مزاد ومستودع سري.. كواليس سقوط شبكة «روبن سايمز» لتهريب الآثار المصرية
دفع افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي أقيم على مساحة 120 فدانا بتكلفة مليار دولار، العلماء للمطالبة بإعادة القطع الأثرية التي سُرقت من مصر. وبادرت هولندا بإعادة تمثال حجري خرج بطريقة غير شرعية من مصر، بالإضافة إلى استعادة 36 قطعة أثرية تم تهريبها عبر الحدود الأمريكية، بعد خضوعها لتحقيقات مكثفة. ورغم انتقال هذه القطع من تاجر إلى آخر وصولا إلى متاحف شهيرة، كان المتورط الأساسي هو تاجر الآثار البريطاني «روبن سايمز»، الذي كان يشرف على شبكة دولية لتهريب الآثار. إذ أصبحت عملية استرداد الآثار المصرية المنهوبة بمثابة معركة قانونية طويلة ومعقدة ضد التجارة غير المشروعة.
تمثال تم استرداده من هولندا
أعادت السلطات الهولندية إلى مصر تمثالا أثريا مسروقا، وهو رأس حجري عمره 3500 عام، تم عرضه للبيع في متحف الآثار المصرية في ماستريخت. ومن المقرر تسليمه إلى السفير المصري نهاية عام 2025.
وبحسب موقع “آرت نيوز”، يجسد التمثال مسؤولا مصريا، عاش في عهد تحتمس الثالث. وقد سرق إما عامي 2011 أو 2012، خلال ثورات الربيع العربي. ورغم ذلك، لم يظهر التمثال إلا بعد مرور 10 سنوات، عندما عرض للبيع مقابل 220 ألف دولار في معرض “تيفاف” الفني بمدينة ماستريخت شمال هولندا.
ومن خلال تتبع مسار التمثال، تبين أنه وصل إلى هولندا عن طريق تاجر باعه إلى تاجر إسباني ألقي القبض عليه عام 2024. ووجهت إليه تهم غسل الأموال، التهريب، وتزوير الوثائق. وقد حصل التاجر الإسباني على التمثال عام 2015 من شركة دولية مقرها بانكوك، لكنه زور لاحقا وثائق تفيد بأنه كان جزءا من مجموعة إسبانية منذ سبعينيات القرن الماضي. وبعد تحقيقات الشرطة الهولندية، ثبت خروج التمثال من مصر بطريقة غير مشروعة.

استرداد 36 قطعة آثار من الولايات المتحدة
على صعيد آخر، استعادت وزارة السياحة والآثار 36 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية بعد عقود من تهريبها بشكل غير قانوني. فقد عثرت وحدة مكافحة الاتجار بالآثار التابعة لمكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن والمدعي العام لولاية نيويورك على 11 قطعة أثرية.
ووفقا لموقع “آرت نيوز”، أعاد متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك 24 قطعة أخرى؛ فيما استعاد المدعي العام لولاية نيويورك قطعة أثرية. وذلك فقا لمذكرة تفاهم بين مصر والولايات المتحدة بشأن الآثار غير القانونية، الموقعة عام 2021 وسارية حتى عام 2026.
وقد استعادت وزارة الخارجية المصرية 11 قطعة أثرية أخرى، وفقا لمكتب المدعي العام في نيويورك وسلطات إنفاذ القانون الأمريكية. وبحسب بيان الوزارة، فإن هذه القطع لها أهمية تاريخية كبيرة، وتم تهريبها من مصر بطرق غير مشروعة خلال السنوات الماضية.
الإعلان الرسمي والتحقيقات
جاء الإعلان الرسمي عن إعادة هذه القطع في مايو 2025، حين نشر الموقع الرسمي لمكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن، ألفين إل.براج، بيانا يوضح فيه إعادة 11 قطعة أثرية إلى الشعب المصري.
وتم استرداد هذه القطع بعد تحقيقات جنائية، من بينها تحقيق يتعلق بتاجر الآثار روبن سايمز المقيم في لندن، الذي أدين سابقا وتوفي عام 2023. وقد صادر المكتب 135 قطعة أثرية تقدر قيمتها بأكثر من 58 مليون دولار. ويزعم أن سايمز هربها إلى مانهاتن وعبرها. ووصف المدعي العام القطع الإحدى عشرة بأنها لا تقدر بثمن، وأن إعادتها إلى مصر هو مكانها الصحيح.

القطع الرئيسية
وصف المكتب العام القطع المُستردة كالتالي:
- إناء الإله بيس: يعود تاريخه إلى حوالي 650-550 قبل الميلاد، وظهر لأول مغطى بالتراب وطبقة من الجير، دليلا على نهب حديث. كانت صورة الإناء بحوزة روبن سايمز قبل وفاته، واستخدمها للترويج للقطعة للمشترين المحتملين. ثم بيعها لمتحف في الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات. وظلت هناك حتى استعادتها وحدة الآثار الأسترالية.
- قناع مومياء لشاب: بحسب التحقيقات، رسمت هذه اللوحة الجنائزية خلال الحكم الروماني لمصر، بين عامي 100 و300 ميلادي، وهي من مجموعة لوحات الفيوم.
ظهر القناع لأول مرة في سوق الفن عام 1977 دون تحديد مصدره. وكان بحوزة تاجر الآثار ماتياس كومور المقيم في نيويورك. وتوصلت التحقيقات إلى رسالة من كومور إلى المشتري النهائي وهو جامع تحف خاص. يوضح فيها أن القناع عثر عليه حديثا بالقرب من مجمع أهرامات أبو صير الأثري المحمي. ثم تبرع به إلى متحف أمريكي، وصادرته وحدة مكافحة الآثار في مطلع عام 2025.
رفض مكتب المدعي العام الكشف عن المتاحف التي كانت تحتفظ بهاتين القطعتين الأثريتين قبل الاسترداد أو عن عدد التحقيقات الجنائية المتعلقة بالقطع الإحدى عشرة.
ثلاث مجموعات
القطع الإحدى عشرة تمثل المجموعة الأولى من أصل 36 قطعة أثرية تم تهريبها من مصر بشكل غير قانوني، بحسب شبكة “سي بي إس نيوز”. أما المجموعة الثانية، التي سلمها متحف المتروبوليتان إلى القنصلية المصرية في نيويورك، فتضم 24 مخطوطة نادرة باللغتين القبطية والسريانية القديمتين.
وتتكون المجموعة الثالثة من لوحة جبسية ملونة من الأسرة الثامنة عشرة. يعود تاريخها إلى حوالي 3000 سنة، وتمت مصادرتها من قبل مكتب المدعي العام لولاية نيويورك. بعد أن تبين خروجها من مصر بطريقة غير مشروعة. وأكدت الوزارة أن لجنة أثرية تسلمت القطع، التي سيتم عرضها في المتحف المصري بوسط القاهرة بعد ترميمها.

المتورط الرئيسي
التاجر المتورط في بيع القطع هو روبن سايمز (فبراير 1939 – 30 أكتوبر 2023)، أحد أبرز تجار الآثار في بريطانيا. والذي اُكتشف لاحقا أنه كان جزءا من شبكة دولية لتجارة الكنوز الأثرية المنهوبة.
وبحسب مذكرة التحقيق لعام 2021 – اطلع عليها «باب مصر»- بدأ سايمز مسيرته في سبعينيات القرن الماضي حين أسس شراكة تجارية مع كريستو ميخائيليدس. وحققا نجاحا في سوق الآثار العالمي.
لكن تغير الوضع بعد وفاة ميخائيليدس في حادث عام 1999. إذ رفعت عائلته دعوى قضائية لاستعادة نصيبها من أصول الشركة. وخلال المحاكمة، تبين أن سايمز أدلى بشهادة كاذبة بشأن حجم وثروة ممتلكاته. ما أدى إلى إدانته بتهمة ازدراء المحكمة، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين، قضى منها سبعة أشهر فقط.
45 صندوقا مخفيا
ظلت الآثار التي أخفاها سايمز لعدم تحديد ثروته بدقة مع ورثة شريكه، مصدرا للغموض على مدار 15 عاما. وبحسب شبكة “آرت نيوز”، بدأ التحقيق في مارس 2014، عندما اشتبهت الشرطة الإيطالية في أن الآثار المنهوبة ربما كانت مخزنة في قبو سويسري.
وفي يناير 2016، كشفت السلطات الإيطالية عن تفاصيل جديدة أظهرت أن تورط سايمز في تجارة الآثار غير المشروعة كان أعمق بكثير مما كان يعتقد. فقد عثر على 45 صندوقا في مستودع “جنيف فريبورت” بسويسرا، تحتوي على مئات القطع الأثرية المنهوبة. كان سايمز قد أخفاها على مدى 15 عامًا لتجنب كشفها أمام ورثة شريكه الراحل.
وتضمنت هذه الصناديق كنزا من الآثار الرومانية والإترورية. بما في ذلك تابوتان بالحجم الطبيعي، نادرتان ولا تقدران بثمن، ويعود تاريخهما إلى القرن الثاني قبل الميلاد. واستغل سايمز القبو لتخزين الآثار لفترة تزيد عن 15 عاما، ولإخفائها وضعها في صناديق تحمل كتابات لشركة أخرى.

