هبة عبدالجواد توثق رحلة البحث عن «آثار مصر المتغربة»

تضررت مصر ثقافيا خلال فترة الاستعمار الإنجليزي، عبر الاستيلاء على عدد كبير من الآثار المصرية القديمة خلال عمليات الاستكشاف والبحث، ليتم عرضها حاليا في متاحف 27 دولة بالعالم، رغم أنها مصرية، هذه الأزمة التي تتضمن عدم وجود معلومات موثقة لتاريخ الآثار بالخارج وعمليات استخراجها، دفعت الباحثة المصرية هبة عبدالجواد لتدشين مشروعها الفريد من نوعه «آثار مصر المتغربة» لنشر تاريخ غربة الآثار المصرية للمصريين والتوعية بها، وخلق فرص للحوار مع المجتمعات المحلية في مصر.

الآثار المهمشة

ينفرد «باب مصر» بمحاورة الباحثة المصرية هبة عبدالجواد عن مشروعها «آثار مصر المتغربة» بتمويل من مجلس بحوث الآداب والعلوم الإنسانية البريطاني بالاشتراك مع الجمعية الإنجليزية لاستكشاف مصر و5 متاحف بالمملكة المتحدة: المتحف الوطني في اسكتلندا، متحف بيتري للآثار المصرية والسودانية، متحف وحدائق هورنيمان بلندن، متحف ليفربول ومتحف مانشستر بالشراكة مع مجموعة من الفنانين المصريين والمدارس المجتمعية والثقافية.

ويهدف إلى إيصال صوت المجتمعات المصرية الحديثة وإظهار قيمتها عبر برنامج من الفعاليات التي تم تصميمها وتنفيذها باللهجة المصرية العامية، والتي تضمنت مصادر تعليمية، وعروض خارجية في الشوارع المصرية، ومشروع سلسلة «الكوميكس»، وتساهم المتاحف والجهات البريطانية عبر فعاليات عن بعد عبر الإنترنت، لإشراك المصريين في المشروع من خلال تقديم صور ومعلومات عن المجموعات الأثرية.

الحياة بين مصر وإنجلترا كانت وسيلة هبة لاستكمال دراساتها العليا والحصول على درجة الدكتوراه من إنجلترا في علم الآثار المصرية، وخلال هذه الفترة بدأت عملها المتحفي في لندن، حيث عملت على أكثر من مشروع متحفي منها «بعض الآثار المصرية بلندن بالتعاون مع السفارة المصرية بلندن ومعرض اسمعوها! تحيا ستات مصر» بالتعاون مع السفارة المصرية في لندن، وكانت المرة الأولى في إنجلترا، التي تعمل فيها مصرية منسقة العرض المتحفي، وخلال هذا المشروع تم عرض قطع أثرية مهمشة من 7 متاحف شمال إنجلترا لعرضها في العاصمة بعد حادث بيع تمثال «سخم كا» من متحف نورث هامبتون، لعرض الآثار المهمشة في العاصمة.

من هنا كانت بداية الرحلة للبحث عن إجابة لهذا السؤال «كيف ولماذا خرجت الآثار المصرية من مصر؟» والذي تزامن مع مشروعها البحثي مع اليس ستيفنسون، أستاذ الآثار المصرية القديمة بجامعة كلية لندن، في عام 2013، في متحف «بيتري للآثار المصرية والسودانية» عن اكتشاف وخروج الآثار المصرية من مصر عن طريق الإنجليز خلال فترة الاستعمار البريطاني، وتمكنت هبة مع اليس ستيفنسون من التقديم على تمويل لاستكمال المشروع عبر إيصال النتائج ومعلومات المشروع للجمهور العام، “أكبر عملية اكتشاف وتوزيع آثار في العالم، حدثت في إنجلترا عبر توزيع آلاف القطع المصرية القديمة في 350 متحف في 26 دولة وصلت لهم آثار مصرية قديمة”.

حملة تعريفية

وتطورت فكرة تنفيذ المشروع عن الممارسات الإنجليزية بشكل يستفيد منه المصريين، في 2018 – 2019، عبر عرض المعلومات التي تم التوصل إليها بطريقة مبسطة تتناسب مع كل الفئات، خاصة مع تداول أخرى خاطئة عن الآثار الموجودة بالخارج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول عبد الجواد: “اجتمعنا للتخطيط للمشروع، محمد ناصر، دينا محمد، فريق العصبة، مؤسسة تواصل الخيرية، ومؤسسة علمني، وساقية الصاوي، وكتابة الخطة لتقديمها إلى مجلس العلوم والآداب البريطانية ومنها مسودة المشروع التي قدمناها بهدف الحصول على المنحة، وفي نهاية عام 2019 كنا من الفائزين”.

شراكة مجتمعية

«آثار مصر المتغربة» تكتفي بتوعية المصريين بتاريخهم وحقهم المسلوب في الآثار المصرية القديمة، ولا تهدف إلى محاولة استردادها “هذا العمل له جهات مختصة”، ويكمن الهدف الرئيس في نشر المعلومات التعليمية للمصريين عن خروج الآثار المصرية من البلاد، وذلك بالتعاون مع خمسة متاحف إنجليزية لتوفير القطع الأثرية، وكذلك من خلال الأرشيف الأثري في الجمعية البريطانية لاستكشاف مصر التي أتاحت الأرشيف بالمجان للمساهمة في مشروع «الكوميكس»، وكل قصة تكون جزءا من الأثر، ويتم كتابتها باللهجة المصرية العامية.

ومن خلال هذا المشروع يتم خلق فرصة للحوار عن مصر القديمة والحديثة في آن واحد، وعلى الرغم من حدة العرض والمواجهة بين المصريين والإنجليز في المشروع إلا أن تفسير الباحثة أن الاتجاه السائد هو الاعتراف بالسيادة الأوروبية السابقة على عدة دول وما تم خلاله من انتهاكات.

إعادة تمصير مصر القديمة يتم عبر سلسلة الكوميكس، وعروض فنية في الشارع، وورش عمل للطلاب في المدارس، وجولات افتراضية لهم في المتاحف الإنجليزية، بالإضافة إلى لعبة تعليمية بالتعاون مع مؤسستي علمني وتواصل، وكانت قد قدمت ورشة عمل في محافظة الشرقية بالتعاون مع هيثم السيد صاحب مشروع «عربية الحواديت»، لإجراء جولات ميدانية للأطفال في القرى المصرية للتعريف بـ«آثار مصر المتغربة».

ولزيادة توثيق المعلومات، تعاونت الباحثة المصرية مع 5 متاحف إنجليزية (المتحف الوطني في اسكتلندا، متحف  بيتري للآثار المصرية والسودانية، متحف وحدائق هورنيمان بلندن، متحف ليفربول ومتحف مانشستر) لإجراء جولات افتراضية بها، عبر إظهار المستنسخ في أيدي الأطفال ومن ثم أمين المتحف يصطحبهم في جولة عبر الفيديو لإظهار القطعة الأصلية، ويكمن دور هبة وهيثم في التعريف بالأثر وتاريخه وطريقة خروجه من مصر لهم عبر قصص شيقة، وتقول الباحثة هبة لـ«باب مصر»: “نسعى لتقديم منتج مصري للأطفال والشباب بطريقة مبسطة، ونتمنى التعاون مع وزارة التربية والتعليم لتبني الفكرة في المدارس وعبر المقررات الرسمية”.

سلسلة الكوميكس

وصول معلومات هامة بطريقة بسيطة، كانت وسيلتها التي نفذتها بالتعاون مع محمد ناصر رسام الكوميكس، عبر تدشين سلسلة الكوميكس «ناصر وهبة وآثارنا المتغربة» والتي تتناول كيف كان ولا زال المصريين معرضون للاضطهاد على أيدي الأجانب.

تدحض السلسلة أيضا مبدأ اتبعه الأجانب للاحتفاظ بالآثار المصرية، وهو أن وجودها في مصر يشكل خطرا عليها أو أننا لا نستحق اقتنائها، “وهذا على عكس الحقيقة.. على سبيل المثال القنبلة التي دمرت 3 آلاف قطعة أثرية مصرية قديمة في متحف ليفربول خلال الحرب العالمية الثانية، والسبب الثاني هي وكأنها ملك لهم ولا يجب حفاظ المصريين على الآثار إلا بدافع السياحة للأجانب فقط”.

«لماذا تُكتب الكوميكس بالعامية رغم عرضها بجوار الآثار في إنجلترا؟» كانت إجابة الباحثة المصرية، أن الكتابة باللغة العامية جزءا من الحفاظ على الهوية، لأن الهدف الأساسي هو تمصير مصر القديمة، وفي حالة كتابتها بلغة أخرى نكون “غربناها”، وتود أن تكون بالمصرية ومنها للعالم، ومن يرغب في فهم المكتوب يسأل عن ترجمة لها، وتستكمل: “نود إظهار مصر الحديثة للغرب، ما زالوا يعتقدون أننا في الصحراء وغير متطورين.. وكذلك يعتبروا أننا لا نستحق التاريخ المصري القديم”.

اقرأ أيضا

كوميكس«آثارنا المتغربة».. توعية بالجرائم في قلب المستعمرات القديمة

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر