عرض لكتاب “أعظم استعراض فوق الأرض” تشارلز دوكنز

كتب – مارك أمجد

تكمن مشكلة الكتب العلمية في اصطدامها دوما بجدار الأسس الدينية والفطرية عند الشعوب العربية، فيصبح من النادر العثور على كتاب يناقش مادة علمية بلغة سلسة، دون التكسير في المفاهيم الثابتة عند القارئ النمطي.

ولعل “أعظم استعراض فوق الأرض” هو واحد من تلك الكتب القليلة، إذ يتسم بتناوله أكبر الإشكاليات بأبسط الطرق والحجج، كما أنه لا يطمع في تغيير إيديولوجيا القُراء بقدر ما يريد لفت أنظارهم إلى بعض التفاصيل التي قد تكون غير موجودة في أفقهم، لنقص اطلاعهم المعرفي.

وعلى العكس، فالكتاب الذي بين أيدينا لا يسعى للرد على الاتجاهات الدينية سواء الكاثوليكية أو الإسلامية فيما يخص أطروحات داروين، بقدر ما يسعى لتصحيح بعض النظريات العلمية التي تناقلتها العامة بصيغ  فضفاضة ومُعمّمة، مما انتقص كثيرا من مصداقيتها في بعض الجوانب، وهو لا يضع في المقام الأول أصل الإنسان ومستقبله، وإنما أصل الكون والحياة، وإلى أين نحن ذاهبين جميعا؟

وتأتي أهمية إصدار كتاب توضيحي مثل كتاب “استعراض فوق الأرض” في الآونة الحالية، نظرا لزخم مكتبات القراء بروايات تتمحور حول موضوعات علمية خالصة، وأبرز مثال عليها روايات دان براون كروايته الأخيرة “الأصل” الصادرة بالعربية عن “الدار العربية للعلوم ناشرون” والتي تقترب في موضوعها من كتاب تشارلز دوكنز.

من أجواء كتاب “أعظم استعراض فوق الأرض”

دعنا نتذكر أن علماء التطور هم في مثل وضع محققي الشرطة الذين يأتون متأخرين إلى مشهد الجريمة، حتى نحدد بدقة متى حدثت الأمور، فإننا نعتمد على الآثار التي تتخلف عن عمليات تعتمد على الزمن أو بمعنى عريض على أجهز ساعات للقياس، أحد أول الأشياء التي يؤديها محقق الشرطة عند التحقيق في جريمة هو أن يطلب من أحد الأطباء أو متخصص الباثولوجيا أن يقدر زمن الموت، ويترتب الكثير على هذه المعلومات، ونجد في الروايات البوليسية أن تقديرات متخصص الباثولوجيا يضفي عليها ما يقرب من التوقير الصوفي.

وذكر كتاب “أعظم استعراض فوق الأرض” أيضا، هيا فكر في الأمر أيها الأسقف، كن حذرا أيها الحبر، أنتم هكذا تلعبون بالديناميت، وتعبثون مع أحد وجوه سوء الفهم في انتظار لما سيحدث، بل يستطيع المرء حتى أن يقول إنه سيحدث بما يكاد يكون محتما إن لم تتخذ إجراءات لإحباطه مسبقا.

ألا ترون أنه ينبغي أن تكونوا أكثر حذرا عند الحديث إلى الجمهور، وأن تجعلوا كلمة نعم عندما تقولونها هي نعم حقيقية وكلمة لا هي لا حقيقية؟، ألا ترون أنه ينبغي خشية أن تنالكم أي إدانة، ألا تحيدوا عن الطريق لمجابهة هذه الفكرة الملتبسة الشعبية التي انتشرت بالفعل إلى أقصى حد وأن تبذلوا دعما نشطا حماسيا للعلماء ولمدرسي العلم؟

عن سلسلة الثقافة العلمية

حسب تعريف الهيئة المصرية العامة للكتاب، فإن سلسلة تعني بتبسيط المفاهيم العلمية والتكنولوجية، وأسس نشر مبادئ مجتمعية عامة، بحيث تصبح في متناول عامة الناس من خلال أطروحات الباحثين والعلماء المتخصصين في فروع العلوم المختلفة، استنادا إلى الفكر العلمي الحقيقي والبحث العلمي الجاد، الذي يكشف هذه المعلومات؛ لتكتمل مسيرة المعرفة الناتجة عن إبداع وتميز بعض المختصين في مجالات العلوم كافة، حتى يقف المتلقي العربي على أهم ينابيع المعرفة العلمية ليتسنى له أن يتابع بهذا الوعي العلمي المكتسب أحدث النظريات العلمية وتطبيقاتها، وحتى يكتسب الأسلوب العملي والعلمي في التفكير، ويتعرف على علاقات التفاعل بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع والبيئة، وصولا إلى تأسيس كيان علمي يتغلغل داخل نسيج الثقافة السائدة.

عن المؤلف

تشارلز دوكنز؛ من كبار علماء البيولوجيا والحيوان في إنجلترا، وهو زميل في الجمعية الملكية (للعلوم) وكذلك في الجمعية الملكية للآداب، وقد تلقى الكثير من الجوائز ومظاهر الحفاوة والتكريم في مجالي العلوم والأدب معا.، وشغل دوكنز كرسي الأستاذية لفهم الجماهير للعلم بجامعة أوكسفورد حتى وصوله إلى سن التقاعد 2008، دوكنز من أشد المتحمسين للداروينية وأغلب ما كتبه تناول تراث داروين العلمي وما تلاه من مدارس الداروينية الجديدة.

عن المترجم

حصل على الدكتوراه في الكيمياء الإكلينيكية، جامعة لندن 1969، وعضو لجنتي الثقافة العلمية، والثقافة الطبية بالمجلس الأعلى للثقافة. وعضو اللجنة العلمية بالمركز القومي للترجمة، وترجم ما يزيد عن خمسين كتابا من كتب الثقافة العلمية، ونال العديد من جوائز الترجمة والتكريم من وزارة الثقافة في مصر، ومن معارض الكتب العربية في مصر والكويت ودولة الإمارات.

عن الكتاب

كتاب “استعراض فوق الأرضة” ترجمة للعربية مصطفى إبراهيم فهمي، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة أولى 2015 في 325 صفحة من القطع الكبير، مُزود برسوم توضيحية وبمعاجم للمصطلحات العلمية المُستخدمة.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر