تصفح أكبر دليل للفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

الرحلة الخالدة لكارمن: الاقتباسات السينمائية عبر العصور (2-4)

إعادة تأطير كارمن: اقتباسات سينمائية عبر العصور

فتح انتقال كارمن من المسرح إلى الشاشة طرقًا جديدة للتفسير والاقتباس، مستفيدًا من الإمكانيات الفريدة للوسيط السينمائي. انجذب صانعو الأفلام عبر العصور والأنواع والسياقات الثقافية المختلفة إلى رواية ميريميه وأوبرا بيزيه، وأعادوا تشكيل السرد وموضوعاته من خلال السرد البصري وأنماط الأداء والعبور الثقافي.

يتيح تطبيق عدسة نظرية الاقتباس، لاسيما مفاهيم ليندا هاتشيون للاقتباس بوصفه تفسيرًا وإبداعًا، وكذلك أنماط التفاعل (“السرد”، “العرض”، “التفاعل”)، ونقد الأمانة أو الوفاء للنص الأصلي، فهمًا دقيقًا لهذه التحولات السينمائية. تنتقل اقتباسات الأفلام في الغالب إلى نمط “العرض”، معتمدة على العناصر البصرية والسمعية بدلاً من نمط “السرد” اللفظي بشكل أساسي للرواية أو المزيج الموجود في الأوبرا. ويستلزم هذا التحول خيارات إبداعية تتجاوز مجرد الأمانة والوفاء للنص المصدر، وهو مفهوم غالبًا ما يُعتبر غير منتج في دراسات الاقتباس.

رؤى صامتة: السينما المبكرة تتفاعل مع كارمن

شهد عصر السينما الصامتة اهتمامًا ملحوظًا بـ كارمن، حيث أظهرت الاقتباسات الشهيرة علاقة السينما المزدهرة بأشكال فنية راسخة مثل الأوبرا والأدب.

فيلم كارمن لسيسيل بي. ديميلCecil B. DeMille (1915): قامت السوبرانو الشهيرة في أوبرا المتروبوليتان جيرالدينفارار Geraldine Farrar ببطولة الفيلم، وهي خطوة استراتيجية لإضفاء الهيبة على وسيط السينما الجديد نسبيًا آنذاك. واعتمد الفيلم على سيناريو ويليام سي. ديميل William C. de Mille وهو أقرب إلى رواية ميريميه من أوبرا بيزيه. قدمت هذه النسخة كارمن أكثر تلاعبًا وأقل إثارة للتعاطف. وأكد ديميل على المشهدية والواقعية، مستخدمًا حشودًا كبيرة ومواقع خارجية تجلت بشكل كبير في تنظيم مصارعة الثيران.

ركزت لغة الفيلم البصرية بشكل مكثف على الجسدي والشهواني، بما يتماشى مع أداء فارار، الذي لاحظ النقاد أنه يجسد حيوية كارمن و”شيطنتها”. وعلى الرغم من الخسارة الحتمية لصوت فارار الغنائي، كان يُنظر إلى الفيلم على أنه يعزز حضورها الجسدي من خلال حميمية الكاميرا. ,وقد أُشاد النقاد بالفيلم، واعتبروه “أيقونة عصره”، مما عزز بشكل كبير مكانته الفنية.

لقطة نادرة من كواليس فيلم "كارمن" (1915) للمخرج سيسيل بي.ديميل وتظهر فيها الممثلة جيرالدين فارار التي أدت دور كارمن وهي تتحدث للمخرج
لقطة نادرة من كواليس فيلم “كارمن” (1915) للمخرج سيسيل بي.ديميل وتظهر فيها الممثلة جيرالدين فارار التي أدت دور كارمن وهي تتحدث للمخرج
***

فيلم محاكاة ساخرة لكارمن لتشارلي شابلن Charlie Chaplin: A Burlesque on Carmen(1915/1916): صدر بعد فترة وجيزة من فيلم ديميل، وكان فيلم شابلن الكوميدي محاكاة ساخرة مباشرة لعمل ديميل. بطولة شابلن في دور الضابط غير الكفء “دارن هوزيري” “Darn Hosiery” وإدنا بورفيانس Edna Purviance في دور كارمن، يحاكي الفيلم نقاط حبكة ديميل وديكوراته وأسلوبه البصري، ولكنه يحولها للتأثير الكوميدي. تقدم بورفيانس صورة كاريكاتورية لتصوير فارار الأكثر أوبرالية، بينما يستخدم شابلن كوميديا المقرعة Slap stick، ويكسر الجدار الرابع، ويقدم “مقالب” مثل مقاطعة السرد لتناول مشروب في حانة. يبلغ الفيلم ذروته في مزحة ميتا-سينمائية (meta-cinematic) حيث يتم الكشف عن أن الطعن القاتل كان مزيفًا.

