الراهب «تداوس أفامينا»: موقع «أبو مينا» عاد إلى الحياة.. وخطة لبناء متحف وفندق بالمنطقة

نجح موقع «أبو مينا» الأثري بمدينة برج العرب بالإسكندرية، وأحد أقدس المزارات القبطية في العالم، في الخروج من “قائمة الخطر” لدى منظمة اليونسكو خلال اجتماعات الدورة الـ47 للجنة التراث العالمي، بمقر المنظمة في باريس، وذلك بعد سنوات من التهديد والإهمال والقلق على مصير المدينة التاريخية التي لُقبت بـ«المدينة الرخامية»، وكانت قديما قِبلة للحج الثاني بعد القدس، ومقصدا للاستشفاء.
في حوار خاص مع «باب مصر» يتحدث الراهب الدكتور القمص تداوس أفامينا، مسؤول الآثار بدير الشهيد مار مينا، ومنسق العلاقات بين الكنيسة القبطية ووزارة السياحة والآثار، الذي آمن بأن الحجر لا يقل قداسة عن الكلمة، عن مصير الأثر القبطي الأرثوذكسي الوحيد المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وتفاصيل مشروع الإنقاذ، والتحديات التي واجهت الموقع القبطي النادر، والخطط المستقبلية لتحويل موقع أبو مينا إلى مزار عالمي ومتحف حي.
-
بداية نهنئكم على هذا الإنجاز. هل كان إدراج موقع أبو مينا ضمن جدول أعمال الدورة الـ47 لليونسكو في باريس أمرا مخططا له مسبقًا؟
الطموح نحو تحسين وضع موقع أبو مينا الأثري كان حاضرا دائما، خاصة في ظل وجود عمل جماعي مستمر على الأرض. وقد جاء إدراج ملف أبو مينا في جدول أعمال الدورة الحالية. نتيجة طبيعية لتكامل الجهود بين الدولة والكنيسة والمجتمع المحلي. التي التزمت بتنفيذ جميع الاشتراطات التي حددتها منظمة اليونسكو لرفع الموقع من قائمة التراث المعرض للخطر.
-
-
ما هي الخطوات الأساسية التي قادت إلى هذا النجاح؟
-
نجاح ملف أبو مينا لم يكن وليد الصدفة، بل كان ثمرة سلسلة من الخطوات المتكاملة والتنسيق بين مختلف الجهات. بدأ التعاون مع محافظة الإسكندرية، التي يتبع لها الموقع الأثري. وهو خامس أثر قبطي أرثوذكسي على مستوى الجمهورية، ويحمل رقم 90 على قائمة التراث العالمي.
وقد اعتمد هذا النجاح على التنسيق بين المحافظة ووزارة السياحة والآثار والدير، بمساعدة لجنة علمية موسعة ضمت نخبة من أساتذة الجامعات المتخصصين في مجالات العمارة، والجيولوجيا، والهيدرولوجيا (علم المياه)، والميكانيكا. وتركزت هذه الجهود أولا على تطوير البنية التحتية المؤدية إلى المدينة الأثرية. عبر تنفيذ طرق ممهدة من الطريق الصحراوي إلى الموقع، إلى جانب تركيب لوحات إرشادية وإنارة الطريق بالكامل.
كما ساهم مجلس مدينة برج العرب القديمة بإرسال فرق متخصصة لتنظيف المنطقة. وتولت وزارة الزراعة إزالة الحشائش الضارة باستخدام مبيدات وآليات دقيقة، مع تحديد أنواع النباتات. وخصص دير الشهيد مار مينا ميزانية قدرها 25 مليون جنيه لإنشاء سور حماية يحيط بالموقع. كما لعبت الحكومة دورا أساسيا في مواجهة أكبر تحد، وهو خفض منسوب المياه الجوفية التي كانت تهدد استقرار المدينة الأثرية.

-
كيف ساء حال الموقع بهذا الشكل؟
بدأ التدهور في موقع أبو مينا الأثري عام 1983، مع تنفيذ مشروع لاستصلاح الأراضي الصحراوية بدعم من البنك المركزي الأمريكي ضمن برامج المعونة، حيث تم توزيع الأراضي المحيطة بالموقع على المنتفعين لزراعتها.
ورغم أن المخطط الزراعي الأصلي اعتمد على نظام الري بالتنقيط، فإن الواقع شهد استخدام أسلوب الري بالغمر، مما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من المياه الجوفية إلى المنطقة.
وبسبب الانخفاض الطبوغرافي لقبر القديس مار مينا – الذي يقع على عمق 7 أمتار أقل من مستوى الطريق الرئيسي – تجمعت المياه داخله بشكل مباشر، مما تسبب في أضرار كبيرة للبنية الأثرية.
كما كانت جميع الأراضي الزراعية المحيطة تفتقر إلى بنية صرف صحي فعالة. ما ساهم في تصريف المياه إلى داخل المنطقة الأثرية. ونتيجة لهذا الوضع الخطير، قررت منظمة اليونسكو، خلال دورتها المنعقدة في أسوان عام 2001، إدراج موقع أبو مينا ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر، ووضعته في “الدائرة الحمراء”، محذرة من احتمال شطبه من القائمة ما لم يتم تدارك الوضع.
-
خلال سنوات العمل.. هل كانت هناك مخاوف من فقدان الموقع أو عدم القدرة على إنقاذه؟
نعم، كانت المخاوف حاضرة بشدة طوال فترة العمل. وكان مصير الموقع مهددا بالانهيار الكامل، لولا تضافر الجهود بين الحكومة والكنيسة والمجتمع المحلي. وقد كان الوضع ينذر بكارثة وشيكة، خاصة لما يمثله الموقع من أهمية روحية وتاريخية لآلاف الزائرين سنويا. والذين يقدر عددهم بنحو 8 ملايين شخص، من بينهم أجانب وباحثون ومهتمون من مختلف أنحاء العالم.
ورغم صعوبة المشروع، فقد كان محط اهتمام من العديد من الأكاديميين والخبراء المتخصصين في الآثار والمياه والعمارة. الذين تابعوا مراحل تطوره عن كثب، وهو ما ساعد في توثيق التجربة والبناء عليها.

-
ما هي أبرز التحديات التي واجهتكم أثناء عملية الإنقاذ؟
واجهت عملية إنقاذ موقع أبو مينا سلسلة من التحديات المعقدة، خاصة من الناحية الفنية. وقد تطلب الأمر دراسات متعمقة لتحديد جذور المشكلة، ما استدعى تنفيذ مشروعين كبيرين على مدى سنوات.
بدأ أول مشروع لمعالجة المياه الجوفية في عام 2005 واستمر حتى 2010. وشمل مساحة قدرها 300 فدان من إجمالي المساحة الكلية الحالية للموقع، والبالغة 978 فدانا موزعة على ثلاثة قطاعات.
وخلال المشروع، تم تركيب 170 طلمبة لسحب المياه. وكشفت الدراسات لاحقا أن ملوحة المياه في المنطقة كانت مرتفعة للغاية. حيث وصلت إلى نحو 30 ألف جزء في المليون، ما أدى إلى تآكل أجزاء من المعدات وتلف بعض الطلمبات. وهو ما فرض تحديا فنيا صعبا في اختيار نوع المضخات المناسبة.
وقد أولى الرئيس عبدالفتاح السيسي اهتماما خاصا بالموقع، باعتباره أحد المعالم الأثرية والدينية المهمة في التاريخ المصري. ما أعاد الزخم للمشروع وفتح الباب لإعادة تأهيله بدراسة أكثر دقة، تضمنت تقليل عدد الآبار، وتحسين البنية التحتية. بما يتناسب مع خصوصية الموقع وطبيعة تربته. وقد تكررت المحاولة، بالاعتماد على خبرات متخصصة في مجالات المياه والجيولوجيا والهندسة.
-
حدثنا عن التعامل مع التعديات التي كانت قائمة على الموقع. كيف تم التنسيق مع الجهات الأمنية لإزالتها؟ وما موقف الأهالي؟
كان الموقع الأثري عرضة لتعديات من قبل بعض الأهالي، كونه منطقة مفتوحة. خاصة في المناطق البعيدة عن المواقع التي تم اكتشاف آثار بها بشكل مباشر. ولعبت الكنيسة دورا في حماية الموقع، وبادرت بالتواجد المستمر داخل المنطقة الأثرية؟ ما خلق حالة من الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على الموقع، ومنع التوسع في أي محاولات جديدة لوضع اليد.
كما جرى تنسيق كامل مع الجهات الأمنية المعنية، التي قامت بتنفيذ قرارات إزالة التعديات بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار. وبعد توضيح أهمية المنطقة ومكانتها الدينية والتاريخية، أبدى الأهالي تعاونا في دعم جهود الحماية.
-
بصفتكم مسؤولا عن ملف المنطقة الأثرية، كيف ساعدت دراستكم الأكاديمية (الماجستير والدكتوراه) في اتخاذ قرارات عملية بشأن أبو مينا؟
توجهي نحو الدراسة الأكاديمية المتخصصة في علم الآثار لم يكن قرارا فرديا فقط. بل جاء بدعم وتوجيه مباشر من قداسة البابا تواضروس الثاني، وبرعاية نيافة الأنبا كيرلس آفا مينا، رئيس الدير. بهدف الحفاظ على موقع أبو مينا وفق أسس علمية متخصصة.
وعلى الرغم من أن الرهبنة لا تسعى تقليديا إلى نيل الدرجات العلمية. إذ يختار الراهب الفقر والطاعة متجردا من الألقاب الدنيوية، فقد حصلت على موافقة استثنائية لإتمام الدراسة كراهب. فالتحقت بجامعة كفر الشيخ بعد حصولي على بكالوريوس الزراعة من جامعة المنوفية عام 1997. ثم غيرت مساري العلمي بدراسة الآثار الإسلامية والمسيحية.
تناولت في رسالة الماجستير ملف “دير أبو مينا وملحقاته الأثرية”، مركزا على ماضي وحاضر المنطقة، والمشكلات التي تهددها. أما رسالة الدكتوراه فكانت بعنوان “تطور العمارة الدينية في إقليم مريوط في ضوء المكتشفات الأثرية الحديثة”. وهي دراسة ميدانية شاملة تناولت كنائس وأديرة ومحال وحمامات قديمة، إلى جانب توثيق أماكنها بدقة.
وامتدت دراستي إلى استشراف مستقبل المنطقة، مع وضع رؤية علمية لإدارتها والحفاظ عليها. وكان أحد محاورها “خطة إدارة موقع أبو مينا الأثري”. بما في ذلك تصور لإعادة إحياء قبر القديس مار مينا وتنظيم الزيارات إليه، رغم أنه اليوم مغطى تماما.
-
ما هي القيمة الاستثنائية التي تم على أساسها اختيار منطقة أبو مينا كموقع للتراث العالمي؟
تحمل منطقة أبو مينا الأثرية قيمة استثنائية فريدة أهلتها للانضمام إلى قائمة مواقع التراث العالمي. إذ تعد أول تجسيد للعمارة القبطية الأرثوذكسية في العالم. وقد ظهرت فيها القبة القبطية كعنصر معماري مميز مع بدايات القرن الرابع الميلادي. وبرز ذلك بوضوح في الكنيسة التي تعلو قبر الشهيد مار مينا، والتي تعتبر من أقدم نماذج العمارة الكنسية القبطية.
وما يميز أبو مينا أيضا أنها كانت مدينة قبطية متكاملة. جمعت بين الحياة الدينية واليومية والرهبانية، واحتوت على أسواق وفنادق ومعاصر للزيت والزبيب. وبلغت مساحتها نحو 2000 فدان، وكانت محمية بقوة عسكرية قوامها 11 ألف جندي روماني.
وكانت تعرف باسم “المدينة الرخامية” نظرا لطبيعة مواد البناء الفاخرة المستخدمة فيها. حيث كانت الشوارع والأبواب والطرقات مرصوفة بالكامل بالرخام. كما كانت أبو مينا محطة الحج الثانية للمسيحيين بعد القدس، لما اشتهرت به من معجزات الشفاء والبركة المرتبطة بالقديس مار مينا.
