أطفال “فن وحياة” يلوّنون ظروفهم القاسية بـ”المسرح”

“عندما يخرج الفن من رحم المعاناة”، تلك الجملة القصيرة هي عنوان يتناسب إطلاقه على نحو 30 طفلًا، تعرضوا لأخطار كبيرة، بسبب ظروفهم الاجتماعية القاسية، التي فرضت عليهم أن يعيشوا على أرصفة الميادين، وعندما جاء هم العون أصبحوا نموذجًا للفن الحي.

وسط أضواء زاهية وموسيقي تصويرية هادئة، وكراس متراصة جنبًا إلى جنب، وخشبة مسرح كبيرة، ممتلئة بالأطفال، الذين يرتدون زيًا موحدا، ويستقبلون جماهيرهم بضحكات بريئة، تنطلق مبادرة “فن وحياة” للأطفال المعرضين للخطر، التي تقام  في مركز الجيزويت الثقافي بالإسكندرية.

ثلاثة عروض قدمهم أطفال المبادرة هم نتاج عدة ورش عمل، هم الفيل النونو الغلباوي، وأحلام فوق الـ18، وهما عبارة عن عروض مسرحية، أما العرض الثالث فكان عبارة عن موسيقى ناتجة عن ورشة الإيقاع.

 الفيل النونو الغلباوي

عرض الفيل النونو الغلباوي على مسرح العرائس، و هو من أشعار الراحل صلاح جاهين، وموسيقي وألحان محمد شحاتة، وتسجيل صوتي وتحريك من بطولة أطفال فن وحياة، وتصنيع عرائس وإخراج شادي عاطف أبو شهية.

يأتي المشهد الأول .. يظهر من الظلام بلبل اللبلابة، الذي يقوم بدروه “الطفل محمد” أحد أبطال العرض .. ينطق البلبل: حكايات ياما وياما حكاوي أكثر من مناديل الحاوي.. بس النهاردة ح نقدم الفيل النونو الغلباوي إللى بيسأل صبحه وليله والأسئلة دي هوايته وميله.. خدوا بالكو.. البلبل : أهو قاعد أهو.

يرد عليه الطفل “محمود” الذي يقوم بدور الفيل ويقول: ليه؟ مين؟ فين؟ إمتى؟ عشان إيه؟ وازاى؟ وده إيه ده؟ وده إيه؟ البلبل :ده الفيل إللي بنحكي عليه في الأسئلة شادد قوي حيله.

“كنت حاسس أنى طاير في السما ومبسوط قوي مع أصحابي في المبادرة، حسيت أنى أول مرة أكون مبسوط وسعيد من قلبي”، تلك الكلمات البسيطة عبر بها الطفل سيف أحمد، أحد المشاركين في العرض.

يقول سيف إن المشرفين على المبادرة قاموا بتدريبنا علي كل شيء، وعلمونا كيف نحفظ الأغاني والأداء الحركي، بالإضافة إلى أننا نخرج أحاسيسنا ومشاعرنا في العرض الإيقاعي على خشبة المسرح.

ويلتقط منه أطراف الحديث الطفل عبدالغني علي، أحد المشاركين في العروض، يقول إن الحياة تغيرت منذ أن جمعتهم المبادرة وعلمتهم أشياء تستحق الحياة، بعد أن كانوا “ضائعين” في الشوارع والأرصفة دون هدف أو عمل يعيشون به ولأجله، على حد تعبيره.

ورشة الايقاع

حركات ايقاعية مبهرة، عبارة عن رقصات متناغمة يتمايل معها الأطفال، ممسكين بأنواع مختلفة من الآلات الإيقاعية، ليخرج العرض بشكل مبهر يجعل الحاضرين يصفقون بشدة.

مؤمن زكريا، قائد ومصمم ورشة الإيقاع، يقول إن هؤلاء الأطفال الذين كانوا عرضة للخطر بسبب ظروفهم غير المستقرة، تحولوا إلى نموذج فنى رائع، بل من الممكن أن يتحولوا إلى فنانين في المستقبل، واصفًا إياهم أنهم أذكياء جدا ولديهم قدرة استيعابية مرتفعة، وموهبة فطرية لا توجد عند غيرهم.

يتابع زكريا أن المبادرة هدفها تغيير منظور المجتمع لأطفال الشوارع، بل تجعلهم يشتركون في الحياة الاجتماعية بعد أن كانوا يتعرضون للتهميش بشكل كبير عن قصد أو لا، مضيفًا “حاولنا استغلال طاقتهم المكبوتة على خشبة المسرح، لترك العنان لخيالهم الحالم بمستقبل أفضل مما عاشوه”.

أحلام فوق الـ18

أما عرض فوق الـ18، فهو عرض مختلف من تأليف مبادرة أطفال فن وحياة وديكور العرض من تصميم هنادي عبدالمنعم وإخراج رأفت بيومي، الذي عبر عن أحلام هؤلاء الأطفال المهمشين من خلال تجسيد كل منهم لدور يعبر عن ما مر به في حياته من الالام و أوجاع.

وتقول هنادي عبدالمنعم، مصممة العرض، أحد أعضاء المبادرة، إن هؤلاء الأطفال لديهم حس فني عال، جعلهم يجسدون كل آلالامهم وأوجاعهم ويخرجونها في النص الفني، موضحًا أن مهام المبادرة هو أن تجعل هؤلاء الاطفال أسوياء يتجاوبون مع المجتمع.

قصة نجاح

كارولين كمال، منسق مبادرة فن وحياة للأطفال المعرضين للخطر، تقول عشنا قصة نجاح مع هؤلاء الأطفال الصغار، لأننا منذ البداية كان هدفنا تغيير النظرة لهؤلاء الأطفال الأبرياء، بعد أن تسببت ظروفهم القاسية في تحويلهم لمهمشين.

وتضيف: هذا العام عملنا مع نحو ٦٥ طفلًا كان هدفنا البحث بداخلهم عن المواهب المدفونة ونكتشفها معهموقد وجدنا كثيرين منهم متميزين في العمل المسرحي، بل وآخرون في الشغل اليدوي، وغيرهم في العمل والتمثيل بالإيقاع.

وتوضح كمال لكي تخرج تلك العروض بهذا الشكل لابد من وجود موهبة، لأن الموهبة هى التي تستوعب الموسيقى التي يقومون بالعمل عليها لذلك فأننا بحثنا داخل هولاء الاطفال و أخرجنا مواهبهم التي ظهرت بشكل ناجح ظهر في احتفاء الجماهير بهم، مؤكدة أنها سعيدة بتعبهم مع الاطفال الذين استجابوا لكل التعليم والتدريب بشكل مبهر.

 الطب النفسي

الدكتورة منال عمر، استشاري الطب النفسي، شاركت كضيفة شرف لحفل أطفال المبادرة، من خلال كلمة ألقتها على خشبة المسرح، تحت عنوان “تأثير الفن مهم في تعديل السلوك”، مشيدة بالمبادرة التي خلقت من الأطفال مبدعين وفنانين صغار وغيرت مفاهيم كثيرة لديهم.

وتضيف عمر أن The art therapy العلاج بالفن، له أهداف نبيلة، إذ يساعد على حل الصراعات والمشكلات وتطوير المهارات الشخصية، وإدارة السلوك وزيادة الثقة بالنفس والوعي الذاتي وأنه احتياج أساسي يبدأ مع بداية النمو الإنساني ، معبرة عن سعادتها بالمجهود المبذول، الذي ظهر في العروض الثلاثة.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر