دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«السمسمية».. موسيقى الناس وسر البهجة التي عبرت من القناة إلى اليونسكو

بدأت مبادرات ثقافية لتعليم العزف على آلة السمسمية في مدن بورسعيد والإسماعيلية والسويس للأطفال، دعما لتسجيل الآلة في قوائم التراث غير المادي بمنظمة اليونسكو. وقد استعادت بعض المبادرات نشاطها عقب ملتقى السمسمية الذي أقيم مؤخرا بمدينة الإسماعيلية. وقدمت فيه فرق تابعة لوزارة الثقافة وأخرى مستقلة عروضها. فيما تحمس صانع السمسمية “محمد ميدا” لصنع عدد إضافي من الآلات تمهيدا لتسويقها.

وتقول الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزارة الثقافة للتراث غير المادي، لـ«باب مصر- بحري»: «القيمة الجوهرية للتسجيل على قائمة اليونسكو هي رفع الوعي. وأن يشعر المواطن المصري بهويته، حتى تظل السمسمية المصرية لها بصمة خاصة».

تسجيل تراث مشترك

أعلنت منظمة اليونسكو تسجيل آلة السمسمية ضمن القائمة التمثيلية للتراث غير المادي لكل من مصر والسعودية. وبحسب وصف الموقع الرسمي للمنظمة، فإن السمسمية آلة موسيقية شعبية تشبه القيثارة. تصنعها وتعزف عليها المجتمعات المحلية في المناطق الممتدة على طول قناة السويس والبحر الأحمر.

ويعلق الجزء الرئيسي من الآلة على ثلاث قوائم خشبية تشكِّل مثلثا. وعادة يصنع العازفون آلاتهم بأنفسهم مستخدمين مواد طبيعية أو مواد معاد استخدامها مثل الخشب أو المعدن.

ويعزف على آلة السمسمية موسيقيون وبحارة في المملكة العربية السعودية، وصيادون وسماسرة سفن “بمبوطية” في مصر. ويسهم العزف على السمسمية في تحقيق التماسك الاجتماعي. وتعزف في الحفلات والأعياد والأعراس والمنافسات الرياضية والمهرجانات الثقافية.

فرقة صحبة تؤدي عرضا بمدينة أسوان.. تصوير: محمد عوض
فرقة صحبة تؤدي عرضا بمدينة أسوان.. تصوير: محمد عوض
إجراءات الصون التي قدمتها مصر

تضيف الدكتورة نهلة إمام أن إجراءات الصون التي قدمتها مصر للسمسمية تشمل تنظيم مهرجانات، وإنشاء فرق للأطفال مثل “براعم السمسمية” في بورسعيد. وتنظيم مسابقات في العزف على الآلة، والحفاظ على حرفة صناعة السمسمية، وربطها بأهداف التنمية المستدامة. إذ تعد الآلة صديقة للبيئة تُصنع من مواد طبيعية، وتوفر دخلاً، وتساهم في تعزيز الصحة النفسية من خلال العلاج بالموسيقى.

وابتسمت قائلة: “السمسمية لها بهجة مع الناس، خصوصا في مدن القناة. مين لا يُطرب للسمسمية، وأول ما يسمع العزف ما يقومش يرقص؟”.

وتعد الدكتورة نهلة إمام خبيرة التراث الثقافي غير المادي باللجنة القومية لليونسكو، ونائب رئيس الوفد المصري في هيئة التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونسكو، وأستاذ العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون. وأيضا عضو لجنة التقييم الدولية بمنظمة اليونسكو عن مجموعة الدول العربية.

تعليم الأطفال والسيدات العزف على السمسمية

في مدينة بورسعيد، قال محمد مسعد، مؤسس مشارك في مبادرة “النداهة” لتعليم الأطفال والسيدات العزف علي السمسمية: “جاء المشروع بعد بحث وفترة تسجيل لتراث الأغاني القديمة للسمسمية. وكانت فكرة وجود صانع وحيد للآلة في المدينة مقلقة. لذا أطلقت المشروع لتعليم الأطفال والشباب صنع الآلة ثم العزف عليها”.

وأضاف مسعد: “حظي المشروع بدعم من برنامج خارج حدود العاصمة بمعهد جوتة. ومن الاكتشافات اللافتة أن أكثر من نصف الحضور من الفتيات، وتخرجت أربع صانعات للسمسمية أنجزن آلاتهن الخاصة”. وفي الإسماعيلية، أطلق الشقيقان محمد وأحمد يحيى مولر فرقة خاصة بهما لاستكمال مسيرة والدهما الراحل يحيي مولر، مؤسس فرقة الإسماعيلية للآلات الشعبية.

تحدي الاختيار الاستراتيجي

تقول د. نهلة إمام: “كانت عملية اختيار العنصر التراثي المراد تسجيله على قوائم اليونسكو عملية صعبة نظراً للزحام بالعناصر التي نحتاج  إلى تسجيلها”. مشيرة إلى التنافس بين عناصر شعبية شهيرة مثل طقوس السبوع، والفول، والكشري، والربابة، والسمسمية.

وأضافت: “يخضع الاختيار لتقييم لجان متخصصة؛ مثل لجنة التراث بالمجلس الأعلى للثقافة، التي تدرس مدى جاهزية الدولة لدعم العنصر المختار. بالإضافة إلى شرط اليونسكو الأساسي بضرورة أن يكون العنصر مسجلاً على المستوى الوطني أولاً”.

رضا قنديل عازف سمسمية بمدينة الإسماعيلية.. تصوير: محمد عوض
رضا قنديل عازف سمسمية بمدينة الإسماعيلية.. تصوير: محمد عوض
السمسمية: اختيار ذكي بامتياز

عند مناقشة ملف الآلات الموسيقية الشعبية، أشارت “إمام” إلى حماس الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون، تجاه آلة السمسمية، قائلا: “السمسمية آلة تمتلك كل المقومات التي تؤهلها للتسجيل. فهي عريقة ذات جذور تمتد إلى مصر القديمة، ومنتشرة في منطقة قناة السويس والنوبة وحوض البحر الأحمر. ولها حضور ثقافي قوي بين الناس. وما زال العزف عليها مستمرا في أفراح مدن القناة”.

كانت السمسمية سلاحا

أبرزت الدكتورة نهلة إمام نقطة قوة استثنائية في الملف المصري، وهي مرافقة الآلة للمقاومة الشعبية في مدن القناة أثناء فترة الحروب من عام 1956 حتى 1973. واستشهدت بقصة الكابتن غزالي في السويس قائلة: “الكابتن غزالي كان يأخذ السمسمية ويطلع قدام الجنود ويغني. فكان الكل ينضم إليه وكان يدب الحماس فيهم”.

إعداد ملف التسجيل والنجاح الدولي

يشترط تقديم ملف التسجيل إلى اليونسكو وثائق وموافقات وصورا فوتوغرافية. بالإضافة إلى فيلم فيديو. وقد تولى إنتاج الفيلم المركز القومي للسينما واستغرق إعداده عامين، بحسب ما أوضحته نهلة إمام.

وأشارت إلى التحديات التي واجهت الفريق، مثل إصرار مخرج الفيلم هيثم شريف على التصوير في قناة السويس في توقيت معين، ما تطلب استخراج تصاريح عديدة. كما أكدت أنهم ركزوا في الفيلم على إظهار الجانب المُبهج والأفراح بدلاً من التركيز الشديد على الحرب. تجنباً لأي تصورات بأن المنطقة تحت النزاع.

وقالت: “نال الفيلم إعجاب وتصفيق جميع الدول المشاركة في الاجتماع، وأهدى الفريق هذا الجهد إلى حملة التراث وعازفي السمسمية، والناس اللي هي مُصرة أنها تحافظ على تراثها”.

محمد ميدا، صانع سمسمية بمنزله بالإسماعيلية.. تصوير: محمد عوض
محمد ميدا، صانع سمسمية بمنزله بالإسماعيلية.. تصوير: محمد عوض
استراتيجية التسجيل المشترك

أوضحت ممثلة مصر في لجنة اليونسكو أن اللوائح تمنح كل دولة الحق في تسجيل عنصر واحد كل عامين لتجنب تكدس الملفات، لذلك اعتمدت مصر على التسجيل المشترك مع السعودية، حيث تتواجد الآلة في حوض البحر الأحمر، وهو ما أظهر تنوعا وثراءً للآلة”.

وقالت إنه بعد التسجيل تلقت مصر طلبات رسمية من الأردن للانضمام لملف التسجيل، وكذلك طلبات غير رسمية – حتى الآن – من اليمن والسودان لتسجيل تراث الآلة لديهما، مما يؤكد أن تراث السمسمية مشترك بين الدول، لكن كل دولة تبرز تنوعها وخصوصيتها الثقافية”.

ملفات مصر المستقبلية

أشارت الدكتور نهلة إمام إلى أن قوائم اليونسكو تقسم إلى ثلاث فئات بحسب درجة الضغط على العنصر المسجل، وهي:

  •  قائمة الصون العاجل: وتتضمن العناصر المهددة بالاندثار، وتمتلك مصر منها عنصرين “الأراجوز” و”النسيج اليدوي”، اللذان يحتاجان إلى دعم فوري.
  •  القائمة التمثيلية: وهي التي سجلت عليها السمسمية، بالإضافة إلى ثمانية عناصر أخرى منها التحطيب، الخط العربي، والحناء، والسيرة الهلالية.
  •  قائمة الممارسات الجيدة: وتضم التجارب الناجحة في صون التراث الثقافي غير المادي.

وكشفت إمام عن أن الملف القادم الذي سيطرح للتقييم هو ملف “الكشري”، الذي يخضع للمراجعة حالياً، وتُنتظر نتيجته في ديسمبر المقبل. وأضافت أن من العناصر المقترحة للتسجيل مستقبلاً: الفخار اليدوي، آلة العود، والسعفيات كجزء من ملف صناعات النخيل.

اقرأ أيضا:

«ملتقى السمسمية».. احتفاء بتوثيق عالمي ومطالب محلية لدعم العازفين

في مديح المانجو.. بين تراث السمسمية وربابة متقال

«سياحة المانجو» في الإسماعيلية.. فرجة الصيف وفرحته بنكهة تراثية

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.