الحكم والسجن
كان سايمز أحد أشهر تجار التحف في لندن، وبحسب شبكة “آرت نيوز” أدين بتهمتي ازدراء المحكمة لتجاهله أوامر بيع تمثال مصري بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني. وفي يناير 2005، حُكم عليه بالسجن لمدة عامين، وأُطلق سراحه بعد سبعة أشهر فقط.
قبل فترة السجن، كان سايمز تاجر آثار ناجح وذو سمعة طيبة، لكن فقد مكانته عندما اتُهم بالانتماء إلى شبكة دولية من سارقي الآثار وتجارها.
شراكات مشبوهة
ولد روبن سايمز عام 1939 في دورشيستر أون تيمز، بريطانيا، وعمل مع تجار معروفين مثل روبرت هيشت، وجياكومو ميديشي، وجيوفاني فرانكو بيتشينا. بحسب مذكرة تحقيق لعام 2021، بدأ سايمز الاتجار بالآثار غير المشروعة في الستينيات، وأسس مشروعه في السبعينيات. وفي عام 2001، اتهمت السلطات الإيطالية سايمز وشركاءه بالاتجار غير المشروع بالآثار. وأدين ميديشي، ولكن تمت مناقشة التهم الموجه إلى سايمز.
كما حققت السلطات اليونانية معه في 12 إبريل 2006، بعد مصادرة 12 قطعة أثرية من مسكنه في أثينا، الذي كان يسكنه معه ميخائيليدس.

17 مجلدا تكشف 1500 قطعة منهوبة
خلال مداهمة المنزل، استعادت السلطات 159 قطعة أثرية، بالإضافة إلى عناصر معمارية من تماثيل بيزنطية منهوبة. وأظهرت مذكرة التحقيق العثور على 17 مجلدا أخضر داكن يحتوي على 2217 وثيقة وصورا فوتوغرافية لما يقرب من 1500 قطعة أثرية، بعد الترميم. وتعرف هذه الوثائق باسم “أرشيف سايمز”.
وقد أثبتت التحقيقات أن ميديشي وبيكينا كان يزودان سايمز بالآثار، الذي كان بدوره بمثابة واجهة لهما، ويبيع أفضل القطع المسروقة إلى كبار الأثرياء.
تلاعب لرفع سعر الآثار
في 27 يناير 1993، أثناء محاولته بيع قطعة أثرية مباشرة، كتب سايمز في رسالة: “سوف أسأل صديقي عن مكان الاكتشاف الحقيقي وسأخبرك”. بعد وفاة ميخائيليدس في ظروف غامضة عام 1999، رفع سايمز دعوى قضائية ضد ورثته. لكنها ألغيت لاحقا، وفي عام 2001 صدر أمر من المحكمة بتجميد حساباته.
وفي مايو 2002، حصل سايمز على قرض بقيمة مليون دولار من تاجر الآثار مايكل شتاينهاردت، لتمويل معاركه القانونية. وفي يناير 2005، حكمت المحكمة العليا في لندن على سايمز بالسجن لمدة عامين بتهمة شهادة الزور وإخفاء موقع وقيمة مجموعته الأثرية.
وعلى الرغم من ادعائه تخزين الآثار في 5 مواقع فقط. قررت المحكمة أن لديه 17 ألف قطعة أثرية تقدر قيمتها بأكثر من 125 مليون جنيه إسترليني. أي حوالي 173 مليون دولار، مخبأة في 33 موقعا بين لندن ونيويورك وجنيف. كما وجد القاضي أن سايمز وشركاءه تآمروا لتحديد أسعار السوق لمجموعة من الآثار المهمة التي تزيد قيمتها عن 12 مليون دولار في عام 1992.
إعادة كنوز لليونان والعراق وإيطاليا
الآثار المصرية المُستردة المرتبطة بروبن سايمز ليست الوحيدة. ففي عام 2025، أعيدت 750 قطعة أثرية تقدر قيمتها بحوالي 12 مليون يورو إلى إيطاليا. بعد معركة قانونية طويلة. بحسب صحيفة “ذي آرت نيوز بيبر”. كما أعيدت 11 قطعة أثرية إلى اليونان، تقدر قيمتها بحوالي مليون دولار. ضمن مجموعة مكونة من 121 قطعة أثرية مصادرة.
وفي مايو 2025، أعلن متحف متروبوليتان الأمريكي للفنون إعادة 3 قطع أثرية إلى العراق، بالتعاون مع مكتب المدعي العام في مانهاتن. بعد تحقيقات مع روبن سايمز. وتشمل هذه القطع: إناء سومري مصنوع من الجبس والمرمر، يرجع للفترة (2600 -2500 قبل الميلاد). وتمثالان من الطين يعودان للفترة (2000 – 1600 قبل الميلاد)، يصوران رأس رجل ورأس امرأة. تقدر قيمة هذه القطع بحوالي 500 ألف دولار أمريكي.
اقرأ أيضا:
سافر عبر 5 دول.. كيف وصل تمثال مصري بقيمة 6 ملايين دولار إلى مطار أمريكي؟
خريطة تهريب آثار مسروقة من مصر إلى مطار «جون كينيدي» الأمريكي|مستندات رسمية
بين الترميم والسرقة.. من المسؤول عن اختفاء سوار الملك «بسوسنيس» الذهبي؟



