عصام راسم وأسطورة تاجر العبيد الذي صار تمساحا

«رقص أفريقي» رواية بديعة للروائي عصام راسم، من حيث النسج الأسطوري المحكم، والحبكة الفنية التي يجدلها بمهارة من الواقع والخيال، والإثارة التي يصنعها وهو يلعب مع زمن الحكاية. بحيث يقطع تسلسله الطبيعي وينتقل من فضاء إلى آخر. من حدث عند بحيرة ناصر إلى حدث في القاهرة أو في أوروبا.

تتمتع الرواية بلغة شاعرية عذبة تتجانس مع العالم الغرائبي الذي تطرحه، والرسائل الرمزية التي يتضمنها. والخاصة بنظرة الغربي المتحضر لإفريقيا بوصفها منجما للمواد الخام ومزرعةً لإنتاج العبيد وقنصهم. وكل ذلك يجعل من الرواية نبعا جاريا لا نشبع من التردد عليه، فلا نكتفي بقراءة الرواية مرة واحدة بل نرجع إليها مرة أخرى.

**

تدور الرواية حول  أبي جنزير، وهو مسخ يشبه التمساح العملاق، يعيش في بحيرة ناصر، ويفتك بمن يتواجد في طريقه بشكل بالغ الوحشية. الأمر الذي يدفع المزارعين والصيادين إلى التعاون من أجل القضاء عليه. وقد نجحوا في إحدى المرات عن طريق الحيلة في قنصه وربطه بالجنازير الحديدية. لكنه في اللحظات الأخيرة تملص منهم ومن بعض الجنازير وفتك بهم. ثم هرب مخلفا وراءه مذبحة صرعت الكثير من الرجال، ومن هنا أطلقوا عليه اسم “أبوجنزير”.

رويدا رويدا تتكشف حكاية المسخ الرهيب، ونعرف أنه رجل أوروبي ملعون، كان يتاجر في العبيد، ونجحت مجموعة من الشباب في إلقاء القبض عليه في وسط أحراش إفريقيا. واقتادوه إلى القبيلة كي يتم قتله، هناك، بين الناس الذين خطف أولادهم، ونزعهم من أوطانهم، وصدَّرهم إلى أوروبا كعبيد. لكن ساحر القبيلة وكاهنها وحكيمها يمنعهم من قتله.

غلاف الرواية
غلاف الرواية

يعرض ساحر القبيلة عقابا أقسى من الموت، وهو تحويل تاجر العبيد إلى مسخ خالد، فيقوم بوضعه في صندوق ويغلقه، ويمارس طقوسا معينة تشتمل على الرقص حول النيران، وعمل التمائم، وتلاوة العزائم السحرية. ثم يطلب الساحر من الشباب الثائر حمْل الصندوق، وإلقائه في مياه الشلال، ليعيش في نهر النيل مسخا محروما من إنسانيته، ومن بلاده ومن محبة الناس لأكثر من قرنين من الزمان.

**

مع فشل الأهالي في قنص المسخ، يقترح “عارف البشاري” الاستعانة بمروان بك، المشهور بمهارته الفائقة في الصيد، والذي رافقه خلال رحلة صيد في الصحراء. ورآه عندما كانت تنتابه حالة وجودية غريبة ما إن يصبح على مشارف الصحراء. حيث يتجرد من ثيابه ومن ملامحه الأرستقراطية المألوفة. ويصبح فظا وخشنا ووحشيا، وماهرا بشكل عجيب في اقتناص فرائسه.

رغم الملحمة التي تدور بين الأهالي وأبي جنزير، وبين مروان بك والمسخ. إلا أن أهمية الرواية وأجوائها المثيرة الشيقة لا تتعلق بذلك الصراع الخارجي وحده، بل تتوغل في أعماق شخصية المسخ، وشخصية مروان بك. وشخصية الشيخ غريب الذي لا يعرف أحد من أين جاء ليسكن بجوار البحيرة مكتفيا من متاع الدنيا بمسكن بدائي من البوص ونخلة ومعزة وحيدة لا يقربها “أبو جنزير” من دون الكائنات الحية.

هكذا نبقى بامتداد الرواية مع عالم فاتن وثري بالدلالات التي تنطلق من نظرة غربية لإفريقيا باعتبارها مزرعة للعبيد. لكنها تحمل أسئلة وجودية وإشارات صوفية تذهب لما هو أبعد وأعمق.

اقرأ أيضا

ناصر النوبي: الجميزة الجديدة والأغنية الصعيدية

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر