«أحمد عبود».. رائد البالون الطائر يروي حكايات التحليق فوق معابد الأقصر

عند السادسة صباحًا، بينما لا تزال الشمس تتثاءب خلف الجبال الشرقية للأقصر، كان أحمد عبد الواجد، الشهير بـ«أحمد عبود»، يحمل حقيبته الصغيرة ويتهيأ لرحلة جديدة في السماء. عبود، ذو الـ55 عامًا، ليس مجرد طيار بالون طائر، بل هو رائد هذه المغامرة الجوية في سماء الأقصر، ومن أوائل من قادوا هذا النوع من السياحة في مصر منذ أواخر الثمانينيات، حتى بات ينسب إليه الفضل في تطويرها وتأسيس شركاتها، التي وصلت اليوم إلى 22 شركة.

معدات وأدوات

داخل الحقيبة التي يحملها، كان هناك جهاز لاسلكي، وولاعة، وجهاز GPS، ومقياس سرعة الرياح ودرجة الحرارة، وقفازات، وبعض الأدوات الأخرى اللازمة لسلامة الرحلة. بدأ عبود كعادته بالتوقيع على أمر التشغيل، ثم أشرف بنفسه على تفقد كل شيء: منسوب الوقود، ومعدلات الغاز، والحالة الفنية للبالون. خمس خزانات وقود، مزيج من غاز الهيليوم والنيتروجين، يتم أولا ضخ الهواء البارد لملء البالون حتى منتصفه، ثم يُضخ الهواء الساخن عبر الشعلات، التي تمنحه القدرة على الارتفاع.

وبينما كان البالون ينتصب شامخًا في ساحة الإقلاع، بدأ السياح يتوافدون وركبوا الصندوق المصنوع من الخيزران. هنا، أمسك عبود بجهاز الإشعال وضغط مطولا على شعلة النار، ثم التفت إلينا قائلاً بابتسامة الواثق: “سننطلق الآن، بعد دقيقة سترون أمامكم معبد حتشبسوت. الرحلة ستستغرق من 35 إلى 45 دقيقة”.

البدايات.. كيف بدأت الحكاية؟

أثناء التحليق، فتح عبود ذاكرته ليحكي لنا:”بدأت مغامرة البالون الطائر في الأقصر عام 1989، بثلاثة بالونات فقط. لم يكن بيننا طيارون مصريون، كانوا أجانب يدربون من يرغب. كنت من أوائل المصريين الذين تلقوا التدريب، وفي عام 2003 أسست أول شركة خاصة بي”.

للحصول على رخصة الطيران، كما أوضح، يتوجب على المتقدم قضاء عام كامل من التدريب النظري والعملي. تمامًا كما هو الحال مع طياري الطائرات. ورغم أن الرحلة تبدو هادئة وخلابة، إلا أن عبود لا يخفي نسبة الخطورة التي تحيط بهذه المهنة، التي وصفها بأنها: “مغامرة مفتوحة في الهواء”، لا أحزمة أمان، ولا سترات نجاة. نحن نحلق حسب الرياح، نقرأ طبقات الجو، ونوجه البالون بالخبرة، وليس بالمقود”.

ما لا تراه العيون

من السماء، بدت الأقصر لوحة مرسومة بإتقان: معابد، ومزارع، وحقول مفتوحة. لكن عبود أشار إلى ما لا تراه العيون، إذ تكمن الخطورة الكبرى في تغير اتجاهات الرياح بشكل مفاجئ. أو هبوب رياح قوية قد تدفع البالون نحو مناطق وعرة أو خطرة. هنا، يظهر دور الطيار الحقيقي، في كيفية البحث عن رياح بديلة، أو اختيار موقع هبوط آمن وسط الطبيعة. مردفا: “كلما زادت ساعات الطيران، زادت الخبرة. نحن نُرقّى حسب عدد ساعات التحليق، وننتقل إلى طرازات أكبر تستوعب عددًا أكبر من الركاب”.

الأقصر.. جنة البالون الطائر

تُعد الأقصر الرابعة عالميًا في نشاط البالون الطائر، وفقًا لعبود، ويعود ذلك إلى عدة أسباب: غياب المنشآت الاستراتيجية أو البحار التي قد تعيق الطيران، هدوء الرياح، وكونها مدينة أثرية ساحرة بطبيعتها. لذا، يتم تنظيم الرحلات فقط بعد الفجر بنصف ساعة، وحتى السابعة والنصف صباحًا، إذ بعد ذلك ترتفع درجات الحرارة وتشتد معها الرياح.

وبينما كنا نستمتع بمشهد بانورامي نادر لوادي الملوك، انطلق صوت من اللاسلكي ينبه الكابتن عبود بقرب انتهاء الوقت المسموح للطيران. بدأ على الفور في المناورة استعدادا للهبوط، لكن الرياح لم تكن في صفه هذه المرة. حاول الهبوط أكثر من مرة دون جدوى، إلا أن الرياح كانت تعانده وتدفع البالون بعيدًا. في لحظة حاسمة، ألقى عبود بحبل طويل إلى فريق “الدعم الأرضي – الكرو”، الذي كان يتتبع مسارنا بسيارات الدفع الرباعي. أمسك الفريق بالحبل، وبدأ بسحب البالون تدريجيًا نحو موقع آمن وملائم للهبوط. ومع كل هبّة ريح، كان عبود يثبت نفسه ببراعة، محافظًا على توازن السلة، وسلامة الركاب.

“استعدوا للهبوط… نفذوا وضع القرفصاء!” صاح عبود بصوت حازم، ومع ارتطامة قوية بالأرض، اهتزت السلة للحظة. ثم استقر البالون بعد ثوان بدت لنا دهرا. خرجنا نضحك ونصفق. واختتم عبود حديثه معنا بابتسامة هادئة: “لو كانت الرياح رفيقتنا دائمًا، لما كانت المغامرة تستحق الحكاية”.

اقرأ أيضا:

أمفورة وشواهد أثرية.. تفاصيل جديدة في واقعة التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.