-
ما الفرق بين منطقة أبو مينا الأثرية والدير الحديث من حيث الوظيفة والدور؟
القديس مار مينا العجائبي هو أحد أشهر شهداء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولد عام 285م في نقيوس بمصر. وكان والده حاكما على منطقة شمال إفريقيا، وكانت والدته عاقرا، لكنها بشرت في إحدى الصلوات أمام أيقونة العذراء بأنها ستنجب صبيا اسمه “مينا”.
وفي سن الخامسة عشرة، التحق بالجيش الروماني وكان حينها يتيم الأبوين. وكان له صديق مقرب يدعى أثناسيوس، وهو المرجع الأساسي الذي نقل لنا معلومات موثقة عن حياة القديس. وترك الخدمة العسكرية بعد 3 سنوات ليكرس حياته لله في الصحراء، مثل الرهبان، لكن حينها لم تكن ظهرت الرهبنة بشكلها المعروف.
حين تحول الإمبراطور الروماني إلى الوثنية وبدأ في اضطهاد المسيحيين، أعلن القديس مار مينا إيمانه جهارا، فقُطعت رأسه عام 309م، وكان في الرابعة والعشرين من عمره. وعندما قاد صديقه أثناسيوس الجيش إلى منطقة الإسكندرية لمواجهة البربر، جلب جسد القديس معه، وانتصروا على البربر، وأثناء العودة وضعوا الجثمان على جمل، الذي توقف عن السير في منطقة مريوط، فاعتبرت علامة على مكان دفنه.
***
تم لاحقا بناء كنيسة كبرى من الرخام بالكامل على يد البابا أثناسيوس البطريرك العشرين. ثم كاتدرائية كبرى على يد البابا ثاؤفيلوس البطريرك الـ23 في القرن الخامس. لكن بعد استيلاء الفرس على المدن وقطع الطرق، بدأ المكان في الانهيار. كما أرسل الخليفة المعتصم العباسي رجلا يدعى أليعازر الدمشقي لجلب رخام من مصر، فاقتلع الأعمدة الرخامية من المدينة.
وكان آخر ظهور للمدينة عندما ردمها محمد علي باشا المدينة بالكامل بسبب اختباء اللصوص فيها. حتى اكتشافها مجددا عام 1905 على يد كاهن كاثوليكي، اكتشف مخطوط عن القديس مار مينا مكونة من 3 أجزاء، فاكتشف المكان. وخلال عودته إلى ألمانيا أخذ معه 100 صندوق من مكتشفات المدينة الأثرية، ودشن بها متحف فرانكفورت بألمانيا.
-
ما هي الخطة القادمة لإعادة افتتاح المنطقة كمزار سياحي عالمي؟ ومتى نتوقع ذلك؟
الجهود المبذولة في إنقاذ منطقة أبو مينا لا تتوقف عند رفعها من “قائمة المواقع المعرضة للخطر” لدى اليونسكو. بل تمتد إلى وضع رؤية واضحة لمستقبلها كمزار سياحي عالمي يليق بأهميتها التاريخية والدينية.
ومع كل خطوة، نأخذ بعين الاعتبار سؤالا جوهريا: ما هو مصير هذا المكان؟ خاصة أن الكنيسة، والمجتمع المحلي، والجهات المعنية، جميعهم يتشاركون في بناء هذا المستقبل. من خلال تقديم المقترحات، والمساهمة بالتواجد والدعم. ومن أبرز المقترحات المطروحة: تأهيل الموقع لاستقبال الزوار عبر تطوير البنية التحتية، وتوفير خدمات متكاملة، منها إنشاء فندق سياحي يخدم الزوار. إلى جانب تنظيم الزيارات وفق مسارات تضمن الحفاظ على الطابع الأثري للموقع.
