«التراث في كل مكان»: مشروعات فوتوغرافية توثق تاريخ مصر المنسي

أقيم أول أمس معرض فوتغرافيا بعنوان «التراث في كل مكان» في بيت السناري الأثري بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة. وقد سلط المعرض الضوء على 5 مشروعات، تم دعمها من قبل جمعية «استكشاف مصر» لدراسة وتوثيق أشكال مختلفة من التراث المادي وغير المادي في مصر. وقدم المعرض مجموعة من الصور شكلت جزءًا بحثيًا في المشاريع الخمسة. وهي توثيق قبة الأشرف خليل من العصر المملوكي، وتوثيق الحرف اليدوية المهددة بالاندثار في صعيد مصر، ومشروع “سلام ترام” لأرشفة المسارات المفقودة لترام القاهرة.

بالإضافة إلى مشروع توثيق المجموعة المعمارية الخاصة بالري من عصر محمد علي بالخطاطبة، ومشروع توثيق أسواق السمك بالإسكندرية. كما تحدث ضيف الشرف زياد مرسي عن رحلته التوثيقية لمحطة قطار القباري بالإسكندرية الأقدم بالشرق الأوسط وتم هدمها العام الماضي.

قبة الأشرف خليل

يقول معاذ لافي، الباحث الأكاديمي في الآثار والحضارة الإسلامية: “بدأت في استكشاف قبة الأشرف خليل بمنطقة الخليفة وهي قبة من العصر المملوكي البحري عام 2013. وذلك خلال حملة حماية الآثار لنظافة الآثار الإسلامية التيكانت في حال سيء. وبعد توقفها تبلورت الفكرة وأصبحت أكثر عمقا في التعامل مع الآثار أو حمايتها تحت بند الترميم”.

وتابع: تعد قبة الأشرف خليل هي القبة الوحيدة الباقية من قباب سلاطين قلاوون الباقية على حالتها الأصلية. وهو ما يطرح سؤالا عن سبب احتفاظها بحالتها الأصلية. ويقول: “هذا الأمر جعلنا نتطرق للقباب في الفترة المملوكية البحرية واستطعنا الإجابة عن هذا السؤال خلال دراسة المشروع البحثية”.

ضم المشروع توثيق تصويري للزخارف النباتية أو الهندسية أو الكتابية، والتي رغم تميزها كانت مُبهمة. ويضيف: “استطعنا تسليط الضوء على الزخارف والتي ترجمت في القرن الـ19”.

أعاد الفريق تقديمها في صورة اسكتشات بالتوازي مع التطور الطبيعي لاسكتشات المستشرق شمورانزوا التي عثروا على بعض منها، كان قد رسمه للقبة من الداخل في عام 1870 بعد التواصل مع متحف الفنون التطبيقية في فيينا، والتي تبرز أهمية القبة وتاريخ فنونها في حلقة الفنون الإسلامية والمملوكية في القاهرة.

 

القائمة الحمراء 

بالانتقال من التراث المادي إلى غير المادي، يشارك الباحث البيئي أسامة غزالي بمجموعة من الصور يوثق من خلالها العديد من الحرف المندثرة والمهددة بالاندثار في صعيد مصر، ضمن مشروعه «القائمة الحمراء للحرف اليدوية في صعيد مصر».

سفره لخارج مصر عدة مرات وملاحظته لظهور التمثيل الثقافي في العديد من البلاد كان سببا بعد عودته في الاهتمام بصورة أكبر بتوثيق الحرف اليدوية التي يشترط لتعريفها بأنها حرفة انتقالها على الأقل بين 3 أجيال, بغض النظر عن تعريف الجيل ومدته.

ويقول: “شعرت بكثير من الهامشية العامة لهذا بدأت رحلتي في البحث عن كنوز مصر الفعلية. وسافرت كل قرى ومدن مصر للتعلم ومنها توصلت إلى فكرة توثيق الحرف اليدوية كمدخل للتراث”.

استطاع غزالي توثيق 256 حرفة يدوية في أكثر من 550 قرية مصرية. بالإضافة إلى توثيق مجتمعات ثقافية وبشرية والعادات المتوارثة عنها. ومن هنا بدأ يتضح التنوع الثقافي وتاريخه الممتد، واستطاع الرصد وفقا لأولويات موجهة بالتراث الثقافي.

استلهم فكرة “القائمة الحمراء” من المملكة المتحدة. ونفذها في أسوان، قنا، الأقصر، جنوب البحر الأحمر، حلايب وشلاتين، ويوضح: “التداخل الثقافي هام للقوائم. خاصة في ظل رصد قبائل مختلفة وتنوع ثقافي”.

بالإضافة إلى تنفيذ مشروع «أطلس التراث» الذي استطاع من خلاله تقديم خرائط لتقييم الحرفة في كل محافظة، ومدى انتشارها وتوارثها. وتوصل إلى اندثار أكثر من 20 حرفة يدوية تماما في من صعيد مصر.

أرجع الباحث الميداني عزوف الكثير عن الحرف التراثية إلى عدة أسباب. منها غياب الدخل الحقيقي، وعدم الاهتمام بالتسويق والاتجاه إلى الخامات المستوردة وعدم اهتمام الأجيال الجديدة بتعلم الحرفة. وأخيرا أن أغلب الحرف نسائية يصعب انتشار تعليمها.

