«الأبديون» وأنجلينا والامبراطور العاري!

وضعت الرقابات العربية نفسها في مأزق لا تحسد عليه برفضها عرض فيلم “الأبديون” Eternals، آخر انتاجات شركة “مارفل”، والذي يشارك في بطولته النجمتان منهم أنجلينا جولي وسلمى حايك. بجانب عدد من النجوم الشباب الذين ينضمون إلى فريق “مارفل” للمرة الأولى مثل جيما شان وريتشارد مادين.

وحسب ما ذكر في مصر وعدد من البلدان العربية تم منع عرض الفيلم “لاحتواءه على مشاهد جنسية وشذوذ”. وهي أوصاف استثارت سخرية الكثيرين ومنهم أنجلينا جولي شخصيا التي علقت على القرارات في تصريحات واضحة وصفت فيه من منعوا الفيلم بـ”الجهلة”.

أزمة الأبديون

حكاية عبثية، ومؤسفة، ومضللة، مثل كثير من الحكايات التي نصحو وننام عليها. فلا الفيلم يحتوي على مشاهد جنسية، ولا هو يصور علاقات مثلية، بالدرجة التي تستوجب منعه. لأنه في الأول والآخر فيلم “نظيف”، مناسب للأطفال مثل كل إنتاجات “مارفل”. بالرغم من أنه يخطو خطوة جريئة بالنسبة لأفلام الشركة بتصوير مشهد لا يظهر فيه سوى رأسي وكتفي البطلين عاريين لمدة ثوان يتبادلان فيه القبلات وعبارات الغرام. ومشهد آخر لقبلة عابرة لا تتجاوز ثانية واحدة بين رجلين. وليس الهدف من المشهدين إثارة الرغبات أو تصوير الجنس. وإنما توضيح طبائع الشخصيات والعلاقات فيما بينها، وإظهارها في هيئة شبه “بشرية” يتعاطف معها المشاهد.

ربما يكون المشهدان مرفوضان بمعايير بعض الرقابات العربية (مصر وبعض دول الخليج تحديدا، مضافا إليهم السودان وليبيا). ولكنهما عاديان بمقاييس أي رقابة أخرى في العالم، بما فيها بقية البلاد العربية. وهيئة الرقابة على الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية منحته تصنيف 13 PG أي للأطفال فوق 13 بصحبة ذويهم. وهو أيضا قرار جرئ وجديد، مثل قرار “مارفل”، يحتاج إلى شرح.

الصوابية السياسية

يشهد الغرب وأمريكا تحديدا حالة غير مسبوقة من “الصوابية السياسية” (التي تعني بتصحيح أوجه الظلم والإساءة التي تتعرض لها بعض الفئات الاجتماعية). وهذه الصوابية تصل أحيانا إلى درجة مبالغ فيها، كما رأينا في بعض قواعد العمل وقبول الأفلام المعروضة في المهرجانات أو توجهات أكاديمية علوم وفنون السينما الصريحة بالانحياز للأفلام التي تناصر فئات بعينها. وهو اتجاه علقت عليه في مقال سابق نساء وسود ومثليون: ضد العنصرية.. وضد السطحية أيضا! حول إيجابياته وسلبياته.

تتمثل هذه “الصوابية” في اشراك وتمكين والدفاع عن النساء، الملونين، الأجانب، أصحاب الهمم، المختلفين جنسيا، وغيرهم من الفئات التي تعرضت للظلم أو الاستغلال أو التهميش على مدار عقود وقرون مضت. وإذا نظرت إلى فيلم “الأبديون” سوف تتبين معالم هذه “الصوابية” بداية من السيناريو واختيار الممثلين وفريق عمل الفيلم:

من إخراج امرأة

هذه هي المرة الثانية التي تقوم فيها مخرجة امرأة بصنع فيلم من سلسلة “مارفل”. وهي كلوي زاو الصينية الأصل، والتي كانت أيضا ثاني امرأة تفوز بأوسكار أفضل مخرجة في بداية هذا العام عن فيلمها “أرض الرحل” Nomadland الذي يدور عن فقراء ومهمشين أمريكا الذين وقعوا من سلم النظام الاجتماعي.

يضم “الأبديون” أيضا ممثلين متعددي الأعراق والألوان بشكل غير مسبوق في فيلم لـ”مارفل”. وكل واحد من الشخصيات الرئيسية (الأبديون) يمثل عرقا وجنسا ولونا بعينه. كذلك يضم الفيلم شخصية خرساء تقوم بدورها ممثلة خرساء تمثل (ذوي الهمم).

حكايات الأبطال الخارقين

والفيلم يعد تطويرا لحكايات الأبطال الخارقين (superheros). ومحاولة لابتكار تفسير ميتافيزيقي لوجودهم، ولعبا على الأساطير اليونانية والفرعونية والبابلية والشرق أوسطية والصينية وغيرها. يحمل أسماء متنوعة الثقافات لشخصياته مثل “ثينا” (أثينا) و”جلجامش” و”سيرسو” و”مكاري” و”درويج”. يسعى الفيلم، مثل ثقافة “الصوابية” التي خرج منها، إلى خلق “ثقافة موحدة” للأجيال القادمة تتجاوز الإقليمية والعصبية والطائفية والانحياز الجنسي والعرقي. وذلك حسب مفهوم الصوابية السائدة التي يمكن أن يعتبرها البعض ساذجة، أو يعتبرها البعض الآخر مهددة للتعصب والشوفينية التي عاش حياته عليها.

من ناحية ثانية، يمكن أن يخبرك أي قريب أو صديق له طفل في مدارس أجنبية، أن مناهج التعليم الحديثة تحاول أن تجنب الأجيال الجديدة الأمراض النفسية الجنسية التي عانت منها أجيال الماضي. وتبين أنها أحد الأسباب الرئيسية لتخريج السفاحين والذهانيين والتعساء بلا شفاء. وذلك من خلال التعامل مع الجنس كأحد مسلمات الحياة، وتوضيح الحقائق الجنسية مبكرا للأطفال، وتعليمهم قبول الاختلافات الجنسية بين الذكر والأنثى وبين بعضهم البعض.

فئة مرفوضة

من هذا كله تأتي الفكرة الأساسية من مشهد القبلة بين رجلين التي يحتويها الفيلم. وهي مجرد الإشارة لوجود شخص مثلي، تطبيقا لمبدأ مناهضة الانحياز ضد المثليين وأي فئة إجتماعية مرفوضة. ومن هنا انفعال أنجلينا جولي، وسخرية العالم كله من قرارات الرقابات العربية (المتخلفة والجاهلة في نظرهم).

..لكن العبث الأكبر الكامن في هذه القصة كلها، والذي لا يلتفت إليه أحد، هو أن قرارات الرقابات العربية ليس لها أي قيمة فعلية. سوى الدعاية للفيلم الذي سيراه بالتأكيد كل كبار وأطفال العالم العربي على الانترنت والمنصات والقنوات المشفرة والمفتوحة خلال أسابيع أو أيام من الآن. وقد تم تسريب أول نسخة من الفيلم على الانترنت بالفعل.

..وهكذا تبدو الرقابات العربية مثل الامبراطور العاري الذي يراه الناس عاريا. ويعتقد هو أنه يتغطى بأفضل أثواب السلطة والفضيلة!

اقرأ أيضا

دروس في الفن من أزمة فيلم «ريش»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر