السمنية فن وذكريات.. حكاية عم «أحمد السقا» أشهر حلواني في بورسعيد

في حارة الهلالية، عند تقاطع شارعي الحميدي والغوري، أشهر الشوارع التجارية بحي العرب، أقدم أحياء محافظة بورسعيد. يقف عم «أحمد السقا»، أشهر حلواني سمنية في المدينة الباسلة. بوجهه البشوش وضحكة التي تنم عن قلب طيب، يستقبل زبائنه يوميا من الساعة الثالثة عصرا وحتى الحادية عشرة مساءً. يبيع قطعا من الحلوى طيبة المذاق، يعيشها الكبير قبل الصغير.
عم أحمد السقا أشهر وأقدم حلواني سمنية في بورسعيد، ورث المهنة عن والده، ويعمل بها منذ أكثر من خمسين عاما. هي حلوى بورسعيدية الأصل والتاريخ، تراثية بنكهة خاصة لا يعرفها سوى أهل المدينة. تتكون من دقيق وسميد وسكر، وتُطهى بالسمن، حلوة المذاق، ناعمة الملمس، هلامية القوام. لا يتذوقها أحد إلا ويقع في حبها من أول قطعة.
أشهر حلواني سمنية في بورسعيد
يقول عم أحمد السقا، ذو الـ74 عاما: “أعمل في هذه المهنة منذ أن أنهيت خدمتي العسكرية، والتي قضيتها في الجيش المصري وقت حرب أكتوبر 1973م. حيث كنت أحد الجنود، وأصبت في قدمي أثناء المعركة. وبعد أن استعدت عافيتي، وعودة أسرتي من الهجرة، كان أبي يعمل في صناعة وبيع السمنية، وهي المهنة التي ورثها بدوره عن جدي. وظل يعمل بها لأكثر من 50 عاما أيضا”.
ويضيف: “حلوى السمنية خاصة ببورسعيد فقط لا يعرفها سوى أهلها، حتى أهالي دمياط -أصل الحلويات الشرقية-. والحمد لله، حققت شهرة واسعة وتلقى إعجاب واستحسان الكثيرين”.
ذكريات الزمن الجميل
يتابع عم أحمد حديثه قائلا: “أيام زمان كانت مليئة بالخير والبركة، رغم الحروب التي عاشتها وشهدتها بورسعيد. ولكن كانت الطيبة تملأ النفوس والبركة تملأ البيوت والشوارع. كانت الدنيا متغيرة عن الآن، والناس كانت بطبيعتها وعايشين راضيين وبأقل شيء، مبسوطين وبيحبوا بعض. كان الرضا في نفوسهم أما الآن الجميع ينظر لما في يد غيره. ويرى ويعمل لمصلحته فقط ولا تعرف لماذا؟ ضاعت بعض المحبة بين الناس، وضاعت أيام الخير والبركة”.

صناعة وبيع السمنية
يسترجع عم أحمد ذكريات الزمن الجميل فيقول: “كان الزبون ييجي عاوز بتعريفة أو بقرش سمنية، ولما أعطيها له، يسألني: فين قطعة المكرونة والهريسة؟ مرة قولت له مفيش، فقال ممازحا: مش عاوز. فكان الأهالي يأتون محبين للهدايا فوق ما يشترونه. وكنا نقدمها بحب لهم. في مرة زبون قال لي: مفيش هريسة أو مكرونة؟ قلت له لأ، قالي ممازحا: مش عاوز سمنية. كان فيه عشم ومحبة بين الناس، الدنيا زي ما هي لكن نفوس الناس اتغيرت مبقوش يحبوا بعض وكل واحد يحب مصلحته فقط، كان لازم أعمل الهريسة والمكرونة بجانب السمنية”.
وأوضح: “حتى شكل الشوارع تغير، شارع مثل الحميدي اللي أنا موجود فيه شكله تغير ونشاط المحال التجارية نفسها تغير. كان موجود فيه فكهاني، حلواني، معصرة، وبقال، ومقهى بلدي. لكن ربنا اللي عاوز كده كله يتغير نشاطه إلا إحنا بدأنا فيها وما زلنا وسنستمر إن شاء الله مصنع ونبيع السمنية “مغيرناش جلدنا ومغيرناش شغلنا”.
وتابع: “زمان كنت تفطر في شارع الحميدي فول نابت، بليلة باللبن، سمنية، مكرونة، طلابية، تمرية. حاجات كلها مغذية غير الآن، الإندومي الذي دمر صحة الأطفال والشباب. وكان هناك محال حلويات شرقية مشهورة كانت أيضا تبيع السمنية، مثل حجازي، وعامر، وشاهين، وكليوباترا. بعضهم اشتهر أيضا ببيع الفطير خاصة فطير الصباحية للعروسة”.
صناعة السمنية ببورسعيد
أوضح عم أحمد السقا أنه يبدأ عمله في صناعة السمنية يوميا من قبل الفجر حوالي الساعة الثالثة فجرا وحتى الساعة العاشرة صباحا. ثم يذهب لمنزله ويأتي ليقف ويبيع السمنية من الساعة الثالثة عصرا وحتى الحادية عشر مساءا.
وعن سر نجاحه واستمراره وشهرته في صناعة وبيع السمنية يقول: “النظافة هي سر نجاحي، ومحدش شايفنا غير ربنا. أحب أقول ربنا يصلح حال الجميع فهناك الكثيرين عملوا في صناعة السمنية ببورسعيد واشتهر منهم من اشتهر. ولكن من يأتون إلي ويتذوقون السمنية الخاصة بي بعد خبرة 50 قاربت على الـ60 عام، يستطيعون يجدون الفارق بين المذاقين. ويؤكدون أنها تختلف، هم يعملون بها حتى يستطيعون كسب رزقهم كأي مهنة أخري، لكن دون وجود الخبرة والصنعة التي والحمد لله تتوفر لدي”.
نقل الخبرة ومساعدة الشباب
تابع عم أحمد حديثه: “كان أبي يعمل في مهنة صناعة السمنية، قبل الهجرة. وبعد العودة من الهجرة وانتهاء حرب 73 وقفت كما أنا بنفس المكان أساعد أبي وأعمل بنفس مهنته. كنا من مجندين الجيش المصري في حرب 1973م، وأصبت في أحد أرجلي، وعدت من الحرب لأقف هنا أصنع السمنية وأبيعها منذ ذلك الحين”.
وأكد أشهر حلواني سمنية ببورسعيد، أنه على استعداد لمساعدة أي شاب يحب أن يعمل في صناعة وبيع السمنية. وبالفعل حدث ذلك حين أتى إليه شابين من محافظة الإسكندرية. وطلبوا تعلم صناعتها ليقوموا بفتح محل هناك ولم يخبرهم فقط بسرها، بل طلب منهم أن يأتوا إليه وقت صناعتها ليتعلموا المهنة عمليا. وبالفعل ظلوا معه 5 أيام حتى تعلموا الصنعة واحترفوها وقاموا بعمل مشروع خاص بهم بمحافظتهم ونجحوا فيه.
واختتم حديثه قائلا: “أتمنى أن تعود بورسعيد كما كانت زمان. لكن للأسف الزمن بناسه خلص، وبقينا في زمن تاني ومع ناس ربنا يهديهم”.
اقرأ أيضا:
«الممشى السياحي لقناة السويس».. التاريخ مكانًا للتنزه
«فنار بورسعيد».. أول صرح خرساني في العالم على ناصية التاريخ والملاحة