“الفحلة” و”شر الطريق” و”توحة”.. نساء فتوات قهرن الرجال

أواخر عهد المماليك، كثرت الضرائب والإتاوات المفروضة على الشعب، وكان عمال الوالي يخرجون كل يوم لجمعها من قوت “الغلابة”، الأمر الذي مهد لما يعرف بـ”ثورة الحرافيش”، وأعقب ذلك ظهور الفتوات. لكن ما لا يعرفه الناس أن بعض السيدات اشتغلن بمهنة الفتوات وأصبحن يطلق عليهن “الفحلة” و”شر الطريق” و”توحة”.

يروي الجبرتي في تاريخه أن عمال البرديسي خرجوا ذات يوم كعادتهم لجمع الإتاوات، وعندما بلغوا درب مصطفى قرب باب الشعرية، خرج نساء الحي وانهلن عليهم بالعصي والمكانس، ووسرن في مظاهرة حاشدة هتفن فيها “إيش تاخد من تفليسي يا برديسي”.

الفحلة من نساء الفتوات

يتجمع رجال الحسينية وقد دبت الحماسة في قلوبهم، ويذهبوا إلى بيت القاضي، ويطلبوا منه أن يمنع البرديسي من جمع إتاوات جديدة من الشعب، ويمتثل البرديس للأمر ويكف رجاله عن الشعب.
وفي موضع آخر يسرد الجبرتي أن الفرنسيين عندما دخلوا مصر، وفر المماليك، لم يتصد لقوات الحملة إلا الفتوات بـ”النبابيت” والعصي، حتى أن نابليون ضاف بهم ذرعًا، وسماهم “الحشاشين البطالين”، وحذر الناس منهم.
الصحفي صديق عبد الفتاح يسجل في كتابه “الفتوات وتاريخ معاركهم الدامية” أسماء كثيرة من الفتوات في القاهرة والإسكندرية، أمثال حميدو وإبراهيم كروم والقرد  وغيرهم من أصحاب الصيت.
ويقف مع الفتوات كتفا بكتف نساء فتوات أمثال زكية المفترية وعزيزة الفحلة وسكسكة والمعلمة توحة وأم حسن، وهؤلاء النسوة بحسب ما يورد عبد الفتاح ضربن أروع الأمثلة في الانتصار للمظلوم ضد الظالم واستحقت كل واحدة منهن عن جدارة لقب “فتواية”.

أصل كلمة الفحلة

“مظلومة يا افندينا”.. بهذه العبارة اعترضت  عزيزة الفحلة، فتواية المغربلين، موكب الخديوي عباس.. وذلك بعد أن تعرضت للظلم على يد المأمور. وشكت للحكمدار والمحافظ  فلم يفعلا شيئا.. ليأمر الخديوي عباس بحل مشكلتها حتى  لا تتعرض موكبه مرة أخرى.

الفحلة كانت من أوائل النساء اللواتي مارسن الفتونة في القرن الماضي.. ومهدت الطريق لعشرات من النساء الفتوات اللاتي زاحمن الرجال.. وأحيانا تفوقن عليهم في الضرب بالنبوت.

“يا رب اهلك سكسكة في يوم حرب مهلكة”

في بدايات القرن الماضي ولدت جليلة في منطقة الجيزة القبلية.. وما إن شبت حتى ظهرت عليها علامات الفتونة لتصبح “فتواية” الجيزة.. وقيل عنها إنها كانت تضرب أتخن جدع إذا أساء الأدب.

وفي أحد المرات يمر عباس، قبل أن يصبح فتوة، بحي الجيزة.. ليجد مشاجرة عظيمة بالشوم تتوسطها فتاة مفتولة العضلات.. يعجب بها ويسأل عن منزلها ويذهب لخطبتها من أخيها قرني.. وتوافق جليلة لكن بشرط أن يكون مهرها خناقة.

وتصطحب عباس إلى أحد المشاجرات وتطلب منه أن يفض تلك المشاجرة.. ولما نجح عباس توافق على الزواج منه ليجتمع الاثنان على حب الفتونة.

سكسكة

ولاسم سكسكة قصة طريفة ترجع إلى عام 50 حين ناصرت جليلة ابن منطقتها ضد مرشح الوفد في انتخابات البرلمان.. وكانت تطوف الشوارع بعربة كارو مرتدية ملابس الرجال وتدعو له.