وتواصل الكنيسة صلواتها اليومية في المكان. وقد وضعت الخطط بالفعل ضمن ملف تطوير المنطقة، الذي تتم دراسته حاليا بالتنسيق مع الجهات الرسمية. ورغم عدم تحديد موعد رسمي للافتتاح، فإن المؤشرات الإيجابية تشير إلى تحويل الموقع قريبا إلى وجهة دينية وسياحية بارزة على خريطة السياحة العالمية.
-
أين سيتم بناء الفندق؟ وهل سيتواجد داخل المنطقة الأثرية؟
سيقام مشروع الفندق المزمع إنشاؤه لخدمة الزوار والحجاج ضمن المنطقة العازلة المحيطة بموقع أبو مينا الأثري، وليس داخل النطاق الأثري ذاته.
وسيتم البناء باستخدام مواد معمارية حديثة تبرز بوضوح الاختلاف بينه وبين الطابع الأثري، بما يراعي اشتراطات اليونسكو. والمشروع جزء من رؤية تهدف إلى دعم الموقع دون التأثير على أصالته. مع الحفاظ الكامل على خصوصيته كأحد أبرز المعالم القبطية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي
-
ما مصير القطع الأثرية الخاصة بمدينة أبو مينا؟ وهل هناك خطة لعرضها في متحف بالمنطقة؟
نعم بالطبع، فالمتحف من بين الخطط المطروحة لتأهيل موقع أبو مينا لاستقبال الزوار.
- هل لديكم توجه لإعادة بعض القطع الأثرية من المتحف القبطي إلى موقع أبو مينا؟ وما هو موقف وزارة الآثار من هذا الطلب؟
في البداية، نؤكد أن جميع القطع الأثرية الخاصة بمدينة أبو مينا محفوظة حاليا في أمان تام، وتخضع لإشراف الجهات المختصة. سواء في المخازن التابعة لوزارة الآثار بمدينة رشيد، أو في المتحف القبطي، أو في مواقع تخزين أخرى.
وهناك مشروع قيد التنفيذ يهدف إلى إنشاء متحف مركزي دائم داخل منطقة أبو مينا نفسها. ليضم كافة المقتنيات والقطع التي تعود للموقع الأثري، بما يعيد ربط هذه الآثار بسياقها الأصلي ويمنح الزوار فرصة التعرف على تاريخ المدينة من داخل موقعها الفعلي.

-
ما هي التجهيزات المخطط لها لاستقبال الزوار في موقع أبو مينا الأثري؟
تتضمن الخطط المطروحة إنشاء مجموعة متكاملة من المرافق والخدمات السياحية والثقافية، بما يتماشى مع المعايير الدولية للمزارات الدينية والأثرية.
وتشمل هذه التجهيزات: متحفا لعرض القطع الأثرية المكتشفة بالمنطقة، وعروضا تفاعلية بالصوت والضوء تحاكي تاريخ المدينة. ومناطق مخصصة للبازارات والحرف التقليدية، وقاعات للاستقبال والمحاضرات. ومراكز شرح إلكترونية بها شاشات عرض حديثة، خدمات أساسية مثل الحمامات العامة ومناطق الجلوس.
-
كانت منطقة أبو مينا مركزا عالميًا للحج والاستشفاء.. هل هناك نية لدمج المنطقة ضمن المسار السياحي في مصر بالتعاون مع جهات دولية؟
تعمل وزارة السياحة والآثار على دمج موقع أبو مينا ضمن مسار رحلة العائلة المقدسة، وإبرازه كأحد المحطات المهمة في السياحة الدينية. خاصة في محافظة الإسكندرية. وتتبنى الوزارة رؤية تكاملية تجمع بين الحفاظ على المواقع الأثرية باعتبارها إرثا إنسانيا، والترويج لها عالميا. إلى جانب دعم الاقتصاد الوطني من خلال السياحة المستدامة.
ومصر تمتلك سبعة مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي تمثل دعائم رئيسية في خريطة السياحة المصرية؟ وهي: أهرامات الجيزة، مدينة الأقصر ومعابدها، مدينة أسوان ومواقعها الأثرية، القاهرة التاريخية، منطقة أبو مينا الأثرية، دير سانت كاترين في جنوب سيناء، وأخيرًا وادي الحيتان في الفيوم.
-
ما هي طبيعة التنسيق اليومي بين دير مار مينا ووزارة السياحة والآثار؟ وهل هناك بروتوكولات تعاون دائمة؟
تقوم العلاقة بين دير الشهيد مار مينا ووزارة السياحة والآثار على التعاون الوثيق في إدارة الموقع الأثري. وتسهم الكنيسة بدور فاعل في الحفاظ على هذا الإرث الروحي والتاريخي الممتد منذ القرن الرابع الميلادي. إذ بُنيت الكنيسة الأولى على يد البابا رقم 20، ثم الكاتدرائية الكبرى في القرن الخامس، لتتوسع المدينة لاحقا حول قبر القديس مار مينا. بعد أن أصبحت مقصدا للحج والشفاء.
وقد أولى قداسة البابا تواضروس الثاني اهتماما خاصة بالموقع. سواء حين كان أسقفا أو الآن، وشارك في زيارات ميدانية مع ممثلة اليونسكو ووزير السياحة ومحافظ الإسكندرية، دعما لجهود الحفاظ على أبو مينا كأحد رموز التراث القبطي والعالمي. ويعمل الدير بشكل يومي وبروتوكولي مع الوزارة عبر لجان تنسيقية وتبادل للخبرات والدعم الفني.
-
كيف تقيمون دور المجتمع المحلي في حماية الموقع بعد إزالة التعديات؟ هل تغيرت نظرة الأهالي للمنطقة؟
شهد المجتمع المحلي المحيط بمنطقة أبو مينا الأثرية تحولا إيجابيا ملحوظا في نظرته تجاه الموقع، بعد الجهود التي بذلت لإزالة التعديات وتطوير المنطقة. وبدأ السكان يدركون القيمة التاريخية والروحية للموقع، وتغير تعاملهم معه من موقع مهجور إلى تراث يجب الحفاظ عليه واحترامه.
-
هل هناك لجنة دائمة حاليا لمتابعة أعمال الصيانة والمراقبة البيئية للموقع؟
نعم، هناك لجنة دائمة معنية بمتابعة وإدارة موقع أبو مينا الأثري ضمن منظومة متكاملة لحماية مواقع التراث العالمي في مصر.
وقد تم تشكيل اللجنة العليا لإدارة مواقع التراث العالمي بقرار من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي رقم 450 لسنة 2018. وتضم في عضويتها ممثلين عن مختلف الوزارات والجهات المعنية، بما في ذلك وزارة السياحة والآثار، ووزارة البيئة، ومحافظة الإسكندرية، وهيئات التخطيط العمراني. فضلًا عن ممثلي المجتمع المحلي والكنيسة.
وتهتم اللجنة بوضع السياسات العامة لإدارة المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي. وتعقد اجتماعات دورية لمتابعة سير المشروعات القائمة، وحل التحديات المتعددة التي تواجه المواقع. خاصة ما يتعلق بالضغوط البيئية أو العمرانية، برئاسة اللواء أركان حرب خالد فودة، مستشار رئيس الجمهورية.
-
هل هناك خطط طويلة المدى لضمان استقرار منسوب المياه الجوفية مستقبلا؟
نعم، الحفاظ على منسوب المياه الجوفية في موقع أبو مينا الأثري يعد من أهم أولويات العمل خلال المرحلة المقبلة. وهناك بالفعل خطة طويلة المدى تنفذها الشركة المتخصصة المُسند إليها أعمال الصيانة، بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار.
وتتابع الشركة بشكل يومي دقيق منسوب المياه الجوفية، وحالة الطلمبات، ومعدلات التشغيل. بالإضافة إلى مراقبة أي انقطاعات في التيار الكهربائي قد تؤثر على عمل المنظومة. كما يتم رصد أي آثار بيئية ضارة قد تنتج عن خلل في النظام، بهدف التدخل السريع لتفادي أية أضرار على الموقع الأثري.
-
هل هناك دراسات بيئية تتابع تأثير المياه المالحة على التكوينات الأثرية الباقية؟
نعم، أجريت عدة دراسات بيئية متخصصة لرصد وتحليل تأثير المياه الجوفية المالحة على الموقع الأثري، وخاصة في منطقة قبر القديس مار مينا. حيث بلغت نسبة ملوحة المياه في بعض المناطق نحو 30 ألف وحدة، وهو مستوى مرتفع يصعب من عملية الصرف.
وقد تم تنفيذ خطة علمية لمعالجة هذه الأزمة البيئية، تضمنت إجراء عملية “مزج” (Mixing) لمسارات المياه المالحة بهدف خفض الملوحة تدريجيا. مما مكن من تصريف المياه إلى المصارف الرئيسية التابعة للدولة بعد نجاح خفض الملوحة إلى ما يقرب من 4 آلاف وحدة، وهو المعدل المقبول بيئيا.
وتسببت الملوحة المرتفعة في أضرار ملموسة للموقع الأثري. منها تراكم طبقات “التكلس” على الأسطح، وتآكل المواد الرابطة بين الطوب الأثري، نتيجة تفاعل الأملاح والكبريتات.
وتجرى حاليا دراسات متقدمة بالتعاون مع خبراء ترميم، لتحديد المواد المناسبة لإزالة التكلسات. واستخدام مركبات جديدة تُسهم في تقوية البنية الإنشائية، ومنع تكرار تآكل العناصر الأثرية بفعل الكبريتات.
-
هل ترى أن نجاح إنقاذ أبو مينا يمكن أن يلهم مشاريع مشابهة لإنقاذ مواقع أثرية مهددة في صعيد مصر أو دلتا النيل؟
بلا شك، لأن تجربة إنقاذ مدينة أبو مينا الأثرية تمثل نموذجا ملهمًا يُمكن البناء عليه لتكرار النجاح في مواقع أثرية أخرى مهددة على امتداد محافظات صعيد مصر ودلتا النيل. وبصفتي منسقا بين وزارة السياحة والآثار والكنيسة القبطية، يتم التعامل معي كأحد الخبراء الميدانيين في هذا الملف. لما تم اكتسابه من خبرات عملية وعلمية خلال تنفيذ المشروع.
وقد تم تشكيل لجنة علمية واستشارية رفيعة المستوى ضمت نخبة من كبار الأساتذة المتخصصين، من بينهم: الدكتور مراد باخوم، والدكتور سامي صبري، والدكتور أسعد سلامة، والدكتور فضل القمص، وقد جمعت اللجنة بين التخصصات الأكاديمية في العمارة والهندسة والبيئة، والدراسات التاريخية واللاهوتية.
-
ما هي رسالتكم للأجيال الجديدة من الشباب القبطي والمصري حول أهمية الحفاظ على التراث الروحي والأثري؟
أرى أن التعليم هو حجر الأساس في أي عملية توعية حقيقية، ويجب أن يبدأ بناء الوعي الأثري والروحي لدى الأجيال الجديدة منذ الصغر. من خلال التعليم والتثقيف المبكر. ومن المبادرات المهمة في الماضي كانت مبادرة “أطلس المحافظات”. الذي كان تعرف الطلاب بالمواقع الأثرية والدينية في محافظاتهم. مع إدراج المعلومات الأثرية ضمن المناهج الدراسية على مراحل التعليم المختلفة، الابتدائية والإعدادية والثانوية.
ولا يقتصر الأمر فقط على معرفة التاريخ فقط، بل يشمل احترامه والدفاع عنه. لأن تعريف الأطفال والمراهقين والكبار بأهمية كل موقع أثري، سواء كان مصريا أو قبطيا أو رومانيا أو إسلاميا. يساهم في ترسيخ قيمة الانتماء، ويمنع التعدي على الآثار أو الإضرار بها أو حتى التفكير في تهريبها أو بيعها.
اقرأ أيضا:
بعد رفعه من القائمة الحمراء|«أبو مينا».. قديس أحبه الجميع وأهملته «الآثار» لعقود!
مزاد فني لدعم «درب 1718» بعد هدم مقره: الفنانون يردّون الجميل
بعد انهيار مئذنة مسجد «سيدي سلامة».. من يُنقذ التراث الإسلامي من الإهمال؟