حارة اليهود بسوق الميدان
حارة اليهود بسوق الميدان
سلام ترام!

شارك مشروع “سلام ترام” بمجموعة من الصور توثق أرشفة المسارات المفقودة لترام القاهرة. ويقول مينا إبراهيم باحث الأنثروبولوجيا: “يحاول مشروع سلام ترام الكشف عن حضور الترام في الوعي الجمعي المصري على امتداد 120 عاما 1896 – 2019”.

تطور خلال هذه الفترة الترام من كونه آلة دخيلة على المدينة إلى جزء أصيل من تركيبها الطبوغرافي. تم توثيق ترام القاهرة من خلال جمع الأرشيفات ومن بينها أرشيف شبرا “سرد” المركز البحثي المستقل، وإجراء مقابلات التاريخ الشفهي.

وتابع الباحث: “يبحث المشروع عن ترام القاهرة وحضوره التاريخي والتفاعلات عبر خمسة فروع وهي الأماكن، الأحداث، العلاقات، الرؤى والتصورات، التكنولوجيا”. وتم تجسيدها بمجموعة من الصور النادرة لوجود الترام في القاهرة وظهوره في عدة أفلام.

مجموعة الري المعمارية بالخطاطبة

قدم الباحثون ساندرا زكي، عمرو لطفي، جمال فتحي نظرة عامة عن المجموعة المعمارية الخاصة بالري بمنطقة الخطاطبة المعروفة بـ”كوبانية مياه محمد علي” في محافظة المنوفية. من خلال مجموعة من الصور توضح تداخل مقياس المياه التاريخي التي شيدها محمد علي باشا عام 1820 وما آلت إليه حاليا.

تقول ساندرا زكي: “تم توثيق المبنى كاملا باستخدام الرسومات، الصور الفوتوغرافية وأوصاف تقييم الوضع الحالي”. وتكمن أهمية المجموعة بأن كان بها مقياس على فرع رشيد. ثم منطقة تجميع المياه التي تأخذ منها الطلمبات المياه إلى المبنى حيث مرقد “الوبورات”. حيث يوجد مدخنه ومخزن ولكن تدهورت أجزاءً كبيرة من المجموعة.

كانت ترعة الخطاطبة إحدى قنوات الري الصيفية. حيث لا يوجد مياه إلا خلال فترات الفيضان، وبعدما شيدها محمد علي باشا لتزويد منطقة البحيرة بالمياه. وقام الخديوي توفيق بتطوير القناة بإضافة مبنى محطة ضخ إلى القناة لتوفير المياه على مدار العام بهدف زيادة المساحة الزراعية. وتتكون المجموعة المعمارية من مقياس النيل، مبنى المخزن، مبنى المضخات والمدخنة.

البقايا التي يمكن رؤيتها من مقياس النيل بالخطاطبة
البقايا التي يمكن رؤيتها من مقياس النيل بالخطاطبة
أسواق السمك بالإسكندرية

من خلال مجموعة من الصور القديمة والحديثة، استطاعت مؤسسة “راقودة” للتراث غير الهادفة للربح توثيق تراث أسواق السمك المعروفة باسم “حلقة السمك” و”سوق الميدان” بالإسكندرية.

وتوضح روضة عبدالهادي مرممة الآثار سبب اختيار السوقين بالتحديد. وتقول: “تأتي أهميتهم من بحيرة مريوط الضخمة والاهتمام بالميناءين على ضفافها على مر العصور. ويمتد سوق الميدان من المنشية إلى باب النصر ويتفرع منه عدة أسواق مهمة وظيفتها تحمل نفس الاسم.

المنطقة غير الموثقة كانت سببا للبحث في المخطوطات والمحفوظات. بالإضافة إلى قيم وسمات التراث المادي وغير المادي التي تنفرد بها منطقة “حلقة السمك” المقرر نقل حركة التجارة إلى مبنى آخر.

بالإضافة إلى الصور، يتضمن المشروع توثيق كتابي في صورة خرائط لمعرفة التسلسل العمراني لحلقة السمك التي امتدت لكل الأسواق المحيطة بالإضافة إلى فيلم وثائقي عن المشروع.

حلقة السمك قديما - مشروع توثيقي لمؤسسة راقودة
حلقة السمك قديما – مشروع توثيقي لمؤسسة راقودة
تراث مخفي

يقدم زياد مرسي الباحث بمؤسسة “أونر فروست” والمحاضر الزائر بجامعة الإسكندرية مجموعة متنوعة من الصور في معرض “تراث مخفي”. يوثق من خلالها محطة قطار القباري وهي أول محطة تم إنشائها في مصر وإفريقيا عام 1852.

في شهر يوليو 2011، تم هدم مبنى المحطة القديم لإنشاء منطقة حاويات جديدة لميناء الإسكندرية. وكذلك تم هدم كل المظلات القديمة سواء الخشبية أو المعدنية والتي كان يكسوها قرميد فرنسي مستورد يرجع إلى نهاية القرن التاسع عشر.

يقدم مرسي من خلال المعرض مجموعة من الصور القديمة والحديثة للتعرف على المباني التي كانت موجودة بالمحطة وتاريخها.

اقرأ أيضا

تجارب من دول أخرى: كيف تحافظ الحكومات على تراث المدن؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر