حتشيبسوت وسينموت.. “إشاعة حب” اخترعتها السياسة

مر التاريخ الفرعوني على قصص حب الملوك والأمراء، مرور الكرام دون التطرق إلى تفاصيل العلاقات طبقا للتقاليد الملكية التي كانت تنظر إلى شخوص العائلة المالكة بشيء من التقديس، بحسب سليم حسن في كتابه “موسوعة مصر القديمة”.

ويوضح حسن أن هذا أعطى انطباعا لعلماء الآثار استمر حتى أوائل القرن العشرين، أن الحضارة المصرية كانت جامدة تخلو من المشاعر والأحاسيس لأنها تخجل من الإفصاح عن قصص الحب وتخليدها، لافتًا إلى أن هذا الانطباع اختفى في مطلع القرن الماضي بعد أن تأكد للباحثين من خلال إعادة قراءة التاريخ أن الحضارة المصرية القديمة  احتفت بقصص الحب على المستوى الشعبي من خلال قطع الأدب المصري القديم التي تصنف على أنها من الشعر الغزلي، وعلى المستوى الملكي من خلال التصاوير والنقوش في المعابد والمقابر والتي صورت مدى القرب بين الحبيبين الملكيين، مثل مناظر إخناتون مع نفرتاري وأمنحتب مع تي.
حسن يشير إلى أن الغموض الذي شاب العلاقات الخاصة بين أفراد العائلة الملكية سمح في بعض الأحيان بفتح باب التكهنات والتأويلات، خاصة إذا ما ارتبط شخص من العائلة المالكة بأحد أفراد الشعب، موضحًا أن ملابسات العلاقة التي جمعت بين الملكة حتسببسوت  ومهندسها سينموت، جعلت الكثيرين من علماء الآثار يعتقون أن علاقة حب سرية جمعت بين الملكة والمهندس، وربما كانت النهاية المأساوية لكليهما نتاج تداخل السياسة مع الحب.

إشاعة حب
ويرى الدكتور وائل سليمان، مدرس التاريخ القديم، أنه من الصعب التدليل على وجود علاقة حب بين حتشبسوت وسينموت، وأن الأمر لا يعدو كونه مجرد إشاعة، لافتا إلى أن معظم الآراء التي تشير إلى تلك النظرية قامت على أساس الوضع المتميز الذي حازه سنيموت في معبد الدير البحري وتواجده بشكل بارز في معظم الصور وأحيانا بصحبة حتشببسوت، بالإضافة إلى قرب مقبرته من مقبرة حتشبسوت، ووجود نفق يربط بين المقبرتين، وأخيرا العثور على صورة لوضع حميم ينسب لحتشبسوت وسنيموت.

ويوضح سليمان، أنه يمكن تفسير ذلك بأن سنيموت حظي بمكانة روحية ونفسية لدى حتشيبسوت لكونه المربي الخاص لابنتها نفرو رع، وكونه صاحب المعبد الفريد بالدير البحري، كما أنه بالنظر إلى شخصية حتشبسوت والتي حكمت البلاد كفرعون لأكثر من 10 سنوات، والمعروفة بصلابتها وقوة شخصيتها لا يتوافق مع احتمال أن تقع في غرام أحد موظفيها.

الطريق إلى القمة
الدكتورة فوزية أسعد، تشير في كتابها (حتسببسوت  المرأة الفرعون) إلى أن حتشبسوت عرفت سنموت في أيام والدها تحتمس الأول (1503–1493 ق.م)، طبقا للنقش الذي وجد في مقبرة سنيموت التذكارية، الذس ظهر على أحد جدرانها وهو يكرم حتشبسوت باعتبارها الابنة البكر للملك تحتمس الأول والوريث الشرعي لحكم البلاد، كما يشير النقش إلى تمتع سيمنوت بمزايا وظيفية كبيرة في ذلك الوقت حيث أشار إليه النص باعتباره سميرا ورفيقا وحاجبا للملك، بالإضافة إلى إشرافه على خزائن الوجه البحري.

وتضيف أسعد، أن سنيموت كان ابنا لأبوين من عامة الشعب من أرمنت، وبدأ حياته في سلك الجندية وتعلم الكتابة والقراءة وتدرج في المناصب الحكومية حتى وصل إلى بلاط الفرعون تحتمس الأول وخلفاؤه تحتمس الثاني وحتشبسوت، وفي الوقت نفسه كانت حتشبسوت الابنة الشرعية  الوحيدة والوريثة الشرعية للحكم، وكانت تعد نفسها لذلك، لكنها أصدمت بالتقاليد والتي تمنع الملكات من الحكم، وتقصره على الملوك الذكور، لذا كان لازما عليها أن تتزوج من أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني وتكتفي بلقب الملكة الزوجة.

وتتابع: “أنها ظلت تحلم بالحكم وسنحت لها الفرصة بعد موت زوجها تحتمس الثاني الذي لم تنجب منه سوى الأميرة نفرو –رع، ولكنها حرمت من العرش بوصية والدها والذي أوصى بالحكم لابنه غير الشرعي تحتمس الثالث، الذي كان صبيا صغيرا لا يتجاوز عمره العشر سنوات، وطبقا للتقاليد يتزوج تحتمس من أخته غير الشقيقة نفرو رع ليكتسب شرعية الحكم وتصبح حتشبسوت وصية على تحتمس حتى يبلغ الحلم، وتفصح حتشبسوت عن نيتها سريعا فتطيح بتحتمس وترسله إلى معبد الكرنك ليصبح كاهنا وتعلن نفسها ملكا لمصر العليا والسفلى تحت اسم الملك ماعت كا رع (1479–1458 ق.م )، وتضع الذقن الملكية المستعارة”، مضيفة أن مع صعودها الاستثنائي تصعد معها سنيموت والذي يضاف إلى مناصبه السابقة منصب المربي الخاص للأميرة نفرو رع، وكبير الموظفين المشرفين على القصر الملكي.

الحب والسياسة
ويلمح رمضان بسيوني، المرشد السياحي إلى أنه من قراءة تاريخ العلاقة بين حتشبسوت وسينموت، يمكن القول أن علاقة الحب جمعت بينهما قبل زواج حتشبسوت بتحتمس الثاني، وربما أجبرت حتشبسوت على الزواج من تحتمس لحماية عرش مصر من الزوال، مضيفًا أن التمثال الفريد والذي تخرج فيه الأميرة نفرو رع من جسد سنموت مع ملاحظة تطابق ملامح الأميرة مع  ملامحه، ما يجعل الظن أنه من المحتمل أن الأميرة كانت ابنة غير شرعية لسنيموت، وربما يفسر ذلك اقتران زمن وفاتهما حيث توفيت الأميرة في العام الثامن عشر لحكم حتشبسوت ولحقها سينموت في العام التالي.

ويعتقد المرشد السياحي، أن افتضاح الأمر من قبل عامة الشعب مع التهاب الوضع السياسي داخليا بسبب تحدي حتشبسوت للتقاليد الملكية مع إبعادها لتحتمس، ربما يجعل الاعتقاد الغالب أن حتشبسوت ربما تخلصت من الاثنين لمنع الفضيحة، للحفاظ على عرشها من السقوط.

ويرى محمد حسن، أثري، أن الأقرب إلى الصحة هو أن تحتمس الثالث كان ينظر إلى حتشبسوت وسنيموت وأعوانهما بأنهم عصابة اغتصبت عرشه، وكان يتحين الفرصة للانقضاض عليهما، وأنه بعد وفاة زوجته نفرو رع وحالة الحزن التي أصابت الحبيبين، تخلص أولا من سنيموت وبعدها من حتشبسوت نفسها، وهو ما يؤكده حالة التهشيم والطمس التي تعرضت لها مناظرهما في معبد الدير البحري.

علاقة روحية

بينما يرى أحمد سكوري، مرشد سياحي، أن تفاصيل العلاقة يمكن قراءتها بشكل مختلف قائم على تقديس كل منهما للفن، وهو الذي أفرز المعبد الرائع بالدير البحري، موضحا أن تاريخ العلاقة بينهما يوحي بمدى الاقتراب بينهما، خاصة بعد وفاة تحتمس الثاني واحتياج حتشبسوت لمساندة سنيموت، بالإضافة إلى كونه المربي والمعلم للأميرة نفرو رع، وهو ما يفسر تمتع سنيموت بمكانة خاصة بالنسبة للملكة جعلته يتجرأ ويقرن اسمه باسمها في المعبد، كما جعلته وعلى غير العادة يضع صورته في المعبد في أماكن بارزة لتنهال عاصفة الأقاويل بوجود علاقة غرام بين الملكة والمهندس.

ويستكمل، أن علاقة حتشبسوت وسنيموت كانت أقرب إلى العلاقة الروحية القائمة على الاحترام والإعجاب المتبادل، ولكن السياسة تدخلت لتشويه العلاقة وتحويلها إلى مسخ مجهول الهوية، مضيفًا: فلا نعرف حقيقة هل أفسدت السياسة الحب؟ أم  أن الحب إشاعة اخترعتها السياسة؟

اقرأ أيضا:

“حتشبسوت وسنموت”.. هل وقعت الملكة في حب مهندسها؟
عندما بكت حتشيبسوت.. قصة لـ/ خالد تقي

هوامش :

سليم حسن – موسوعة مصر القديمة الجزء 4 (PDF) – من ص 320 إلى ص 250
حتشيبسوت المرأة الفرعون (PDF) – فوزية Hسعد – الهيئة العامة للكتاب 2003

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر