عندما قال صلاح جاهين لمجدي نجيب: مبروك هجوم السعدني!
في عام 1964 صدر الديوان الأول للشاعر “مجدي نجيب”، وقبلها بعام كانت مجلة صباح الخير تنشر بعضا من قصائد هذا الديوان في أعدادها المختلفة، ولكن ما إن ظهر الديوان حتى كتب محمود السعدني مقالا في مجلة صباح الخير بعنوان “تلاميذ هذا الرجل” في العدد الصادر بتاريخ 10 سبتمر 1964، ويقصد السعدني بهذا الرجل صلاح جاهين أي أن مجدي نجيب من تلاميذ جاهين، لكن مقال السعدني حمل هجوما عنيفا على مجدي نجيب واتهمه بالجهل وأنه لا يعرف شيئا عن الشعر وما يقوله هو كلام فارغ.
مقال السعدني
بدأ السعدني مقاله قائلا: “منذ مدة وصلاح جاهين يسطع ويلمع في سماء الحركة الأدبية كالنجم وكانت عدته شعرا جديدا غاية في الغرابة، ولكنه في الوقت نفسه غاية في الحلاوة والإبداع والسبب أن صلاح فنان وفأر كتب. وأنه لم يكتب الشعر العامي إلا بعد سياحة طويلة في كتب الأدب القديم وبعد صياعة أطول في عصور التاريخ، ولكن صلاح جاهين بقدر ما أفاد الحركة الأدبية أفسدها، أفسدها بالعشرات الذين خرجوا دون ولادة يقولون شعرا ولا شعر المجانين، وبيوت مرصوصة ولا المساكن الشعبية وهلوسة ولا ريفي يحتضر على فراشه في مستشفى الحميات، هؤلاء هم تلاميذ صلاح جاهين أو هكذا شبه لهم، أخر هؤلاء التلاميذ – يا ولداه- شاب صغير طيب القلب اسمه مجدي نجيب، أدفع مليون جنيه إنه لا يعرف الفرق بين البحتري وهرم خوفو ولا الفرق بين بشار بن برد وكوبري عباس! الشاب الطيب يقول شعرا ما أنزل الله به من سلطان.. “ثم يبدأ السعدني في سرد بعض من أشعار مجدي نجيب ويتابع هجومه” حبلوا في سابع يوم مش تاسع شهر، وفي كل جنازة اتلموا جنب الميت، ولا شاوروا في يوم ع البطن، يمكن كانت بنت، لأ كان واد ، كان عيل عمره ما راح الكتاب.
هذه أحسن قصيدة في الكتاب ودعك من القصائد السيئة والشاعر نفسه في نهاية القصيدة يقول معرفش، وهو فعلا لا يعرف شيئا عن الشعر، ربما في رأسه فكرة، ربما في نفسه خاطر ولكن شعرا !! لأ وألف بليون مرة لأ!”.
لم ينته كلام السعدني إلى هذا الحد، بل واصل هجومه على الشاعر الشاب الصاعد وأنهى حديثه محذرا القراء قائلا: وياحضرات القراء إحذروا الكلام الفارغ وابحثوا عن منجم شقافه ألطم به على خيبة الشعر في مصر!
لم يمر مقال السعدني هكذا مرور الكرام، بل أثار كثيرا من ردود الفعل والغضب وتوالت المقالات ترد عليه وتدافع عن الديوان وكان أول خطاب وصل للمجلة من صلاح جاهين وهو خطاب وجهه جاهين لمجدي نجيب وطلب نشره في المجلة حتى يشد من أزره ونص الخطاب:
عزيزي مجدي
سلامي وقبلاتي
مبروك الهجوم بتاع السعدني.. ده أكبر دعاية للديوان وكل الناس بتدور عليه علشان تشوف إيه الحكاية.. أما الديوان نفسه فمعظمه نشر في صباح الخير وقروه الناس وده لون واتجاه خاص بك أنت وانت ولاحدش يقدر يقول للتاني اكتب كدة وماتكتبش كده..
ولا يهمك يا أبوالأمجاد.. إذا كان النقد فيه حاجة تنفعك أو تنبهك لنقطة كانت فايتاك استفد منه.. وإذا ماكانش خلاص. إسمع من هنا وطلع من هنا.. وإلى اللقاء.
صلاح جاهين.
لم يكن صلاح جاهين وحده هو من كتب مدافعا ومشجعا لمجدي نجيب ضد هجمة السعدني، ولكن كتب أيضا للمجلة سيد حجاب وسيد خميس وكذلك علاء الديب، وكذلك لم يكن مجدي نجيب هو الشاعر الوحيد الذي دعمه جاهين مع أول ديوان له برقته المتناهية وطيبة قلبه، ولكن حدث موقف آخر بعد حادث السعدني بأكثر من عشرين عاما وتحديدا عام 1986 حين رسم صلاح جاهين في نافذته بالأهرام رسما عبارة عن مكتبة تعرض كتابا بعنوان “الرقص في زحمة المرور” ورسم بجوار المكتبة راقصة وهي تنظر للكتاب وتقول: “طبعا ما دام مابقاش فيه ملاهي ليلية ح نرقص فين ماتأخذنيش”، وكان من الواضح أن جاهين أراد أن يعلن عن كتاب جديد بعنوان الرقص في زحمة المرور لشاعر شاب وكان هذه المرة الشاعر الشاب هو بهاء جاهين، وكانت الصحف قد صمتت عن الديوان لم ينشر خبر واحد في صفحة أدبية أو نقد واحد فشعر صلاح جاهين بمقاطعة الأكباد الغليظة التي لا تخفق فيها إلا الغيرة فانكسر قلبه وأراد أن يواجه الأمر كعادته بنكتة فرسم كاريكاتير أشار فيه إلى الديوان الأول لابنه فكانت النتيجة هي موجة من التقريع واللوم على هذه الخطيئة، وقامت الدنيا على صلاح جاهين ودخل في غيبوبة بعد أيام من هذا الرسم، فقد كان الكاريكاتير بتاريخ 14 إبريل 1986 ومات صلاح جاهين يوم 21 إبريل ورثاه أحمد بهاء الدين بمقال بعنوان “صلاح جاهين والتنين” محملا من هاجموه على دعمه لابنه ذنب وفاة جاهين كمدا.