أوبرا وتاريخ وأغاني مهرجانات: ولع عالمي بمصر..من بعيد

هذه أخبار لا نعلم عنها شيئا.

يوم الخميس القادم، 19 مايو، يشهد متحف “متروبوليتان” في نيويورك عرضا جديدا لأوبرا “إخناتون” التي تعرض منذ ست سنوات في بعض من أكبر مسارح ومتاحف العالم في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وهي الأوبرا التي ألفها الموسيقار فيليب جلاس منذ حوالي أربعين عاما، حيث عرضت لأول مرة في مسرح مدينة “شتوتجارت” بألمانيا في مارس 1984، ومن يومها تعرض بشكل متقطع في عدد من المسارح العالمية، ولكنها منذ 2016 تحديدا تعرض بشكل منتظم في حلة جديدة تعكس أحدث ما وصل إليه فن العرض المسرحي والموسيقي، من إخراج فيليم ماكديرموت، حصل عنه على جائزة أفضل أوبرا مسجلة في إبريل الماضي.

أوبرا ضد الكليشيهات

ويحمل العدد الأخير من مجلة “بلومبرج بيزنس ويك”،Bloomberg Buisnessweek، وهي واحدة من أكبر المجلات الاقتصادية في أمريكا، تقريرا على صفحة كاملة حول أوبرا “إخناتون” وبطلها، مغني التينور الإيطالي أنطوني روث كوستانزو، الذي قرر علماء المصريات بمعهد أبحاث العلوم الانسانية بجامعة أوكسفورد أن يضموه إليهم “زميلا زائرا”، بعد أن رأوا في أداءه الاستثنائي لشخصية إخناتون ما يتخطى حدود “التشخيص” العادي. وفي التقرير يبدي عالم المصريات البريطاني ريتشارد بروس باركنسون اعجابه الفائق بالأوبرا الناطقة، بالمناسبة، باللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) بتعليق صوتي انجليزي (أو ألماني أحيانا، حسب مكان العرض)، ويقول أنه قد آن الأوان لتخليص الثقافة المصرية القديمة من “الكليشيهات” التي أحاطت بها طويلا:

“تذكر “إنديانا جونز” أو “المومياء” وغيرهما من الأفلام المثيرة للغضب. أوبرا “إخناتون”، على العكس، تجعل من الفرعون شخصية عصرية ينبغي أن تعامل بجدية كمفكر وإنسان”.

ويشيد باركنسون بوجه خاص بأداء كوستانزو، الذي يلعب دور إخناتون، ويضرب مثلا بمشهد في الفصل الثاني يقوم فيه بأداء قصيدة لإخناتون، مذكورة في “كتاب الموتى”، صاعدا درجات سلم طويل نحو الشمس. ويصف باركنسون، المتخصص في الشعر المصري القديم، المشهد بانه “قطعة فنية عصرية وطازجة من الفن الجاد”، كما يصف العرض بأنه “معالجة للنصوص القديمة شديدة الفنية قلما نرى لها مثيلا”.

رحم الله شادي عبد السلام، الذي رحل عن عالمنا في 1986، محبطا ويائسا بعد أن فشل في صنع فيلمه عن إخناتون، بالرغم من النجاح العالمي الذي حققه فيلمه الأول “المومياء”، والذي يعد في نظر الكثيرين، أفضل فيلم في تاريخ السينما العربية.

كل ما تحتاج أن تعرفه عن مصر

من ناحية ثانية أصدرت مجلة “كل ما تحتاج أن تعرفه”  All You Need to Know البريطانية طبعة رابعة من عددها المخصص لـ”مصر القديمة”، يحوي في 118 صفحة الكثير من المعلومات والصور والرسوم لتاريخ مصر الفرعونية، ولكن الصفحة الأكثر أهمية، بالنسبة لي، هي التي تحمل تقريرا بعنوان “هل بناها العبيد؟” يرصد بعض الأقاويل التي تتردد منذ أيام هيرودوت (منذ أكثر من ألفين عام) حول أن الأهرامات بنيت على يد العبيد من أسرى الغزو والحروب>

ويؤكد التقرير أن كل هذا أكاذيب لا يوجد دليل تاريخي علمي واحد عليها، وأن الاكتشافات الحديثة لمقابر العمال في منطقة الأهرامات وبعض النصوص تثبت أن بناة الأهرام كانوا عمالا عاديين يتلقون أجورا، أو يقومون بالعمل نظير اعفائهم من الضرائب (بتعاقد مدته لا تتجاوز أربعة أشهر)، وأنهم كانوا يتناولون ثلاث وجبات جيدة من الطعام يوميا، كما يرصد التقرير مواعيد العمل والاستراحات اليومية، وتخصصات هؤلاء العمال، والأكثر من ذلك أنه يبين أن أعداد بناة الأهرامات لم يتجاوز خمسة آلاف عامل (وليس 100 ألف كما زعم هيرودت) كانوا يعملون بنظام “الورديات” وتبادل العمل والإجازات.

حتى عنبة وزوكش!

في مقال الأسبوع الماضي كتبت عن مسلسل “موون نايت” وما أثاره من اهتمام وولع لدى الشباب والمراهقين في العالم بثقافة مصر القديمة وموسيقى مصر الحديثة، ومنها أم كلثوم وعبد الحليم ونجاة ووردة، وأيضا أغنية المهرجانات المعروفة باسم “الملوك” (من مسلسل “ملوك الجدعنة”) للمغنيين أحمد سعد وعنبة ودبل زوكش التي يمكن أن تلاحظ أن إحدى نسخها على “يوتيوب” قد تجاوز عدد مشاهداتها 61 مليون ومعظم التعليقات الآن بالانجليزية!

 

لن أسأل لماذا لم تفكر دار الأوبرا المصرية، على مدار تاريخها، في استضافة أوبرا “إخناتون”، في الوقت الذي قامت فيه بانتاج نسخة ممصرة راقصة ضعيفة من صنع وليد عوني؟ ولماذا لم تفكر وزارة الثقافة في إقامة عرض لها تحت سفح الأهرامات كما فعلت مع ميشيل جار في حفل الألفية؟

لن أسأل لماذا لا يدرس تاريخ مصر القديمة بشكل محترم في المدارس، ولا لماذا لا يهتم اعلامنا بعمل برامج وأفلام وثائقية، أو على الأقل ترجمة أفلام المحطات العالمية، عن المصريين القدماء؟

ولن أسأل لماذا نمنع الأجانب من التصوير في مصر، ولماذا نتحرش جماعيا بالسائحين؟

كما لو أننا نكره تاريخنا، أو كما لو أننا لسنا مصريين، كأننا أحفاد الغزاة والحاقدين على هذا البلد، أريد أن أسأل فقط: ألا يثير فينا هذا الولع العالمي بمصر والمصريين، من بعيد، أي احساس بالغيرة أو الخجل؟!

اقرأ أيضا:

الأعمال المصرية على «نتفليكس» من يوسف شاهين لأحمد خالد توفيق!

 

 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر