دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

من البردي إلى الكاغد: تطور صناعة الورق في مصر عبر العصور

لم يكن الورق في مصر مجرد وسيلة للكتابة، بل كان شاهدا على الحضارات المتتالية. وقد انعقدت مؤخرا بالقاهرة الدورة السابعة عشرة لمعرض PAPERME الدولي لصناعة الورق والكرتون، وهو الحدث الذي أعاد تسليط الضوء على مسيرة ابتكار الورق في مصر التي تمتد آلاف السنين، بدءًا من ضفاف النيل، حيث صنع المصري القديم الورق من نبات البردي. ويستعرض «باب مصر» تاريخ هذه الصناعة العريقة، مرورا بالكاغد المستورد من أوروبا، ومن محابر الكتبة إلى مطابع محمد علي.

صناعة الورق في مصر القديمة

اتسمت مصر بتاريخ طويل في صناعة الورق، يرجع إلى عصور المصريين القدماء، إذ برع المصريون في صناعة الورق من نبات البردي. وبحسب الجزء الثاني من “موسوعة مصر القديمة” للدكتور سليم حسن، كان نبات البردي ينبت في مناقع الدلتا، لكنه اختفى منها الآن، وكان المصري القديم يستخدمه لأغراض شتى.

ويستكمل: “قد ذكره هيرودوت وتيوفرستس وبليني، لكن أهم استعمال له كان في صناعة الورق، الذي جاء على غراره الورق المعروف لنا الآن”. ويبلغ طول نبات البردي من سبعة إلى عشرة أقدام، ويضيف: “هذا عدا الزهرة والجذور، ويبلغ عرض البردية نحو بوصة ونصف، وقطاعها مثلث الشكل، وتحتوي على لحاء رفيع خشن، ولب له أنسجة خلوية، ومن هذا اللب كان يصنع البردي”.

ويستعرض الدكتور سليم مراحل صناعة ورق البردي، قائلا: “وصف لنا بليني كيفية صنع ورق البردي، حيث كان يقطع ساق النبات إلى شرائح رفيعة توضع جنبا إلى جنب على لوح من الخشب، ثم يوضع فوقها عدة قطع أخرى متقاطعة تكون مع الأولى زوايا قائمة”.

واستكمل: “ثم تبلل بماء النيل، وبعد ذلك تضغط وتجفف في الشمس. وأضاف بليني أن ماء النيل، عندما يكون معكرا، يحتوي على مادة لزجة، لكن طريقة بليني هذه تبدو غامضة وخاطئة، إذ لم يذكر أن اللحاء الخارجي كان يزال قبل تقطيع اللب إلى أجزاء صغيرة. ويضيف أن اللحاء كان يستخدم فقط لعمل الحبال، وأن ماء النيل لم يكن يحتوي على مادة لزجة عندما يكون معكرا”.

الورق في عهد الإسكندر الأكبر

تشير أبحاث أخرى إلى أن الاستخدام الشائع للورق جاء بعد زمن الإسكندر الأكبر. وبحسب مجلة “المقتطف”: “من غير المعلوم متى صُنع الورق من البردي أولا، ولكن وُجد منه من أيام الدولة الحادية عشرة في مصر، أي أنه كان يُصنع في القطر المصري قبل منذ أكثر من 4000 سنة”.

وتستكمل المجلة المنشورة عام 1895: “ذكره مؤرخو اليونان، ولكنه لم يشع بينهم إلا بعد زمن الإسكندر الأكبر. فكثر الصادر منه في عهد البطالمة، واشتهرت مدينة الإسكندرية بمعاملها الكبيرة. وظل استعماله شائعا عند الرومان حتى القرن الثاني عشر الميلادي، واستعمله العرب منذ القرن الثامن”.

وتتابع: “عندما شرع بطليموس فيلادلفس في إنشاء مكتبة الإسكندرية، أمر بنسخ الكتب كلها على الورق المصنوع من البردي، ثم أخذ يوجينس ملك برغامُس في إنشاء مكتبة تفوق مكتبة الإسكندرية، فمنع بطليموس إصدار ورق البردي من القطر المصري إحباطا لمساعي ملك برغامُس. أتقن الرومان صنع الورق من البردي حتى فاقوا به المصريين وفننوا في إنتاجه، وكانوا يصنعون ثمانية أنواع منه، وظلت صناعته رائجة في الإسكندرية حتى القرن الخامس الميلادي”.

طريقة صناعة الورق قديما

كان الورق يصنع من البردي على هذه الصورة: “تشق القضبان إلى سيور رقيقة يوضع بعضها بجانب بعض طوليا وعرضيا، أي تؤلف الورقة من طبقتين من هذه السيور. وتُقطع الأخرى في اتجاه سيورها وتضغط الطبقتان حتى تصيرا طبقة واحدة، ثم تصقل بقطعة من العاج أو بصدفة ثقيلة. وورق البردي أبيض، لكنه يصفر أو يسمر مع الزمان كما يظهر في الدروج المعروضة في دار التحف المصرية وفي غيرها من مكتبات أوروبا”.

ووفقا لمجلة “المقتطف”: “مما يحسن سوقه في هذا المقام أن علماء الآثار اكتشفوا حديثا العديد من الدروج القديمة في مدافن مصر. بعضها يعود إلى أيام المصريين القدماء وبعضها من أيام الرومان. ومن هذه الدروج أربعة كُتبت في أواخر القرن الأول الميلادي. وعليها كتابات أرسطو في “دستور مدينة أثينا”، وقد كان من الكتب المفقودة”.

وفي أواسط القرن الثامن الميلادي، أدخلت صناعة ورق القطن من الصين إلى سمرقند، وامتدت منها إلى بلاد فارس. ثم أنشئت معامل الورق في بغداد سنة 795 ميلاديا. بعدها، انتشرت صناعة الورق في الشام ومصر وشمالي إفريقيا، ومن ثم انتقلت إلى أوروبا، حيث ارتقت بارتقاء العلوم والفنون.

ازدهار صناعة الورق

تنوعت أساليب الكتابة على الورق قديما، وبحسب كتاب “تاريخ ما قبل التاريخ” لعبدالله حسين، فإن أدوات الكتابة تنوعت بين الأحجار، الجلود، الأخشاب، الفخار، الخزف، ورق البردي والكاغد. ونوع من الورق الشبيه بالورق الحديث للكتابة عليها. ويتابع الكتاب: “استخدمت أقلام حجرية وعواد من القصب للكتابة بها، واستخدم النقش والحفر ومداد مسحوق لخشب المحروق لإيضاح المكتوب”.

وشملت أدوات الكتابة الرق أو الجلد، والأقمشة خاصة النسيج المصري المسمى “القباطي”، وعليه كُتبت المُعلقات السبع، وعُلقت على أستار الكعبة، وألواح العظام وقطع الخشب والخزف والفخار.

وشهدت مصر في القرن التاسع ازدهار صناعة الورق. وبحسب كتاب “ملوك ورؤساء صنعوا تاريخا.. أوراق مبعثرة” لأمير عكاشة: “ازدهرت الصناعة في عهد أحمد بن طولون، وخاصة صناعة النسيج التي كانت أهم الصناعات في عهده، وتقدمت صناعة الورق والصابون والسكر وصناعة الأسلحة”. ويستكمل الكتاب: “نشطت التجارة في مصر والشام، نظرا لموقعهما المتميز في طرق التجارة العالمية”.

استيراد الورق في القرن السابع عشر

في القرن السابع عشر، وثقت المؤرخة المصرية د. نيللي حنا صناعة الورق واستيراده في تلك الفترة خلال الحكم العثماني. وبحسب كتابها “ثقافة الطبقة الوسطى في مصر العثمانية (ق16م–ق18م)”: “تُبين دراسة حديثة لناصر عثمان عن الورق والوراقين في القاهرة، اعتمدت على سجلات المحاكم الشرعية في القرن السابع عشر، أن أنواع الورق المتاحة بالسوق حينها بلغت نحو ستة عشر نوعا. حدد بعضها وفق الجهة التي ورد منها، مثل الورق البندقي، أو الجنوي، أو الرومي، أو البلدي”.

وتتابع د.نيللي أنه تم تحديد مواصفات أخرى للورق مثل: ورق اللف، وورق اللف البلدي، وورق “رومي أبو إبريق”. مما يعني أنها كانت متاحة في السوق. وتستكمل أن مصر كانت تستورد الورق من أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر. حيث جاءت واردات الورق من المدن الايطالية مثل البندقية وجنوا، ثم من فرنسا. مما جعلها تستفيد من الانخفاض النسبي في تكلفة إنتاج الورق المنتج في أوروبا.

وعلى حد وصفها، فإن رخص أسعار الورق الذي ترتب على اختراع الطباعة هناك والتوسع في الطلب على الكتب جعل أسعار الورق في مصر في ذلك الوقت أرخص مما كانت عليه في القرن الخامس عشر. نتيجة تطور أساليب إنتاج الورق في إيطاليا وهولندا والتوسع في إنتاجه. وقد عرف الورق الرخيص الثمن طريقه إلى السوق المصرية.

وأشارت في الكتاب إلى أن البحوث التي أجريت حول امتداد صناعة الورق في مصر بعد القرن الخامس عشر قليلة، فبعض وثائق “الجنيزا” التي تعود إلى القرن السادس عشر كتبت على أوراق محلية الصنع، لكن غالبيتها كتبت على ورق منتج في أوروبا.

وتضيف د. نيللي: “الشواهد أشارت إلى وجود الإنتاج المحلي للورق من خلال الدعاوي التي رفعها أفراد أمام المحاكم. فتشير الوثائق إلى أن طائفة صقالين الورق كانت موجودة بالقرنين السابع عشر والثامن عشر. وكان من بين أعضائها من تخصص في صقل “الورق الرومي” الذي قد يكون مستوردا من البلاد العثمانية. وتتضمن قائمة طوائف الحرف في عام 1801 التي أعدها أندريه ريمون وجود طائفة صقالين الورق”.

تطور الورق للمطبوعات في القرن التاسع عشر

وصولا للقرن التاسع عشر، ظهر اهتمام مصر بالمطبوعات، وبحسب كتاب “بناة مصر الحديثة” لسامي الزقم. فإن الباشا كان يهتم بالصحافة العسكرية والمطبوعات، فأنشأ المطبعة الأميرية أو “مطبعة صاحب السعادة” في عام 1819. وكانت تقوم بطبع ما يحتاج إليه الجيش من الكتب اللازمة للتعليم ونشر ما ينبغي نشره من القوانين والتعليمات العسكرية. وبجانب مطبعة بولاق، كانت للجيش مطابع خاصة، أهمها مطبعة المدفعية في طرة ومطبعة القلعة الخاصة بجرنال الخديوي.

وتطلبت الطباعة وجود الورق، ومن أجل المطبعة الأميرية، حاولوا صناعة الورق على ضفاف النيل كما كان أيام الفراعنة، واستطاعوا أن يجعلوا هذه الصناعة وطنية فيما بعد. وكان المصنع المعروف باسم “الكاغدخانة” ينتج بعض أصناف الورق، وكانت مصر تصدر منه إلى المغرب واليمن والحجاز. وتم إصدار “الوقائع المصرية” في عام 1829 وكانت توزع على ضباط الجيش.

وتحدث د. فلاديمير سافريونوف عن الأدب العربي في هذا العصر قائلا: “شهد القرن التاسع عشر إعادة بناء المنظومة الأدبية والفكرية التقليدية. كما شهد تكوين الثقافة الجديدة والحديثة، وما خلقته هذه الفترة من أدباء بارزين ولامعين لهم من المكانة والأهمية ما كان لشعراء العرب في القرون الوسطى. وربما كانت لآثارهم أهمية بالغة من وجهة نظر النقد الأدبي ونظرية الثقافة العالمية”.

اقرأ أيضا:

ورق “البردي” سر الصنعة ورمز الحياة المصرية

من اللوفر إلى المتحف المصري الكبير GEM.. تقنيات الواقع الافتراضي تُعيد إحياء التاريخ

الصحافة العالمية تحتفي بالمتحف المصري الكبير: الحدث الثقافي الأبرز في العقد الجاري

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.