وبينما تعتبر نسخة شابلن الأصلية تطويرًا كبيرًا لأسلوبه الكوميدي، انقلبت المسألة رأسًا على عقب عندما قامت استوديوهات إيساناي Essanay Studios ، بعد رحيل شابلن، بتضخيم الفيلم وتحويله إلى نسخة أطول، وصل طولها إلى أربع بكرات بدلا من اثنتين، تعرضت النسخة الجديدة لانتقادات شديدة بعد حذف لقطات وإضافة حبكة فرعية جديدة تتضمن شخصية غجرية قام بها بن توربين Ben Turpin ، مما أثار دعاوى قضائية.

***

تكشف هذه الأعمال السينمائية المبكرة عن حوار معقد بين الشكل الفني الناشئ والأشكال السابقة عليه. سعى ديميل إلى الارتفاع بمستوى الوسيط/ الفيلم من خلال استعارة هيبة الأوبرا ونجومها، مؤكدًا على الواقعية السينمائية والمشهدية بوصفها إحدى مزايا المسرح.

استخدم شابلن، على العكس من ذلك، المحاكاة الساخرة لتأكيد إمكانات السينما الكوميدية المتميزة وقدرتها على التعليق الذاتي، مما أفرغ الميلودراما المتأصلة في المادة المصدر واقتباس ديميل. وهكذا يوضح المثالان السابقان، أن الاقتباس ليس مجرد إعادة سرد، ولكنه حوار ونقد ديناميكي بين الوسائط.

ملصق فيلم محاكاة ساخرة لكارمن لتشارلي شابلن (1915/1916)
ملصق فيلم محاكاة ساخرة لكارمن لتشارلي شابلن (1915/1916)
إعادة تصور منتصف القرن: العرق والمسرح الموسيقي

شهد منتصف القرن العشرين اقتباسًا أمريكيًا مهمًا نقل كارمن إلى سياق ثقافي وعرقي جديد، مما أثار تساؤلات معقدة حول التمثيل representation.

فيلم كارمن جونز لأوتو بريمينجر Otto Preminger: Carmen Jones (1954): اقتبس هذا الفيلم المسرحية الموسيقية الناجحة لأوسكار هامرشتاين Oscar Hammerstein عام 1943 في برودواي، وكانت المسرحية قد نقلت بالفعل أوبرا بيزيه إلى بيئة أمريكية – إفريقية في حقبة الحرب العالمية الثانية. صُور فيلم بريمينجر بتقنية تكنيكولور وسينما سكوب، وقامت ببطولته دوروثيداندريج Dorothy Dandridge في دور كارمن جونز، عاملة في مصنع مظلات، وهاري بيلافونتي Harry Belafonte في دور جو، جندي يطمح في أن يصبح طيارًا.

احتفظ الفيلم بموسيقى بيزيه ولكنه استخدم كلمات هامرشتاين الإنجليزية، وتم تصويره في منطقة عسكرية جنوبية وفي شيكاغو. أراد بريمينجر تقديم “فيلم درامي مع موسيقى” بدلاً من مسرحية موسيقية خفيفة. وقد حقق الفيلم نجاحًا تجاريًا كبيرًا، مما أثبت نجاح الأفلام التي اعتمدت على فريق تمثيل من السود بالكامل. أشاد النقاد بأداء داندريجوترشح لجائزة الأوسكار.

ومع ذلك، أثار الفيلم أيضًا عدة انتقادات. فأشار نقاد مثل جيمس بالدوين James Baldwin إلى غياب الأساليب الموسيقية السوداء الأصيلة (الجاز، البلوز، الإنجيل) وأشاروا إلى أن الفيلم، من خلال استبعاد الشخصيات والسياق الأبيض، خلق عالمًا منفصلاً فشل في معالجة العنصرية الأمريكية بشكل مباشر.

علاوة على ذلك، رأى البعض أن الاقتباس رسم صورًا نمطية غرائبية وربما عنصرية من القرن التاسع عشر (كارمن بوصفها امرأة غجرية مفرطة الغريزة و”بدائية”) على شخصياته السوداء. على الرغم من هذه الانتقادات، يظل كارمن جونز فيلمًا فارقًا، سواء لاختيار ممثليه أو بوصفه ميلودراما قوية من الخمسينيات تستكشف موضوعات الحرية والامتثال والرغبة ضمن بيئة ثقافية محددة.

***

تجسد حالة كارمن جونز التعقيدات الكامنة في العبور الثقافي، خاصة فيما يتعلق بالعرق، إذ قدم الاقتباس فرصًا غير مسبوقة للمؤدين السود في هوليوود حينها، ولكنه في نفس الوقت تنقل بين قيود العصر والإرث الإشكالي لغرائبية مادته المصدر. ظهرت التعقيدات أيضًا في طريقة رسم تهميش كارمن في إطار سياق أمريكي – أفريقي.

كذلك نرى الاقتباس يخاطر بتعزيز الصور النمطية الضارة، لا سيما فيما يتعلق بالغرائزية و”البدائية”. ويمكن القول إن خلق عالم أسود حصريًا داخل الفيلم، تجنب مواجهة مباشرة لواقع العنصرية النظامية في أمريكا آنذاك. يسلط الوضع السابق الضوء على الطبيعة المزدوجة لمثل هذه الاقتباسات إذ يمكن أن تكون وسيلة للتمثيل representation والعبور الثقافي، ولكنها قد تتسبب أيضًا في ديمومة الصور النمطية إذا لم يتم التعامل معها بشكل نقدي مع تحيزات المادة المصدر وديناميكيات القوة في السياق الجديد.

وجهات نظر المخرجين- المؤلفين الأوروبيين: تفكيك الحكاية

في النصف الأخير من القرن العشرين، لجأ العديد من المخرجين الأوروبيين البارزين إلى كارمن، مستخدمين القصة ليس لمجرد الاقتباس، ولكن بوصفها وسيلة لرؤاهم السينمائية المتميزة واستكشافاتهم الموضوعية.

فيلم كارمن لكارلوس ساورا Carlos Saura (1983): وهو جزء من “ثلاثية الفلامنكو” الشهيرة، يقدم فيلم ساورا بنية سردية شارحة (meta-narrative)، تصور فرقة فلامنكو تتدرب على باليه يعتمد على كارمن، ومن بطولة وتصميم رقصات النجم اللامع أنطونيو جاديس Antonio Gades (في دور أنطونيو، مصمم الرقصات/دون خوسيه) إلى جانب لورا ديل سول Laura del Sol  (في دور كارمن، الراقصة التي تم اختيارها للدور الرئيسي)، ينسج الفيلم بشكل متداخل بين عملية البروفة، وعلاقات الراقصين الواقعية، وموسيقى بيزيه،(غالبًا ما يعزفها باكو دي لوسيا Paco de Lucía على جيتار الفلامنكو)، وعناصر من رواية ميريميه القصيرة، والطاقة المنبعثة من رقصة الفلامنكو.

تدور أحداث الفيلم في استوديو رقص بمدريد، ويحاول الفيلم استعادة حكاية كارمن للثقافة الإسبانية، مستخدمًا الفلامنكو بوصفه نقطة انطلاق أصيلة في مقابل الكليشيهات الفرنسية/الأوبرالية المتصورة عن إسبانيا. يطمس ساورا ببراعة الخطوط الفاصلة بين التمثيل performance والواقع، والفن والحياة، حيث يصبح أنطونيو مهووسًا بشكل متزايد بكارمن، مما يعكس مصير دون خوسيه.

أُشاد المجتمع السينمائي بالفيلم والتصميم الرائع لرقصاته، والأداء العاطفي، ونهجه المبتكر في نوع الأفلام القائمة على الرقص، ونجاحه في استخدام الفلامنكو بوصفه اللغة السردية الأساسية. وصار الفيلم مثالًا قويًا على الاقتباس من وجهة نظر النقد الثقافي وإعادة الانتاج.

فيلم كارمن لكارلوس ساورا إنتاج عام 1983
فيلم كارمن لكارلوس ساورا إنتاج عام 1983
***

فيلم كارمن لفرانشيسكو روزي Francesco Rosi (1984): على النقيض من السرد الشارح (meta-narrative) لساورا، قدم روزي اقتباسًا بصريًا فخمًا وأمينًا نسبيًا لأوبرا بيزيه، بهدف استجلاب دراميتها والعاطفة المتأججة فيها إلى جمهور سينمائي أوسع. يضم نجوم الأوبرا بلاسيدو دومينجو Plácido Domingo في دور دون خوسيه وجوليا ميجينس-جونسون Julia Migenes-Johnson في تصوير ناري لكارمن.

استخدم الفيلم النوتة الموسيقية الأصلية بقيادة لورين مازل Lorin Maazel وكذلك الليبريتو Libretto. أسس روزي، المعروف بأسلوبه السينمائي الواقعي، للأوبرا في المناظر الطبيعية الأصيلة للأندلس، وصور في مواقع في روندا Ronda وكارمونا Carmona. واستخدم الضوء الطبيعي والعمارة لتعزيز الدرامية والسرد البصري. استخدم كذلك تقنيات سينمائية مختلفة للتنقل في البنية الأوبرالية وإضافة طبقات من المعنى. نجح الفيلم في مزج الجو الأوبرالي، مع تصميم رقصات لأنطونيو جاديس، مع الواقعية السينمائية، مما أدى إلى فيلم أوبرا ناجح نقديًا وتجاريًا أُشاد به الجميع لطاقته المتفجرة وأداءاته وجماله البصري.

***

فيلم الاسم الأول كارمن لجان لوك جودار  Jean-Luc Godard,Prénom Carmen (1983):يمثل فيلم (Prénom Carmen) لجودار خروجًا جذريًا عن الاقتباس التقليدي ويمكن أن ننظر إليه بوصفه تفكيكًا. يستوحي جودار بشكل فضفاض عن الحكاية الأصلية فيتخلى عن الإطار الإسباني وموسيقى بيزيه (يأتي برباعيات وترية لبيتهوفن بديلاً لها). يُعاد تصور كارمنماروشكاديتمرس Maruschka Detmers على أنها كارمن إكس Carmen X، عضوة في جماعة إرهابية غامضة تخطط لسرقة بنك لتمويل فيلم، وتتورط مع حارس أمن يدعى جوزيفجاك بونافيه Jacques Bonnaffé، يظهر جودار نفسه في دور “العم جان” لكارمن، وهو مخرج سينمائي فاشل يقيم في مستشفى للأمراض العقلية.

تدور أحداث الفيلم في باريس المعاصرة وبجوار البحر، ويستخدم جودار أسلوبه المميز: سرد مجزأ، وانفصال بين الصوت والصورة، واستكشافات للحب والعنف واللغة وطبيعة السينما نفسها، ويتحدى التسلسلات الهرمية (الصوت مقابل الصورة، أدوار الجنسين).

حاز فيلم “الاسم الأول كارمن” على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي، وهو عمل تجريبي يستخدم قصة كارمن بوصفها “لازمة” (بالمعنى الديلوزي) لاستكشاف اهتمامات فلسفية وجمالية أوسع وهذا يعني أن القصة الأصلية لا تُعامل بوصفها “نص مقدس” يجب اقتباسه بأمانة، بل نقطة ارتكاز متكررة: بدلاً من سرد القصة التقليدية لـ”كارمن” خطيًا، يأخذ جودار عناصر من القصة (علاقة حب مدمرة، امرأة حرة، رجل تدمره العاطفة، العنف) ويُعيد تدويرها أو يُشير إليها بشكل متكرر، لكن ليس بالضرورة بتسلسل منطقي أو سردي تقليدي. إنها بمثابة نغمة تتكرر في الخلفية، أو شعار يظهر في نقاط مختلفة، لكنه ليس المحور الوحيد للعمل.

***

توضح المقاربات المتنوعة لساورا وروزي وجودار قدرة كارمن على العمل بوصفها وسيلة قوية للتعبير الفني للمؤلف. قام كل مخرج بعرض القصة من خلال لغته السينمائية الراسخة واهتماماته الموضوعية. استكشف ساورا الهوية الإسبانية وثنائية الفن/الحياة من خلال الفلامنكو؛ دمج روزي التقليد الأوبرالي مع علامته التجارية من الواقعية السينمائية؛ استخدم جودار شظايا السرد لمواصلة تفكيكه للغة السينمائية ونقده للمجتمع الحديث.

وتؤكد هذه الأفلام أن النصوص القابلة للاقتباس والتناولات المختلفة هي بمثابة أرض خصبة لصانعي الأفلام للتعبير عن رؤاهم المختلفة والانخراط في المعالجات الثقافية، مما يثبت المرونة الدائمة للقصص والحكايات القديمة وأهمية معالجاتها الحديثة التي تتجاوز أصولها بكثير.

إعادة التصور المعاصرة: النوع، الثقافة، والهوية

تستمر اقتباسات الأفلام الحديثة في إظهار قابلية كارمن للمعالجات المختلفة، ونقل القصة إلى أنواع وسياقات ثقافية جديدة، غالبًا مع التركيز على سياسات الهوية المعاصرة.

فيلم كارمن: هيب هوبيرا لروبرت تاونسند Robert Townsend, Carmen: A Hip Hopera (2001): أعاد هذا الفيلم المصمم لـ MTV تصور أوبرا بيزيه ضمن بيئة أمريكية – أفريقية معاصرة، بشكل أساسي في فيلادلفيا ولوس أنجلوس. بطولة بيونسيه Beyoncé في أول دور تمثيلي لها في دور كارمن براون، ممثلة طموحة، إلى جانب ميكي فايفر Mekhi Phifer في دور رقيب الشرطة ديريك هيل Derek Hill، نقل الفيلم السرد إلى لغة وتعبيرات موسيقى الهيب هوب hip-hop والآر أند بي R&B في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

يضم الفيلم ظهورا لفنانين بارزين مثل موس ديف Mos Def، وراه ديجا Rah Digga ،ووايكليف جين، Wyclef Jean وتروى قصته إلى حد كبير من خلال مقطوعات موسيقية، محاكيًا الأسلوب البصري لمقاطع الفيديو الموسيقية في تلك الحقبة. والفيلم مستوحى بشكل فضفاض من كارمن جونز.

تناول الفيلم موضوعات مثل فساد الشرطة والسعي وراء الشهرة في إطار سياق المدينة. وكان ظهور بيونسيه السينمائي الأول هو أحد أهم عوامل جذب الجمهور المستهدف. حاز الفيلم استقبالًا نقديًا متباينًا، لا سيما فيما يتعلق بموسيقاه التصويرية. وقد أشاد به البعض بوصفه “إنتاجًا أسود” مهمًا، ولكنه تعرض أيضًا لانتقادات لاحتمال تعزيز الصور النمطية للنساء السوداوات. 

ملصق فيلم كارمن: هيب هوبيرا لروبرت تاونسند (2001)
ملصق فيلم كارمن: هيب هوبيرا لروبرت تاونسند (2001)
***

فيلم يو-كارمن إيخايليتشا لمارك دورنفورد-ماي Mark Dornford-May  CarmeneKhayelitsha U-(2005): قدم هذا الفيلم الجنوب أفريقي إعادة سياق متميزة لكارمن، حيث نرى أوبرا بيزيه في بلدة صغيرة معاصرة خارج كيب تاون. ترجم الليبريتو وأداه المغنون بالكامل بلغة الزوسا، إحدى اللغات الرسمية في جنوب أفريقيا. يمزج الفيلم، ببراعة، موسيقى بيزيه مع الأساليب الموسيقية والآلات التقليدية في جنوب أفريقيا. الفيلم من إخراج مارك دورنفورد-ماي وقائم على إنتاجه المسرحي، ويقوم ببطولة الفيلم فنانون من جنوب إفريقيا، بما في ذلك بولين ماليفان Pauline Malefane في دور كارمن وأنديل تشوني Andile Tshoni في دور جونجخايا Jongikhaya (دون خوسيه).

يقدم لنا هذا الاقتباس كارمن ليس بوصفها مجرد امرأة فاتنة، ولكن بوصفها امرأة سوداء قوية ومستقلة تتنقل بين تعقيدات الحياة والحب والاستقلالية داخل مجتمع ما بعد الاستعمار الأبوي. أُشاد النقاد بالفيلم لطاقته وأصالته وأداءاته المتميزة، وفاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي. يُعتبر الفيلم مثالاً على فكرة العبور الثقافي الناجح والمميز، ويقدم منظورًا أصيلا يتحدى القراءات النمطية لشخصية كارمن.

***

تعرض هذه الأفلام المعاصرة حراكًا متميزًا نحو إعادة النظر في مسألة الملكية الثقافية، حيث تأخذ عملاً أوروبيًا كلاسيكيًا وتعيد انتاجه من خلال التجارب واللغات والتقاليد الموسيقية الخاصة بالمجتمعات السوداء في الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا. تتضمن هذه العملية أكثر من مجرد تغيير في المشهد؛ إنها ترجمة أساسية للسرد في صورة معالجات ثقافية جديدة.

وتعكس الأشكال الهجينة الناتجة – مزج الأوبرا مع الهيب هوب أو مع أغنية الزوسا – الاندماج الثقافي المعاصر ويتضح دور الاقتباس بوصفه أداة قوية للتأكيد على العامل الثقافي. ومن خلال انتقال كارمن إلى هذه اللهجات العامية المحددة، تعمل الأفلام على الانتقال بالقصة لجماهير جديدة، وتستكشف موضوعاتها العالمية ضمن واقعها الاجتماعي والسياسي الملح، وبالتالي تتحدى الهيمنة الأوروبية المركزية للأصل وتثبت صدى القصة العالمي المستمر.

اقرأ أيضا:

الرحلة الخالدة لـ«كارمن»: اقتباسات عالمية وإعادة تفسيرات ثقافية (1-4)

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.