مشروعات فنون جميلة الإسكندرية.. مواهب شابة تحتاج الدعم

حازت العديد من مشروعات التخرج بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية إشادات عدة. تنوعت الأفكار من جانب الطلبة، الأمر الذي أدى في النهاية لمعالجة قضايا هامة دائمًا ما تواجه المجتمع.. «باب مصر» يلتقي أصحاب هذه المشروعات في محاولة للتعرف على أبرز أعمالهم التي قدموها هذا العام.

“مختلف” لمواجهة التنمر 

أحبت دنيا جمال الرسم منذ أن كانت طفلة. تقول: “لم أتخيل نفسي في أي كلية غير فنون جميلة، فقد كان يستهويني رسم البورتريهات للأشخاص منذ سن صغير داخل بيتي بمنطقة العجمي بالإسكندرية، ولكنها كانت جميعها محاولات بدائية. ومع الوقت أتقنت هذا الفن، خاصة في المرحلة الثانوية أعجبتني كثيرا فكرة التصوير، فكنت أصور المناظر الطبيعية. فيما بعد اتجهت لتصوير الأشخاص بمساعدة والدتي التي كافأتني على مجموعي في الثانوية العامة واشترت لي كاميرا”.

من هنا جاءت نقطة التحول الحقيقية، إذ تحول التصوير من مجرد هواية إلى فن احترفته وأتقنته. ومن هنا قررت الالتحاق بالكلية التي تمنيتها طوال حياتي، لكن ليس من باب الرسم، بل بسبب التصوير. تضيف: “شعرت وقتها بانبهار وشغف تجاه الرسم، بسبب حبي للتصوير، فاخترت قسم الجرافيك حتى أثقل موهبتي بالجانب الأكاديمي. ولكن ما شجعنى على دخول هذا القسم بالتحديد أنه كان يقدم مادة عن الكاميرا والتصوير، لذلك تحمست للقسم وقررت التسجيل فيه”.

أرادت دنيا في مشروع تخرجها القيام بحملة ضد التنمر، وأسمت مشروعها “مختلف”، من خلال حملة توعية ضد ما يعانيه الأشخاص بسبب التنمر، ومواجهته وتشجيع الأشخاص على تقبل أنفسهم، ومواجهة ما يعانوه داخل المجتمع من مشكلات يتعرضون إليها بشكل يومي.

ثقافة الاختلاف

وبالرغم من تركها الرسم، لكن حبها لفن البورتريه لم يغب عنها، فقررت مرة أخرى استدعاءه لكن ليس من خلال الرسم، بل من خلال التصوير، إذ إنها قبل تخرجها بعام كامل أعدت فكرة المشروع داخل ذهنها، فأرادت تشجيع الأشخاص الذين يحملون صفات تبدو مختلفة في الشكل، وأرادت منهم أن يدركوا أن اختلافهم هذا هو نقطة تميز وليس العكس، كذلك أرادت توجيه رسالة مفادها، التوقف عن إطلاق أحكام مسبقة على الأشخاص بسبب الشكل، فأرادت خلال عملها أن يستوعب الناس ثقافة الاختلاف لذلك أطلقت اسم “مختلف” على مشروعها.

وقد استخدمت فن البورتريه من خلال تصوير مجموعة من الناس، وقامت بتصويرهم مع إضفاء إليهم حالات مختلفة مثل: “البهاق، والنمش، والبشرة السمراء” ومن خلال الكاميرا قررت توضيح تفاصيل قد تبدو غائبة عن الكثيرين. من بين التفاصيل أن هؤلاء الأشخاص مميزين جدًا، ولا ينبغي عليهم أن يخجلوا، بل عليهم أن يتقبلوا أنفسهم. كذلك أرادت من خلال الصورة تقديم كل فرد بطريقة مختلفة من خلال التعبير عن حالات معينة من حالات الاختلاف، التي توضح أسباب التنمر، وذلك تشجيعًا لهؤلاء كي يواجهون ما قد يتعرضون إليه من تنمر داخل المجتمع، كما قامت من خلال مشروعها بتصميم مجلة جمعت بداخلها الصور، وأضافت لكل حالة نبذة حتى يفهم الناس طبيعة تلك الحالات كي يتعاملوا معها بشكل طبيعي.

توضح دنيا: إن هذه الفكرة لاقت استحسانًا كبيرًا من جانب أستاذة الكلية. طكا أن كثيرين ممن يتعرضون لحالات التنمر تواصلوا معها وأوضحوا لها أن المشروع عاد عليهم بالنفع والإيجاب. وهي تنوي في المستقبل أن تستكمل فكرة التوعية المجتمعية، ضد التنمر، كي يكون لها تأثير إيجابي داخل المجتمع.

الحنين إلى الطفولة

لم تنس روان محمد طفولتها، إذ ظلت دائمًا تحن إليها لكنها أدركت أنها لن تعود، فأرادت استعادة تلك الذكريات من خلال مشروعها بقسم التصوير.

ظهرت علاقة روان بالرسم مبكرًا، إذ دائمًا ما كانت حريصة على الاشتراك في مسابقات الرسم بالمدرسة، وكانت تنتظر حصة الرسم طوال فترة الأسبوع. وحين كانت تجلس لتشاهد الكرتون كانت تنبهر برسوماته وبحركاته، لذلك انعكس الأمر عليها إذ رسمت الكثير من الشخصيات الكرتونية في عمرها المبكر. وكان لوالدتها الدور الأكبر في اكتشاف موهبتها حين وجدتها ترسم وتقلد إحدى الرسومات، ووقتها قررت أن تصطحبها كي تنمي تلك الموهبة. فتعلمت أساسيات الرسم، وظلت تشجعها طوال حياتها -رغم أن الرسومات أحيانًا ما تكون غير جيدة- (حسبما تقول روان)، وظلت والدتها تشجعها وكانت تتمنى دائمًا أن تلتحق ابنتها بكلية الفنون الجميلة.رحلت الأم حين كانت روان في الصف الأول الثانوي، فتمسكت روان بحلم أمها المؤجل وتحمست للكلية حتى أصبحت هدفًا لها. وتمكنت من اجتياز  اختبارات الكلية وحينها غمرت بالسعادة لأنها حققت حلمها وحلم والدتها.

ليت الشباب يعود يوما

علاقة روان بطفولتها ظلت شبه مستمرة، إذ كانت دائمًا ما تحن إلى ذكرياتها مع الطفولة وملابس تلك الفترة، فهي تحكي موقف وقد تبدلت ملامحها لضحك مختلط بخجل قليل، وتقول إنها حتى الآن لا تزال -أحيانًا- تشتري بعض ألعاب الأطفال، وتشعر بالشعور ذاته الذي كان ينتابها في طفولتها، لذلك فهي لم تر أنسب من هذه الفكرة لتنفيذ مشروعها، الذي قدمته من خلال بيت شعري شهير للشاعر أبوالعتاهية حينما قال: “فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوما فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ”.

تكمل روان حديثها: بين صوت موج البحر والسماء التي تعلونا وتعلوا معها أحلامنا وتوقعاتنا للمستقبل تأتي الأيام لتدمر كل حلم جميل قد رأيناه يومًا في أحد أيام الصبا، تلك الأيام التي عشنا فيها بلا هموم كنا نصنع مراكب ورقية لتكون أكبر إنجازًا لنا، ونحافظ على دميتنا وشعرها وملمسه الحريري، لأن الإنسان بطبعه مسؤول لا محالة.

لكن بين مسؤولية صغيرة ومسؤولية كبيرة طاقة قد تنفذ مع الأيام التي تحرمنا بمشغولياتها من ملمس الرمال الدافئ الذي تشعر به أقدامنا، فتشعر كما أنها اتصلت بالعالم الذي وُلدت منه في الأساس، تلك الرمال التي صنعنا منها قصورًا لم نسكنها وكانت الخزينة لألعاب لم نعتبرها مجرد سراب، بل أعطيناها من روحنا جزءً لتشاركنا أجمل أيام في عمرنا.

فكرة المشروع

تشرح فكرة المشروع باستفاضة وتقول: هناك شيء ثابت في جميع اللوحات التي رسمتها بالمشروع، إذ إن هناك عروسة متواجدة في جميع اللوحات، وهذه العروسة كانت دائمًا ما ترافقني حين كنت صغيرة، وكنت دائمًا ما أصطحبها معي في جميع الأماكن، لذلك أردت أن ترافقني أيضًا في مشروع تخرجي، أما بالنسبة لبقية الألعاب الموجودة في الرسمة فهي موائمة لجو البحر الذي استعنت به نظرًا لأن طفولتي كانت وسط هذه المناظر.

كما أنني أردت من خلاله أن أعطي إحساسًا بالجو الحالم، كما استعنت بأشياء مشتركة بين أغلبنا مثل العروسة “الكرومبة” إذ إنني أردت أن ارسم أشياء مشتركة بين جميع الناس، كي يصل إليهم إحساس الدفء والحنان للطفولة، كذلك استخدمت لعبة “النحلة” و”البلي” لأنهم يشكلون وجدان أغلب هذا الجيل.

“بيرم والناس” 

تعلقت ريم علاء الدين بالرسم منذ عمر مبكر، وانبهرت خلال طفولتها بشخصيات ميكي، وكانت حصص الرسم المدرسية هي المفضلة بالنسبة إليها.  حينها لم تكن فكرة الدخول لكلية الفنون الجميلة من ضمن اهتمامها، إذ أرادت الالتحاق بكلية الألسن. إلا أنها قررت أن تتقدم لاختبارات القبول بكلية الفنون الجميلة، وبالفعل تم قبولها والتحقت بالكلية، فبدأت تكتسب مهارات جديدة، وحاولت التطوير من إمكانياتها.

دخلت ريم قسم الجرافيك شعبة رسوم النشر. وفي إحدى المرات طلب منها تنفيذ رسوم تعبيرية لنصوص شعرية، إذ أرادت وقتها البحث عن شيء جذاب، تستطيع تقديمه للناس، فاتجهت إلى الشعر العامي. وكان هذا أيضا مشروعها للتخرج.  لأنها رأته “الأقرب” بين كافة طبقات المجتمع، واستقرت في النهاية على تنفيذ أعمال “بيرم التونسي” خاصة أنه من مواليد مدينة الإسكندرية. ويشكل رمزًا من رموز الإسكندرية واختارت عنوانًا لمشروعها وهو “بيرم والناس” والذي استسقته من أعمال بيرم. من خلال المشروع حاولت التعبير عن أحوال الناس في زمانه، وتوضيح المعتقدات التي آمنوا بها ممثلة في قصيدة “ضريح السيدة” والتي تعود لمقام السيدة زينب.

كتاب الفنان

كذلك أرادت توضيح ما يعانيه الناس في زمانه وحتى الآن والتي جاءت في قصيدة “النشالين”، وأرادت أيضًا توضيح عادات المجتمع في ذلك الوقت فاستعانت بقصيدة “لوكاندة الحاج سالم”، التي من خلالها تحدث بيرم عن عادات الناس داخل مجتمعه.

خلال الفترة الحالية توشك ريم على الانتهاء من كتاب “الفنان”، وفيه قدمت رسومات لفنانين قدامى مثل إسماعيل يس، وأسمهان ومحمد فوزي وغيرهم، وهم شخصيات تعاملوا مع بيرم، حتى أنه قد كتب لهم أشعار ومونولوجات. إذ نفذت رسم هذه الشخصيات داخل شكل “طوابع بريد” فهي أرادت من خلالها تمثيل فترة تعرض بيرم خلالها للنفي بسبب غضب الملك فؤاد عليه، خاصة أنه كتب قصائد ساخرة ضده، وما كان لبيرم من وسيلة إلى أن يلجأ للبريد فتعاقد مع جريدة هزلية تدعى “الشباب” ومن خلالها نشر شعره.

“نوبيان” وإحياء التراث 

ينتمي أحمد الديب لعائلة فنية، إذ تخرج والده وأخته من كلية الفنون الجميلة، وقد تعلق بالرسم منذ صغره نتيجة تأثره بهما، والتحق بعد انتهاءه من المرحلة الثانوية بكلية الفنون الجميلة، ومن ثم قسم الجرافيك. أثناء إعداده لمشروع تخرجه أراد أن يكون عن النوبة، وتوثيقها من خلال الرسومات. اعتبر تراث النوبة تراثا متفردا، غير موجود في مكان آخر، وكذلك بسبب الطبيعة الجغرافية هناك وعادتهم ورموزهم المستخدمة حتى داخل بيوتهم.

ومن هنا تكونت فكرة المشروع، إذ أراد في نهاية الأمر رسم صور عن النوبة وأراد التعبير عنها من خلال أسلوبه الخاص. استخدم الفنان الأحجبة النوبية، وأبرز علاقة أهل النوبة بالحيوانات والتماسيح، من خلال تقنيات الرسم الديجيتال. كما حاول المعالجة الجيدة للأمور، واستخدم الرموز النوبية وكان اللوجو عبارة عن سمكة نوبية، وبدأ في وضع تيمة للمشروع مستوحاة من هذه الرموز تعبيرا عن هوية النوبة. وبعد أن انتهى من وضع التيمة اختار مجموعة بوسترات عن طريق الرموز النوبية، عبر الطنبور النوبي، وبدأ معالجة البوستر مستخدما الموسيقى النوبية.

مهرجان نوبيان

حاول الديب خلال مشروعه “مهرجان نوبيان” إبراز أهمية الأحجبة النوبية التي عادة ما تعبر عن ثقافة النوبة، فاستخدم اللون الأخضر الصريح والأزرق. وأثناء إعداده للألبومات أراد إبراز أهمية العمارة النوبية والأبجدية النوبية القديمة، وكذلك القبائل النوبية. وقداستخدم رمزًا لها وهي “الأبجدية النوبية”. كما دعا إلى إقامة مهرجان للثقافة النوبية والترويج له في يوم النوبة العالمي الموافق 7 يوليو من كل عام. أراد أن يكون المهرجان جاذبًا للسياحة لتعريف الناس بثقافة النوبيين من خلال تقديم الفن النوبي، وإبراز الثقافة النوبية. خاصة مع اختفاء الكثير من المزارات النوبية في الاختفاء، لذلك أراد إعادة استدعاء تراث النوبة خلال المهرجان، وقد وضع خريطة لأماكن المهرجان مثل مدينة سهيل وغرب سهيل، والمتحف النوبي، لأنها أماكن تعبر عن هوية المكان.

اقرأ أيضا

إعادة إحياء إسنا.. الصور الأولى لـ«وكالة الجداوي» بعد ترميمها

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر