«أطلال» محطة قطار القباري في معرض جمعية الآثار بالإسكندرية

تستضيف جمعية الآثار بالإسكندرية معرض «أطلال» لتوثيق المبنى القديم لمحطة قطار القباري بالإسكندرية الذي تم هدمه قبل شهرين. ويضم المعرض المستمر حتى نهاية نوفمبر الجاري، صورا توثق المحطة التي تعد أقدم محطة قطار في مصر والشرق الأوسط وإفريقيا، كما يضم عينات حقيقية مما تبقي منها في محاولة لإيجاد رابط حسي ومادي بين الزائر والمحطة المهدومة.

معرض حسي

أعد المعرض فهيمة النحاس والدكتور زياد مرسي، الأستاذ الزائر بجامعة الإسكندرية. ويضم 52 صورة للمحطة والمباني والرصيف القديم والمباني الملحقة والمظلات التي بُنيت من الخشب والمعادن والسقف القرميد. مع ترتيبهم في المعرض في مجموعات شبيهة بوجودها في الحقيقة إذ يشعر زائر المعرض كأنه في رحلة لمنطقة محطة القباري كاملة.

بالإضافة إلى عرض أجزاء من السقف القرميد وعينات من مكان هدم المحطة القديمة، تُعرض العينات بطريقة تسمح بلمسها والبعض الآخر من العينات. مثل بلاطات القرميد تم رصها بشكل يحاكي الشكل الهندسي للمظلة لتقريب الفكرة للزائر عن القرميد وطريقة وضعه قديما بعد توقف استخدام هذا الأسلوب في الأسقف حاليا.

قدم المعرض فكرة التواصل حسيا، من خلال عرض هذه القطع ويتيح للزائر لمسها وحملها لمعرفة وزنها ومشاهدة عبق التاريخ على كل قطعة معروضة، مع تنظيم قطع القرميد بشكل مقابل للطريقة الأصلية.

جولة في المبنى القديم

ويقول د. زياد مرسي لـ«باب مصر»: «جاء التخطيط للمعرض بالصدفة» حيث إنه التقط الصور للمحطة في صيف 2020 ولكنها لم تكن ضمن خطته المستقبلية لعرضها للجمهور. ولكن اكتشف مؤخرا على مدار الشهرين الماضيين أن محطة “القباري” التي تعد أقدم محطة قطار في مصر والشرق الأوسط منذ بنائها في عام 1852 على يد “روبرت ستفينسن” (ابن مخترع القطار الذي يعمل بالبخار) تعرضت للهدم.

كان قد نفذ العديد من الجولات الميدانية للمكان التراثي المهدوم برفقة زملائه من المهتمين بالتراث في الإسكندرية. وخلال الزيارة الميدانية للمحطة عثروا على قطع مميزة من الأنقاض، قطع فخارية وقطع قرميد تحمل أختام مصمميها الأصليين، وبقايا هدم المظلات سواء الخشبية أو المعدنية، والتي كان يكسوها قرميد فرنسي مستورد (طراز مارسيليا المسطح) يعود لنهاية القرن التاسع عشر. وكانت القطارات تقف تحت هذه المظلات. يقول زياد مرسي: “جمعنا هذه العينات واحتفظنا بها”.

ومن هنا قام بتنظيم المعرض “أطلال” باعتباره فرصة لتعريف الناس بالمحطة وتاريخها العريق، ويضيف لـ«باب مصر»: “بعد عملية الهدم، شعرت أنه حان وقت خروج الصور للنور بعدما احتفظت بها بشكل شخصي لمدة 18 شهرا”.

العمارة في الإسكندرية

يأتي اهتمام الباحث المصري ببقايا محطة القباري التابعة لهيئة السكة الحديد، ضمن اهتمامه الأشمل بالتراث والعمارة في الإسكندرية. خاصة بعد استكماله دراساته العليا الماجستير والدكتوراه عن الفنون القديمة لصنع المراكب المصرية والتي باتت على وشك الاندثار في مصر. وبعد عودته من الدراسة في المملكة المتحدة بالتزامن مع بداية انتشار جائحة كورونا، تفاجأ بهدم كبير للتراث المعماري في الإسكندرية.

“تسجيل تاريخ المحطة هو أبسط دور لنا” كان هذا تعليقه على محاولاته هو وزملاؤه للتعريف بتاريخ المحطة، خاصة بعد ملاحظته أن المحتوى العلمي والأبحاث والمحاضرات تختص معرفتها بفئة الباحثين فقط.

وهذه العلاقة المقتصرة على الدراسة لا تتيح للجمهور التفاعل مع العديد من القضايا. وجاء المعرض بعد محاولاته للتعامل بإيجابية مع هدم المحطة من خلال تقديم شكوى للمسؤولين عن أهمية المكان أو تدخل شخصي بزيارته لمكان محطة القباري ومحاولة توثيقه بكل السبل الممكنة.

تراث المدينة

هدم المبنى القديم لمحطة القباري ليس الأول. وربما لن يكون الأخير. إذ تتم عمليات إزالة لمباني أخرى في المدينة لإعادة تأهيل المنطقة. وقد أثرت عمليات هدم المباني التراثية في الإسكندرية، على تراث المدينة العريق خاصة المعماري والصناعي (طرق البناء) الذي يعود للقرنين 19 و 20، اللذان بدأت ملامحهما في الاختفاء من أرجاء عروس البحر المتوسط، وخاصة بعد هدم أربعة مباني كبيرة في وسط المدينة.

ويقول الأستاذ الزائر بجامعة الإسكندرية: “المباني الأربعة تمتعت بطرز معمارية وطريقة بناء مختلفة تماما عن الموجودة حاليا. وهذه الطرق غير موثقة أو مدروسة في مصر حتى الآن”.

ويوضح الباحث: “ترى المحليات أن مبنى قديم ومهجور قد يتحول إلى وكر، طالما أنه مهمل دون فائدة ويكمن الحل الوحيد في رأيهم في إزالته. ولكنني ناشدت برفقة عدد من زملائي المسؤولين بضرورة الالتفات إلى القيمة التاريخية. إذ كان من الممكن استغلاله بعدة طرق أبرزها تحويله إلى مزار سياحي”.

تجربة دمج العمارة القديمة  

تأتي عملية الهدم المستمرة في مصر للمباني التاريخية على غرار الخطوة التي اتخذتها بريطانيا في ستينيات القرن الماضي لهدم وإزالة كل ما هو قديم. ولكن المجتمع انتفض وثار على هذه الخطوة وطالب بضرورة تصحيحها من خلال الحفاظ على الشكل المعماري المستمد من التاريخ عبر عصوره. حتى أصبحت واحدة من الدول التي تحافظ على التراث القديم في ظل العمارة الجديدة.

وعن عملية الدمج بين التاريخ القديم والعمارة الحديثة في مدينة واحدة، يضيف الباحث الشاب: “الخطوة الأولى تنطلق من الإيمان بضرورة الحفاظ على التاريخ بكل عصوره وعدم المفاضلة بين تاريخ عصر على حساب عصر آخر. وعلى سبيل المثال آثار مصر القديمة تتمتع بالأهمية نفسها لآثار القرنين 19 و 20 مع عدم الحكم على قيمة التاريخ بحسب عمر الأثر.. فالأثر الذي عمره 2000 عام ذي قيمة مشابهة للأثر الذي عمره 200 عاما”.

واستكمل حديثه عن التجربة البريطانية في الحفاظ على الأماكن التراثية في بريطانيا. ويقول: “أصدروا قانونا لاحقا بتوحيد طرز البناء وحال وجود مبنى تاريخي آيل للسقوط تُترك الواجهة القديمة ويتم بناء المبنى الجديد. ويضيف: “كذلك حال وجود آثار تحت الأرض تتحول إلى مزار مع بناء المبنى المطلوب في نفس المكان”. مرجحا أن السبب في الحركة البريطانية لدمج العمارة الحديثة والتراث هي قلة المساحة والرغبة في استغلالها بالشكل الأمثل. وبدوره يتيح فرص عمل وإضافة أماكن أثرية جدية للبلد.

تاريخ محطة القباري

تعد محطة القباري أقدم محطة في مصر والشرق الأوسط. وتم إنشاؤها للربط بين مصر وإفريقيا نظرا لمرور المسافرين بين الهند وأوروبا عن طريق مصر. ثم تحولت إلي المحطة الرئيسية للبضائع القادمة من ميناء الإسكندرية. وكانت تمر عليها قطارات ولكن المبنى نفسه لم يكن مستغلا حتى تم هدمه.

يقام المعرض بمقر جمعية الآثار بالإسكندرية: 6 شارع محمود مختار متفرع من شارع فؤاد، خلف المتحف اليوناني الروماني – قاعة المعارض – أيام الأحد والثلاثاء والخميس – من الساعة 5م إلى 7م.

اقرأ أيضا:

الإسكندرية.. مدينة تأكل روحها

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر