«التطوير» يصل مقبرة الإمام «المراغي»: نقل رفاته تمهيدا للهدم| خاص

سلمت أسرة الإمام الأكبر الشيخ «محمد مصطفى المراغي» (1881- 1945) المدفن الخاص به والعائلة، الكائن في قلب ميدان السيدة نفيسة، إلى محافظة القاهرة، بعد وضع علامة إزالة عليه إيذانًا بهدمه ضمن خطة تطوير المنطقة، لتنتهي بذلك فصول معركة خاضتها أسرته على مدار ثلاث سنوات، في محاولة للحفاظ على المدفن الذي يحتضن رفات أحد أبرز شيوخ الأزهر.
القرار، الذي نزل كالصاعقة على الأسرة، لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان محبطًا، بعدما باءت جميع الاستغاثات والمطالبات الرسمية بالفشل.
نقل الرفات من مدفن الإمام المراغي
منى أبو ستيت، حفيدة الشيخ المراغي، تحدثت عن تفاصيل ما جرى، ووصفت لحظة وضع الإشارة على المدفن تمهيدا لهدمه بأنها كانت الأصعب، ليس فقط لأنه المكان الذي اختاره الإمام ليدفن فيه بجوار السيدة نفيسة عن قناعة ومحبة، بل لأنه يضم رفات أكثر من 100 فرد من العائلة، بينهم والدها وأقاربها، في مدفن يحمل رمزية دينية وتاريخية خاصة.
وقالت أبو ستيت في تصريح خاص لـ “باب مصر”: “لقد حاولنا كثيراً منع هدم المقبرة، وبذلنا جهداً كبيراً في التواصل مع الجهات المختصة، لكن جميع المساعي لم تُكلل بالنجاح”، مشيرة إلى أن الأسرة تلقت تعويضاً بمقبرتين بديلتين في منطقة 15 مايو”.

وأضافت: “نشعر بالحزن والأسى لفقدان هذا المعلم التاريخي الذي يضم رفات أحد أبرز شيوخ الأزهر، وكنا نأمل أن يُعاد النظر في القرار احتراماً لتاريخ الشيخ ومكانته العلمية والدينية”. وأشارت إلى أن الأسرة بذلت جهودًا مكثفة على مدار ثلاث سنوات للحفاظ على مقبرة جدها الواقعة في منطقة السيدة نفيسة، ووجّهت عدة استغاثات إلى رئاسة مجلس الوزراء، إلا أن جميع تلك المحاولات لم تؤتِ ثمارها.
استغاثة بالأزهر الشريف
وتابعت: “فوجئنا قبل نحو شهر بوضع علامة إزالة على المدفن، وقد تم بالفعل هدم جميع المقابر المجاورة له، والتي كانت تشكل جزءًا من الموقع التاريخي لمقبرة الشيخ المراغي”.
وأضافت: “استغثنا بفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي لم يتأخر وبذل ما بوسعه لمساعدتنا، لكن القرار النهائي صدر من المحافظة، وأبلغنا بأن مشروع تفكيك كوبري السيدة عائشة يستلزم إزالة كافة المدافن في تلك المنطقة لتحويلها إلى مزار أثري”.
وأوضحت أبو ستيت أن الأسرة لم يكن أمامها سوى الامتثال للقرار، وتابعت: “منذ نحو أسبوعين، تم نقل رفات الشيخ المراغي إلى المدفن الجديد بمساعدة المحافظة، التي وفرت سيارات لنقل الرفات”.

خسارة الرمز
فيما أبدت أبو ستيت أسفها على خسارة المقبرة الأصلية، معتبرة إياها رمزًا تاريخيًا وروحيًا. وقالت: “الناس كانت ترى في الشيخ المراغي مزارًا بحد ذاته، حتى لو جرى تطوير المنطقة. هو شخصية موقرة حتى في فرنسا، وقد أخبرني فضيلة الإمام الأكبر أن هناك أكثر من رسالة دكتوراه تناولت فكره وسيرته في جامعة السوربون”.
كما أشارت إلى أن نقل الرفات لم يقتصر على الشيخ المراغي، بل شمل أيضًا رفات شخصيات بارزة أخرى، مثل الملكة فريدة التي نقلت إلى مدفن العائلة الملكية في مسجد الرفاعي، في حين نقل مدفن عائلتها “ذو الفقار” إلى جوار المدفن الجديد للشيخ المراغي في 15 مايو.
الهدم مسألة وقت!
تقول أبو ستيت عن اقتراب هدم مقبرة جدها: “موقع المقبرة كان استراتيجيا. فهي أمام مدفن السيدة نفيسة مباشرة، وكان هذا الموقع بناء على رغبة الإمام المراغي نفسه منذ عام 1945. حيث أصر أن يدفن بجوار السيدة نفيسة تبركاً ومحبّة. رغم إمكانية دفنه في بلدته الأصلية “مراغة” بمحافظة سوهاج، لكنه اختار أن يكون قريباً من أهل البيت”.
وأوضحت أن المدفن لا يضم رفات الشيخ المراغي فقط. بل يحتوي على رفات نحو 100 فرد من أفراد العائلة، من بينهم زوجته وأبناؤه. بالإضافة إلى والدها السيد أبو ستيت، الذي تم دفنه هناك لصعوبة نقله إلى سوهاج، ليكون إلى جوار أسرته، وكذلك خالاتها وأبناء الخالات.
وفيما يتعلق بمستقبل المدفن، أوضحت أبو ستيت أن القرار النهائي بيد المحافظة، التي تعمل على تنفيذ مخطط تطويري شامل للمنطقة. مضيفة: “ما علمته من المحافظ لاحقا هو أن هناك مشروعا لتدشين حديقة تحمل اسم (حديقة الخالدين) في منطقة عين الصيرة، لتخليد رموز كبار من أمثال الإمام المراغي، والشيخ شلتوت، والشيخ الشعراوي”.
وأشارت إلى أنها سألت المحافظ: كيف سيتم تمييز رفات الشيخ المراغي في هذا التكريم؟ فأوضح أن الحديقة ستكون مجرد رمز لتكريم الأسماء، دون أن تنقل إليها الرفات فعلياً”.
سيرة الإمام الأكبر المراغي
نُقِل رفات الإمام المراغي تمهيدا لهدم المدفن، بعد مرور ثلاثة أعوام على تلقي أسرته إخطارا شفهيا بذلك عبر حارس المقبرة. والمدفن لا يضم الإمام وحده. بل يرقد إلى جواره عدد من أفراد أسرته البارزين، من بينهم أبناؤه: أحمد مرتضى باشا المراغي، وزير الداخلية في عهد الملك فاروق، وحسن رشاد المراغي، عضو مجلس النواب، وإسماعيل المراغي، وكيل وزارة العمل ومندوب مصر في الأمم المتحدة، والمستشار عبداللطيف المراغي، والسفير إسماعيل المراغي، والسيدة نعمات المراغي، زوجة جعفر باشا والي، بخلاف الأحفاد، وعلى رأسهم السفير عبداللطيف هاشم.
تُبرز سيرة الشيخ المراغي، كما ترويها حفيدته، رجلا استثنائيا لم يخضع لضغوط السلطة. ولم يسمح باستخدام الدين كأداة سياسية. ففي زمن اشتد فيه النفوذ البريطاني داخل مصر، اتخذ المراغي موقفا حازما. ورفض الامتثال لمطالب الإنجليز أو البلاط الملكي، حتى وإن كلّفه ذلك منصبه.
ومن أبرز مواقفه، رفضه القاطع لطلب الملك فاروق إصدار فتوى تمنع الملكة فريدة من الزواج بعد طلاقها. مؤكدا أن هذا ليس من الدين في شيء. وأن من حقها الزواج مجدداً كأي امرأة مسلمة.
كما يسجل له أنه كان أول من دعا إلى تشريع “الوصية الواجبة”، التي أتاحت للأحفاد حق الميراث في حال وفاة والدهم قبل جدهم. وهي فتوى أحدثت تحوّلاً اجتماعياً وقانونياً كبيراً لا يزال معمولاً به حتى اليوم. ولا تنسى عبارته الشهيرة: “لا ناقة لنا فيها ولا جمل”. التي قالها في موقف واضح من الحرب العالمية، حين اختار الانحياز إلى مصلحة الوطن.
ومن المواقف اللافتة في حياته، رفضه الانحناء للملك جورج الخامس أثناء زيارته إلى السودان. حيث كان الشيخ المراغي يتولى منصب القضاء آنذاك، في تحدٍ صريح للبروتوكول الاستعماري المفروض.
اقرأ أيضا:
«نزع».. مشروع بصري يوثق مقابر القاهرة قبل اختفائها من الذاكرة