نجيب محفوظ في أوراق غير منشورة: ضرورة أحمد بهاء الدين
ارتبط نجيب محفوظ بصداقة عميقة مع أحمد بهاء الدين، كانا فى شلة الحرافيش يلتقيان مساء كل خميس. كان اللقاء الأول بينهما فى نادي القصة عام 1954، قبل هذا اللقاء كان محفوظ يعتقد أن بهاء رجل أكبر سنا، إذ كانت كتاباته أكبر بكثير من عمره. كان بهاء أول من كشف قصة زواج محفوظ التي ظلت سرا لسنوات طويلة، لم يبح به محفوظ لأحد. عندما تولي بهاء رئاسة تحرير الأهرام، اعتذر لمحفوظ عند نشر روايته الحب تحت المطر لأنها تتناول موضوعا عسكريا، ولكنه سعي إلى نشرها في مجلة الشباب التي كان يشرف عليها كمال أبوالمجد. وصف محفوظ الأمر بأن بهاء لم يكن متعسفا، وكنت أدرك مدى دقة وحساسية ما تتناوله الرواية. كتب بهاء مرات عديدة عن محفوظ، نقدا أدبيا رآه محفوظ من أهم ما كتب عن أعماله، وظلت العلاقة بينهما حتى رحيل بهاء.
نجيب محفوظ
في أوراق نجيب محفوظ غير المنشورة عثرنا على هذا المقال، الذي ينشر هنا للمرة الأولى، ولا ندرى ما الذي منع محفوظ من نشره، ولكنه كان فى بداية مرض بهاء.. ربما كان المقال مسودة أولي اشتغل عليها محفوظ فيما بعد، إذ كتب بعد رحيل بهاء مقالا مطولا عنه، أكثر تفصيلا عن علاقتهما ونشر في كتاب: أحمد بهاء الدين: من حملة مشاعل التقدم العربي. وإلى نص مقال محفوظ:
ضرورة بهاء
أحمد بهاء الدين مثال طيب يجب أن يحتذى وقدوة صالحة. أغدقت عليه الطبيعة منذ مولده ذكاء لماحا فعرف كيف يكرم الهبة الثمينة ويوفيها حقها عليه من الرعاية والعناية. درس القانون ثم حدد هدفه ككاتب سياسي رفيع المستوى وبذل في سبيل ذلك ما يبذله الجادون المثابرون المجتهدون من الدراسة العميقة الشاملة ولم ينقطع عن الاطلاع والمتابعة بإصرار واستمرارية وما يتبع ذلك من التعرف إلى الرجال وشهود المؤثرات والمشاركة في الأنشطة المختلفة على المستويين المحلى والعالمي. ولم ينغلق في تخصصه- وهو بطبيعته متسع مترام- فنهل من الثقافة العامة والفنون والآداب حتى سما بذوقه إلى آفاق أهل الخبرة والتخصص. وقد يتهيأ ذلك كله لكثيرين ولكن قلة نادرة من تبلغ الدرجة التي تنسمها بهاء في قوة فكرة وصفاء تأملاته ومتانة عقلانيته ورسوخ موضوعيته بالإضافة إلى نزاهته ووطنيته وشجاعته الأدبية الفائقة.
كان ومازال وسيظل أبدا صوتا للعقل والاستنارة والتقدم، وحليفا للنهضة المصرية والعربية وعلما من أعلام التنوير والمستقبل. وإنه لمن سوء الحظ أن يحمل تلك القيم والمواهب جسم رقيق لم يستطع أن يدفع عن ذاته الأمراض ولا أن يتعايش معها في سلام، ولذلك اضطر من زمن أن يتخفف من بحوثه المسهبة القيمة وأن يعتاض عنها بمتابعة الأحداث والتعليق عليها، ولكنه حتى في مجاله الجديد كان مثالا للذكاء والرأي الثاقب والحكمة السديدة، كما شارك في الكتابات الفنية والنقد الأدبي وأشهد أنه بذوقه وخبرته وحساسيته يتفوق على كثير من المتخصصين ويتميز بالنزاهة والموضوعية وسعة الأفق حتى لتمنيت أحيانا لو كان توجه نحو الفن والأدب قبل السياسة. أما عذوبة أخلاقه وطيب معشره وجميل دعابته فيعرفها من حباهم بمودته وأنسه. نعم المثل الطيب هو في زمن أوشك أن يخلو من أي مثل طيب.
اقرأ أيضا
ملف| أحمد بهاء الدين.. جماليات الكتابة الديمقراطية
قصة اللقاء الأول بين بهاء وروزاليوسف
معارك بهاء: لم يحارب طواحين الهواء
16 تعليقات