دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«مقهى القللي».. محطة ثقافية تجمع أدباء ومثقفي الفيوم

باتت «قهوة القللي» التي تقع على بعد خطوات من قصر ثقافة الفيوم المغلق منذ ما يقرب من خمس سنوات بدعوى التجديد، ملاذا لمثقفي وأدباء المحافظة. وأمام هذا الواقع تضطر هيئة قصور الثقافة إلى تنظيم بعض الأنشطة الثقافية في المقهى، مثل ليالي رمضان والعديد من الندوات.

مقهى القللي مقصد الأدباء والمثقفين

يشبه «مقهى القللي» مقاهي الحرافيش في روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ. إذ يجتمع فيه خليط متنوع من بسطاء وكادحين وعاطلين ودراويش وطلبة وأدباء ومثقفين. لكل منهم عالمه الخاص.

وقد أسهم هذا المقهى التراثي في الحفاظ على هوية مثقفي الفيوم الأدبية والفكرية لعقود طويلة. وشهدت طاولاته العتيقة عشرات الأمسيات الأدبية والشعرية. خاصة بعد إغلاق قصر الثقافة الذي كان النافذة الرسمية للمشهد الثقافي بالمدينة.

القللي البيت الكبير للأدباء

يقول أحمد الفولي، أحد ملاك المقهى وحفيد مؤسسه: “تأسس مقهى القللي عام 1948، حين قرر فيه جدي الحاج عبد الفتاح القللي الهجرة من محافظة قنا والاستقرار بالفيوم. افتتح المقهى في شارع الورشة المقابل لمحطة القطار، ثم ورث أبي المعلم فولي القللي المقهى والمهنة من بعده”.

ويوضح الفولي أن العلاقة بين المقهى وأدباء الفيوم بدأت مع إنشاء قصر الثقافة بجواره. فصار والده من رواد القصر وجذبه النشاط الثقافي المتواصل هناك. مما جعله يقترح تنظيم الندوات والأمسيات الأدبية داخل المقهى لتعريف الزبائن بأدباء الفيوم وشعرائها. ويضيف: “يعد القللي أول مقهى يهتم بإقامة مثل هذه الفعاليات، وأصبح المفضل لدى معظم مثقفي الفيوم”.

ذكريات وحضور مستمر

يؤكد الفولي أن العديد من الأدباء والفنانين ارتبطت ذكرياتهم بالمقهى. منهم شعراء العامية الكبار عبد الكريم عبد الحميد، ومحمد حسنى إبراهيم، والملحن عهدي شاكر الذي اعتاد المشاركة في الأمسيات الرمضانية. إلى جانب الشاعر الراحل محمد عبد المعطي.

إحدى الأمسيات الشعرية بالمقهى.. الصورة من سحر الجمال
إحدى الأمسيات الشعرية بالمقهى.. الصورة من سحر الجمال
الارتقاء بوعي رواد المقهى

يرى الفولي أن هذه الأمسيات ساهمت في رفع وعي رواد المقهى. إذ يحرص الكثيرون على حضورها، ويستمتعون بغناء الفنانين المحليين مثل عهدي شاكر وأحمد صالح وحسن زكي. ويؤكد أن المقهى سيظل مرتبطا بالمثقفين، وأنه يسعى لنقل هذه المحبة إلى ابنه كما ورثها من والده.

ذكريات وصداقات

اعتاد شيخ شعراء العامية بالفيوم عبد الكريم عبد الحميد، الجلوس على مقهى القللي لسنوات طويلة. وكان يكتب قصائده على أوراقه فوق طاولة خشبية قديمة. ويقول: “أكثر ذكرياتي مع أصدقائي الأدباء ارتبطت بالمقهى. ولم تعد لقاءاتنا تقتصر على الثقافة فقط، بل اتسعت لتشمل أحاديث ودية، حتى صار كثير من الزبائن أصدقاء مقربين”.

غياب دور المؤسسات الثقافية الرسمية

أما الشاعر محمد حسني إبراهيم فيرى أن تجمع الأدباء على مقهى القللي يعد شكلا من أشكال المقاومة لغياب دور المؤسسات الثقافية الرسمية. خاصة بعد إغلاق قصر الثقافة بدعوى التطوير. إذ أصبح المقهى مكانا لمواصلة الحوارات الأدبية واستضافة ضيوف المحافظة. ويضيف أن “القللي” يشبه مقاهي الأدباء الشهيرة مثل ريش والبستان والبورصة بالقاهرة.

انكماش الدور الثقافي لأدباء الفيوم

في المقابل يرى الروائي محمد جمال الدين أن دور أدباء الفيوم الثقافي قد انكمش وضعف تأثيره. إذ أصبح وجودهم محصورا داخل دائرة مغلقة لا يتجاوز حدود مقهى القللي. ويضيف: “أعتقد أن تقليص دور المؤسسات الثقافية، أو ضعف فهم القائمين عليها، جعل من الإبداع مجرد فعالية يؤدى فيها الموظف المطلوب منه بإعداد المكان وتجهيزه فقط. دون حماس مواكب، وهو ما يفقد المؤسسة الكثير من مردودها الثقافي”.

ويشير جمال الدين إلى أن اللجوء إلى “القللي” أصبح حلا مؤقتا، ضعيف المردود. نظرا لتغير طبيعة الجمهور في العقد الأخير. فضلا عن تقلص مساحة المقهى، وعدم ملاءمة الجزء المضاف إليه. مؤكدا أن المبدعين لم يتعمدوا خلق تلك الدوائر المغلقة. لكن الظروف التي فرضها الواقع هي التي أدت إلى ذلك.

البديل غير المنظم للمؤسسات الثقافية

يتخوف الشاعر أسامة سند من تحول المقاهي، مثل مقهى “القللي”، إلى بديل غير منظم وشعبوي للمؤسسات الثقافية والأدبية. خاصة في ظل إغلاق العديد من قصور الثقافة. ويقول: “لطالما كان للمقاهي دور ثقافي منذ شعراء الربابة. حيث كان الناس يلتفون حول الشاعر ليستمعوا إلى قصص وملاحم سلامة بن رزق ودياب بن غانم والزناتي خليفة. ذلك المشهد انتهى، لكن رغم ذلك ما زالت المقاهي نقطة التقاء بين مختلف فئات المجتمع. ومن بينهم الأدباء والكتاب والشعراء والفنانون”.

ويضيف: “مع أنني أرى أن دور المؤسسات الثقافية قد تراجع إلى حد بعيد. مع إغلاق عدد من قصور الثقافة وفي مقدمتها قصر ثقافة الفيوم، إلا أنني لا أعتبر المقاهي بديلاً حقيقيا لهذه المؤسسات. حتى وإن استضافت بعض لقاءات الأدباء”.

ليس كباقي المقاهي

يقول محمد أبو هادي، أحد رواد المقهى: “تعد الأمسيات الشعرية والأدبية التي تقام بالقللي من أبرز ما يميزه عن غيره من المقاهي. وقد ارتبطت به نظراً لقربه من قصر ثقافة الفيوم. هذه الأمسيات مفيدة للغاية لأنها تجذب فئات عمرية مختلفة. كما تحرص بعض الأسر على حضورها خاصةً في شهر رمضان”.

ويكمل أبو هادي: “القللي بالنسبة لنا بمثابة ساقية الصاوي في القاهرة. وقد سمعت عن مقترح لإقامة مكتبة صغيرة في أحد أركان المقهى تضم مجموعة من الكتب للأدباء والشعراء المترددين عليه من أبناء الفيوم. لكنه لم ينفذ بعد”.

المقهى يدعم الأدباء

ترى سحر الجمال، مسؤولة الثقافة العامة بفرع ثقافة الفيوم، أن العلاقة بين المؤسسة الثقافية ومقهى القللي مميزة جدًا، إذ يفضل الأدباء والشعراء الجلوس فيه، كما أنه المكان الذي يكملون فيه حواراتهم ومناقشاتهم حول قضايا ثقافية عديدة أثناء مشاركاتهم في الفعاليات والندوات بالمحافظة.

وتشير الجمال إلى أن ما ساهم في زيادة مكانة مقهى القللي، هو عشق الحاج فولي، صاحب المقهى، للثقافة والأدب، ودعمه المستمر للأدباء من خلال توفير أجواء هادئة تساعدهم على عقد ندواتهم، ورفضه الحصول على أي مقابل مادي نظير ذلك. وتختتم حديثها قائلة: “ما يقدمه القللي كان سببا في تبني فكرة المقهى الثقافي الذي منح الأدباء والمثقفين والسياسيين فرصة لمناقشة إبداعاتهم وأفكارهم”.

اقرأ أيضا:

على رائحة الشاي والأنفاس الصوفية الحية.. يوم في رحاب «القهوة الأحمدية» بطنطا

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.