«مونيكا حنا» تتحدث: توضيحات حول الاتهامات ومقترحات لإصلاح منظومة الآثار
«حواس» يدير المجلس الأعلى للآثار من خلف الكواليس
في الأيام الأخيرة كانت مونيكا حنا، العميد المؤسس لكلية التراث الحضاري بالأكاديمية البحرية، حديث مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تحولت لـ«ترند»، خاصة بعد أن أعاد البعض استدعاء آراء قديمة لها، فيما اعتبرته – هي – «حملة» ممنهجة يقف وراءها بعض الحرس القديم من مسؤولي الآثار.
الهجوم على مونيكا لم يتوقف حتى اللحظة، إذ يبدو أن قرارها بالمواجهة لا الصمت قد استفز جماعة «الكمايتة» الذين ينظرون عادة إلى «حنّا» باعتبارها سُلَما أو أداة لتمرير روايات المركزية الإفريقية «الأفروسنتريك» حول جذور الأصول العرقية الإفريقية للحضارة المصرية القديمة، وهو أمر تنفيه مونيكا بشدة.
في المقابل، قامت حنّا بالرد وتفنيد ما تعتقده. هنا نناقشها في كل ما وُجه إليها من نقد واتهامات، ونتعرف على رؤيتها لملف إدارة التراث المصري خلال الفترة الحالية.
-
وصفتِ الحملة الموجهة إليك مؤخرًا بأنها حملة تقودها لجان إلكترونية.. لماذا تعتقدين ذلك؟
الموضوع واضح، فقد بدأ حين نشر المجلس القومي للمرأة «بروفايل» يشيد بي في مجال حفظ وصون الآثار، وفوجئت بعدها بهجوم شرس من جانب لجان إلكترونية انطلق من جروبات مغلقة. وطلب بعض القائمين عليها من أعضائها الهجوم في وقت واحد لخلق حالة تبدو منظمة ولها هدف محدد. وهو تشويه صورتي بعيدًا عن أي أسباب موضوعية. ثم اشتبك كثير من المتابعين مع هذا الهجوم بين مؤيد ومعارض. وفي النهاية، تنتصر الرؤية الموضوعية بعيدًا عن حالة الغوغائية التي بدأت بها الحملة، والتي أرى أن 95% منها لجان إلكترونية. وبالمناسبة، أنا لا أعرف أحدًا في المجلس القومي للمرأة. لذلك أشكرهم على ما كتبوه عني وأعتذر لهم على بعض الإساءات التي نالتهم بسببي.
-
إذن، من يقف وراءها؟
أعتقد أن هناك بعض المحسوبين على علم الآثار تزعجهم آرائي. لدي رؤية نقدية للوضع الأثري بشكل عام، وأنا في المقابل لا أجيد أصلًا «مسك العصا من المنتصف، اللي بشوفه غلط بقول أنه غلط. وأطرح طريقة إصلاحه من وجهة نظري المبنية على العلم وإدارة التراث». ما يهمني هو استكمال أبحاثي وتربية جيل قادر على حماية تراثه، وهذا بالنسبة إليَّ أهم ما في الأمر.
-
وما هدف الحملة أصلًا؟
هدفها تشويه صورتي واجتزاء ما أكتبه على موقع «إكس» (تويتر سابقًا). فقد اعترضت مثلًا حين هدد الرئيس الإخواني مرسي إثيوبيا. وحاول هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم «كمايتة» إعادة تداول ما كتبته خلال تلك الفترة الحرجة واستخدامه الآن وكأنني أقف ضد الدولة المصرية أو في كتف الإثيوبيين. وهو أمر مجتزأ من سياقه بغرض استخدامه بشكل سلبي لدى عموم الناس.
-
وكيف استقبلتِ النقد الموجه لكتاباتك في الأيام الماضية؟
أنظر إليه بعين الباحثة، أحاول فهم وجهة نظر هؤلاء، لكن أغلب ما كتب في بداية الحملة يرقى إلى السب والقذف والتنمر والإساءة، وقد اتخذت الإجراءات القانونية ضد هؤلاء.
-
أكرر السؤال مرة أخرى.. في رأيك من يقف وراء الحملة؟
الإجابة معروفة، هناك من يحاول تشويه سمعتي وإظهاري بشكل سلبي. وربما أتحدث عنهم بالأسماء والوقائع قريبًا، وبعضهم ممن أساؤوا لتراث هذا البلد.
-
ولماذا تزعجينهم؟
لأنني «مليش ماسكة» و«مليش في البيزنس»، أكتب ما أراه بحرية بعين الباحث والمتخصص، وأشارك النقاش مع المتخصصين والأكاديميين وشباب الأثريين لتقديم جيل جديد قادر على صون وحماية التراث المصري وفق المعايير العلمية والبحثية المعاصرة، بعيدًا عن تشابكات المصالح والبيزنس.
-
ما هي أخطاء الماضي التي تتحدثين عنها؟ أريد أن نكون أكثر وضوحًا، كي يفهم الجميع طبيعة المسألة، فهناك نقطة تشغل بال مجموعة كبيرة من المهتمين بالآثار، وهي حقيقة ما يدور بينك وبين الدكتور «زاهي حواس»، إذ عادة ما تتبادلان الاتهامات عبر الصحف والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي. ما طبيعة وسبب الخلاف؟
لست في خلاف شخصي مع الدكتور زاهي حواس، لكننا جيل مختلف يريد أن يقدم رؤيته بعيدًا عن آليات فرض الوصاية التي لم نجنِ منها ما يستحقه التراث المصري محليًا ودوليًا. المحصلة أن علم الآثار تدهور، وازداد حال الأثريين والآثار بؤسًا. وأرى أنه كان بالإمكان، عبر العمل الجماعي والمؤسسي، تقديم رؤية حقيقية لإدارة ملف الآثار بعيدًا عن إعطاء الأولوية لكل ما هو أجنبي على حساب المصري.
كما أن إعادة إنتاج النظرية الاستعمارية التي نحاول نقدها أمر مرفوض. فلا يمكن أن يستمر النظر لملف التراث المصري بعيون غربية. كما أن الرؤية الدائمة للتراث المصري من زاوية ذهب الفراعنة والمومياوات والحكايات الغرائبية دفعت بعض الناس للتعامل مع الحضارة المصرية على أنها فرصة للبحث عن الذهب. بسبب ما يتم تصديره إليهم من حكايات غريبة.
-
لكن يحسب له أنه استطاع خلال فترة عمله في الآثار تأهيل وإرسال الكثير من شباب الأثريين لدراسة علم المصريات في أهم جامعات العالم.
هذه أمور طيبة، لكن ما الذي استطاعوا تغييره داخل المواقع الأثرية التي عملوا بها؟ قليلون فقط استطاعوا تطبيق ما تعلموه في الخارج.
-
لكنه ترك موقعه في الآثار منذ أكثر من 10 سنوات.. لماذا نحمله استمرار الوضع؟
الدكتور زاهي لا يزال مسيطرا على المجلس الأعلى للآثار، ولا يزال يدير الأمور حتى الآن من خلف الكواليس.
-
من بين الاتهامات التي وُجهت إليك مؤخرا أنك تحاولين التشكيك في ربط الجينات بالثقافة؛ أي أننا كقومية مصرية ربما نتاج تزاوج حضارات أخرى. كيف تنظرين لهذه المسألة؟
هؤلاء غير قادرين على استيعاب أن العلم الأكاديمي من حقه شرح وجهات نظره، هم تمامًا كجماعة الإخوان المسلمين: «من ليس منا فهو علينا». وإرهابهم الذي يمارسوه ضدي الآن لن يجعلني ألتفت للوراء أو أغير من قناعاتي، التي أؤمن بها لأنني أرفض الأحاديث الشعبوية التي يحاولون من خلالها دغدغة مشاعر الناس، والتي لا تستند لأي علم، مستندين فقط إلى نوع من الهوس السلبي بمصر القديمة.
-
في كتابك «مستقبل علم المصريات» ألمحتٍ لضرورة تكاتف دول الجنوب ضد الشمال.. هل تعتقدين أنها دعوة لترويج أفكار المركزية الإفريقية «الأفروسنتريك»؟
بالتأكيد لا. الأفروسنتريك ليست فكرة إفريقية بل أمريكية في الأساس، وهذا يعني أن إفريقيا استوردتها من دول الشمال ولا علاقة لنا بها، لأنها في الأساس خلاف داخل أمريكا. لكن ما يجب فهمه أن الاستعمار حاول أن يمرر لنا رسالة مفادها أن إفريقيا بلا تاريخ أو وجود، رغم أن 90% من التراث الإفريقي يعرض حاليًا في متاحف أوروبية. لذلك أرى أن علينا استرداد التراث الإفريقي. وأظن أن نظرية الأفروسنتريك في طريقها إلى الزوال بفعل النشر العلمي المستمر، وليس بسبب حملات “الكمايتة” حالها كحال نظرية “الأوريون”.
-
إذن تعتقدين أن حضارات دول الجنوب قد تكون مشتركة في بعض الصفات، كالحضارات القديمة: الفرعونية، والفينيقية، والنوبة، وأكسوم في إثيوبيا وغيرها؟
بالتأكيد هناك أمور مشتركة تجمع هذه الحضارات. جميعنا نحتاج للتكاتف لاسترداد آثارنا المنهوبة. يجب أن تتزعم مصر ثورة حقيقية وتكون معها الدول الإفريقية لاستعادة تراث الجنوب المنهوب من المتاحف الأوروبية، ومنه تراث الدول العربية مثل العراق. كما يجب اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الشأن، وأقترح أن تلعب الجامعة العربية أيضًا دورًا في مصر والعراق وسوريا واليمن لاستعادة تراثنا المنهوب.
-
ومن بين الاتهامات التي وجهت إليكٍ أنك ترفضين الاعتراف بفكرة النقاء الجيني. هل يمكن أصلا الحديث عن هذا الأمر في القرن الحادي والعشرين؟
فكرة النقاء الجيني غير مثبتة علميًا ولا يمكن الاستناد عليها. والحضارة المصرية لا تحتاجها لإثبات قيمتها وأهميتها. لأن دول الجنوب بالكامل تتشابه جينيًا في مساحات كبيرة جدًا. ونتشابه مع إفريقيا في روابط كبيرة. لا وجود لما يسمى بـ”العرق”. وإنما هي فكرة هوياتية أطلقتها البلدان الاستعمارية لتبرير فكرة الاستعباد والتفوق العرقي.
لكن ما يهمني هو أن هناك ثقافة مصرية، هذه الثقافة أو الحضارة استوعبت كافة الثقافات بغض النظر عن الطبيعة الجغرافية لهؤلاء البشر. ففكرة النقاء العرقي فكرة ولدت لتفرقة الشعوب وأصحاب الحضارات لهويات مصطنعة. وأظن جزء من التأكيد على هويتنا هو التخلص من فكرة “الولاية الأجنبية” على التراث المصري. سواء من الناحية الأكاديمية أو حتى على مستوى إدراك تراثنا والتفاعل معه من خلال الجمهور العادي. فالتقارب الجيني فكرة إقصائية ولا يمكن أبدًا تعميمها. وهي فكرة ولدت أصلًا لتفرقة الأعراق العربية إلى هويات مصطنعة.
وأظن أننا سنستعيد هويتنا عندما نفتح المتحف المصري الكبير للمصريين لا الأجانب. وهويتنا المصرية لن يتم استرجاعها من خلال الترويج لخطابات استعلائية إقصائية. ما أخشاه أن تحدث ردة على الحضارة المصرية القديمة بسبب هذا الاستعلاء. وهو أمر نشاهده اليوم بأعيننا بالنسبة لجماعات الإسلام السياسي التي فقدت مصداقيتها لدى رجل الشارع، بسبب الممارسات المشينة التي قامت بها.
-
أظن أن الكاتب أحمد الدريني أشار لذلك عندما كتب مؤخرًا عبر «فيسبوك» أن المجموعات المنظمة على السوشيال ميديا هي جحيمها الحقيقي، إذ يتساوى “الكمايتة” مع الإسلاميين، لأنها جماعات يمكن أن تقلب حياة مخالف لها في الرأي إلى جحيم.. كيف يمكن مواجهة هذه الظواهر؟
بالتأكيد أتفق معه. هؤلاء يريدون تطبيق قانونهم الخاصة. لذلك أتمنى أن تتفاعل الدولة ضد الإقصائيين. وأطالب من الدولة أيضًا تتبع هؤلاء الذين يقودون اللجان. نريد الاحتفاء بمصر القديمة والتفاعل معها، لكن بطرق أخرى لا تستند على العنف أو الإرهاب أو التخويف. هذه اللجان لا نعلم حتى الآن من يقف وراءها. وهي لجان عادة ما يتم وصفها أنها “لجان تابعة للدولة”. بينما الواقع يقول إنها تعمل ضد الدولة وضد المصلحة الوطنية. هذا الخطاب الإقصائي ستكون نهايته سيئة جدًا على تماسك ولحمة المجتمع المصري.
وبالمناسبة، هناك آراء موضوعية من ناس لهم وجهات نظرهم وليسوا لجانًا. لكنني أرى أن وجهات نظرهم كانت بناء على تويتات مجتزأة.
-
تطالبين أيضًا بإعادة هيكلة عمليات إدارة التراث في مصر. في رأيك كيف يُدار التراث الآن؟
التراث المصري يعيش في جزر منعزلة تمامًا، لو هناك إدارة حقيقية لما حدث ما شاهدناه في المتحف المصري الكبير من منع المصريين من الدخول واقتصار التذاكر على الزوار الأجانب. إدارة التراث هو علم غائب عنّا لذلك يجب الانتباه لهذا الأمر في أقرب فرصة ممكنة.
-
هناك أحاديث تقول إنك غير متخصصة في الآثار المصرية، وأنك تكتبين في غير تخصصك، أو أن ما تكتبيه مجرد “بوستات” على الفيسبوك. ما ردك؟
لم تزعجني هذه الآراء. ما أزعجني حقًا بعيدًا عن تلك الشائعات قيام بعض المتخصصين باستغلال تلك اللحظة لإبداء آراء نقدية تجاهي. مستغلين الحملة التي وصلت لحد أن أحدهم قرر شراء كتابي قبل عدة أيام لتقديم رؤية نقدية له، فهل لو لم تكن الحملة لاحتفظ برؤيته النقدية سنوات أخرى حتى تتحين له الفرصة؟
أما فيما يخص تخصصي، فقد تخرجت في الجامعة الأمريكية بالقاهرة تخصّص علم المصريات والكيمياء الأثرية. ثم حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة بيزا حول توثيق النقوش الجدارية في طيبة.
-
أخيرا.. ما هي رؤيتك وطموحاتك للتراث المصري في السنوات المقبلة؟
ما حدث دفع كثيرين لقراءة ما أكتبه ومعرفة رؤيتي التي أطرحها منذ سنوات، وهذا أهم شيء بالنسبة إليّ. ووصلتني الكثير من الرسائل التي تسأل حول التراث والحضارة المصرية وكيفية الوصول لمصادر موثوقة لزيادة حصيلتهم المعرفية حولها. وهذا أهم ما يتطلع إليه أي باحث.
أقضي أيامًا بين الوثائق والأرشيف الخاص بالآثار والحضارة المصرية في مصر والعالم للبحث عن الأوراق والوثائق التاريخية التي تدعم جهود الدولة المصرية والأثريين المخلصين الذين يعملون في ملف استرداد أثارنا المنهوبة والمعروضة في متاحف العالم.
اقرأ أيضا:
المعماري «وليد عرفة»: نعيش لحظة ضعف.. والعمارة المصرية الآن بـ«عافية»