ولما ضاق  المرشح الآخر بها ذرعا قام بعمل دعاية مضادة وأطلق عليها اسم سكسكة تسفيها لها.. وكان يدعو عليها أنصاره “يا رب اهلك سكسكة في يوم حرب مهلكة”. وتنتهي رحلة سكسكة في عالم الفتونة في عام 57 بسبب مشاجرة حدثت بين أبنائها وأخوتها.. إذ راح ضحيتها احد إخوتها، ليحبس الأبناء وتعتزل هي الفتونة وتجلس في مقهاها الذي افتتحته في سوق الأحد وسمته “الشيشة”.

المعلمة توحة

اشتهرت بشراستها واستخدامها السكاكين في المشاجرات، اسمها الحقيقي  فاطمة محمد سالم من مواليد 1928 ببلدة كفر براش  بمركز بلبيس، تجد نفسها بين ليلية وضحاها ابنة لعجوز ضرير تسحبه معها وتتسول.
أما والدتها فقد هجرت الأسرة وتاهت في الزحام، وتتزوج الفتاة الصعيرة من عجوز لتذوق مرارة الجوع والضرب تارة على يد زوجها وتارة أخرى على يد ضرتها حتى طلقت، وتبتسم لها الحياة عندما تلتقي كمال سائق التاكسي وتحبه ويتزوجا.
لكن سرعان ما يفشل الزواج وينتهي بالطلاق ليزداد حقدها عل الرجال وتقرر الاعتماد على نفسها، وتلتحق بالعمل بمصنع للغزل براتب يومي 11 قرشا، وفي تلك الأثناء تتعرف على عبد الستار والذي علمها أصول الفتونة وكيفية الدفاع عن نفسها وفعلا تنجح توحة في أول اختبار لها حين تعرض لها زوجها السابق كمال لتذيقه علقة ساخنة تركت أثارها في جسده.

توحة

تتزوج توحة من عبد الستنار، ثم عملت كومبارس في السنما وعندما سمعت عن تمثيلية توحة الإذاعية لاحظت تشابها بين شخصية البطلة وشخصيتها فأطلقت على نفسها توحة، وفي عام1951 يتلقى ضابط قسم المطرية بلاغا من الأهالي يقول “ألحقونا المعلمة توحة ذبحت 5 وقفلت الدكاكين في شارع  الشهانية”.
قبض على توحة ودم ضحاياها يقطر من يديها، فقد تشاجرت مع بعض أهالي المنطقة بسبب زوجها، حيث تعرضوا له وأرادوا ضربه فلم تطق ذلك وحملت السكين والمبرد وراحت تطعن تارة بالسكين وتارة بالمبرد وأحيانا بالروسية والتي كانت بارعة فيها، لتحدث عاهات مستديمة في 5 رجال و3 سيدات وتغلق الشارع، وتنتهي أسطورة توحة في الفتونة بسجنها عدة مرات في قضايا ضرب.

زكية المفترية

في سوق الخضار بمنطقة المناصرة عام 1915 عرفت زكية المفترية.. وببشرتها السمراء وجسدها القوي كانت سليطة اللسان مرهوبة الجانب فرضت نفسها كفتواية للمنطقة.. وراحت تفرض الإتاوات على أصحاب المهن والويل لكل من لا يمتثل في دفع المعلوم.
تجلس كل صباح في المقهى وعلى الجميع من رواد المقهى أن يؤدوا لها التحية، ويكون مصير من يتجاهل وجودها أو يحدث حلبة بالمقهى علقة ساخنة على يديها.

ربنا يكفيك “شر الطريق”

ومن الأسماء التي ذكرها سيد عبد الفتاح في كتابه الفتواية شر الطريق، والتي كانت سببا في إطلاق  المثل الشائع ربنا يكفيك شر الطريق، والتي اشتهرت في منطقة الجيارة بمصر القديمة واسمها الحقيقي كيداهم ومعها أيضا نفتلين بلية ومهبولة الشوارع، منهن من  تحول إلى الإجرام والبلطجة وقضوا حياتهن في السجون ومنهن من تاب  مثل أم حسن المعروفة بأم جاموسة، والتي اعتزلت الفتونة في الخمسينيات وتحولت إلى بيع الكرشة ولحمة الرأس بحي السيدة زينب.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر