فادي أبي سمرة والتونسيان خالد هويسة وتوفيق البحري والجزائري رضا بوقديدة وغيرهم.

يختلف الفيلم عن الرواية في عدة أشياء. أولها بالطبع اختصار وتكثيف الأحداث. يهمل الفيلم الفصول الأولى من الرواية التي تصف الأحداث التي سبقت وأعقبت قتل شرف للسائح الأجنبي. حيث إنها تذكر عرضا أثناء التحقيق، الذي يبدأ به الفيلم، بشكل عابر أيضا، لا يشغل أكثر من عدة دقائق. قبل أن ينقل شرف إلى السجن، حيث تدور بقية أحداث الفيلم.

أحداث الفيلم

ينتمي “شرف” إلى ما يعرف بأدب وسينما السجون. والسجون تتشابه في معظم بلاد العالم، مع اختلاف بعض التفاصيل هنا أو هناك. ورواية صنع الله أشبه بدراسة توثيقية عن العالم داخل السجون المصرية في التسعينيات، ولكن بسبب التجريد الذي لجأ إليه الفيلم. فلم يبق من الرواية سوى بعض التفاصيل التي تحرك الدراما للأمام وصولا إلى السقوط النهائي لشرف في بئر اليأس والاستسلام. ويجيد سمير نصر اختزال عالم السجن ليبقي منه هيكله العظمي ونخاعه الشوكي الرئيسيين، مع تغيير بعض الجلد والقشور.

لغة الحوار

بالنسبة للمشاهد المصري فسوف يشعر بغرابة وربما بعض الانزعاج من لغة الحوار، بسبب عدم إتقان الممثلين غير المصريين للهجة المصرية. خاصة مع رغبة المخرج في عدم التقيد باللهجة المصرية وترك كل ممثل يتحدث بلهجته الأصلية (مع بعض التبسيط حتى يمكن فهم كل اللهجات). لكن المشاهد غير المصري لن يشعر غالبا بهذه الغرابة. فيما عدا هذه الملحوظة والتجريد المماثل الذي يلجأ إليه المخرج لتمويه بعض معالم المكان. فإن الفيلم يتبع بناء تقليديا في السرد، يقسم الفيلم إلى فصول ترصد انتقال الشخصية الرئيسية من مرحلة إلى أخرى داخل السجن. ويقدم أحمد المنيراوي، ذو الملامح المصرية، شخصية شرف بإتقان، إذا استثنينا غرابة اللهجة أحيانا، ويبدع فادي أبي سمرا في أداء شخصية الدكتور اليساري رمزي وخالد هويسة في دور ضابط السجن الناعم الذي يتلاعب بالسجناء.

كان ينبغي أن يصنع “شرف” منذ عشرة أو خمس عشرة أعوام، وهو يبدو بالفعل كما لو كان ينتمي لمرحلة أقدم من عمر السينما، ولكن الجيد أنه ظهر أخيرا إلى النور. وآن الأوان لصاحبه أن يتجاوزه وينتقل لفيلم جديد وخطوة جديدة في مسيرته الفنية كمخرج مصري ألماني، لديه الحرية والإمكانيات ليصنع المزيد من الأفلام المميزة.

اقرأ أيضا

فيلم «أميرة»: الحسبة تطل بوجهها الخبيث مجددا

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر