«متحف السويس القومي».. كنوز تُجسد عبقرية المصري القديم

«متحف السويس القومي» من أهم المعالم الأثرية والثقافية في مصر، إذ يضم مجموعة متنوعة ومميزة من القطع الأثرية التي تعكس ثراء الحضارة المصرية القديمة وتطورها عبر العصور المختلفة. من أبرز معروضات المتحف تمثال الملك سنوسرت الثالث، ونموذج لمركب الملكة حتشبسوت، فضلًا عن أدوات التجميل التي تجسد تفاصيل الحياة اليومية للمصريين القدماء. هنا نستعرض أهم معروضات المتحف وقيمتها التاريخية والثقافية.
يقع المتحف في مدينة السويس، ويتميز بحديقته المتحفية التي تحتوي على حوضين مائيين يربط بينهما مجرى مائي يمثل قناة السويس. في الحوض الأكبر يرسو نموذج لمركب الملكة حتشبسوت، التي أمرت بإبحاره في البحر الأحمر للتبادل التجاري مع بلاد بونت. يبلغ طول هذا المركب 20 مترًا، وعرضه 5 أمتار، ويعكس مهارة المصريين القدماء في بناء السفن.
افتتاح متحف السويس القومي
يضم المتحف عدة قاعات متميزة، منها “قاعة قناة السويس” التي تعرض العربة الملكية التي شاركت في افتتاح القناة عام 1869. وتعكس أهمية القناة في التاريخ الحديث. كما توجد “قاعة التحنيط” التي تحاكي أجواء المقبرة الفرعونية وتبدأ بتمثال الإله أنوبيس، حامي الجبانة. وتشمل أدوات التحنيط، ولوحات، وموائد القرابين. إلى جانب توابيت ملونة ومومياء كاهن مصحوبة بتعويذة سحرية.
وتتضمن “قاعة المحمل” عرضا لدور القناة في العصر الإسلامي. حين كان موكب المحمل ينطلق منها إلى مكة المكرمة حاملاً كسوة الكعبة. أما “قاعة الملاحة والتجارة”، فتوضح براعة المصريين القدماء في الملاحة، من خلال نماذج سفن عثر عليها في المقابر. وسفن منحوتة في الصخور، وتماثيل لبحّارة تعكس تاريخًا بحريًا وتجاريًا عريقًا.
عبق التاريخ وروح المعاصرة
يحمل متحف السويس القومي مكانة متميزة ضمن المعالم الثقافية والتاريخية في محافظة السويس. فهو يجمع بين عبق التاريخ وروح المعاصرة، ويُجسد الدور المحوري للمدينة عبر العصور. افتُتح المتحف عام 2012 على خليج السويس، ويضم نحو 2500 قطعة أثرية تُبرز تطور الحياة في المدينة من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث.
يتميز تصميم المتحف بشكل معماري فريد، يتكون من طابقين يتوسطهما فناء مكشوف وحديقة متحفية، تضم نموذجا لسفينة من أسطول الملكة حتشبسوت داخل حوض مائي. في إشارة إلى التراث البحري للمنطقة. وقد استعادت السويس عبر هذا المتحف عددا من آثارها التي نقلت إلى المتحف المصري بالقاهرة بعد حرب 1967. كما جرى دعمه بقطع أثرية أخرى من مناطق مجاورة مثل عيون موسى ووادي الجواسيس.
تتناول موضوعات القاعات بين الملاحة القديمة، والآثار الإسلامية واليونانية. إضافة إلى قاعة تُوثّق تاريخ المدينة الحديث وبطولات أهلها، خاصة خلال معركة 24 أكتوبر 1973 ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما يبرز المتحف أهمية السويس في التجارة، وتاريخ قناة نكاو القديمة، ودور المدينة في رحلات الحج وبناء السفن.
جائزة أفضل تواصل مجتمعي
حصل المتحف على جائزة أفضل تواصل مجتمعي عن مشروع “محكي الحفائر للأطفال”. وهو ما يعكس اهتمامه بالتعليم الثقافي ونشر الوعي الأثري بين الأجيال الجديدة. يقدم المتحف تجربة تعليمية متكاملة، لا تقتصر على عرض الآثار. بل تمتد إلى تعزيز الصلة بين الزائر وتاريخ المدينة وهويتها الوطنية.
من خلال سيناريو عرض متحفي تفاعلي. يبدأ الزائر رحلته من قصة القلزم، الميناء القديم، مرورا بتاريخ قناة نكاو التي مثلت أول محاولة لربط البحر الأحمر بالمتوسط، ووصولا إلى العصرين الإسلامي والحديث. حيث كانت السويس محطة رئيسية للحجاج، ومركزا للتجارة وبناء السفن.
توثق القاعات الحديثة في المتحف بطولات أبناء السويس خلال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني. وتعرض مشاهد من معركة 24 أكتوبر 1973، التي تعد رمزًا لصمود المدينة وشجاعة أبنائها. كما يسعى المتحف إلى تقديم تجربة ثقافية متكاملة من خلال استضافة الندوات وورش العمل والمعارض المؤقتة. ما يجعله مركزًا حيًا للتفاعل الثقافي. فمتحف السويس لا يحفظ الماضي فحسب، بل يلهم الحاضر ويصنع الوعي بالمستقبل.
قاعة قناة السويس
يقول يسري أحمد موسى، رئيس جمعية أصدقاء متحف السويس، إن المتحف يضم عدة قاعات متميزة، أبرزها “قاعة قناة السويس”، التي تعرض العربة الملكية التي شاركت في افتتاح قناة السويس عام 1869. كما تتضمن وثائق وصورا زيتية لكل من الخديوي سعيد باشا، الذي أصدر مرسوم امتياز الحفر، والخديوي إسماعيل، الذي افتتحها، ومجموعة من النياشين والميداليات والأدوات التي استخدمت في أعمال الحفر.
تمثال الملك سنوسرت الثالث
يوضح رئيس جمعية أصدقاء المتحف أن تمثال الملك سنوسرت الثالث يعد من أبرز معروضات المتحف، ويعود إلى عصر الدولة الوسطى، وتحديدًا الأسرة الثانية عشرة. يجسد التمثال ملامح أحد أعظم ملوك تلك الحقبة. تميز حكم سنوسرت الثالث بالقوة المركزية والانفتاح على العالم الخارجي، وقد عرف بشخصيته القوية وإصلاحاته الإدارية والعسكرية.
والتمثال مصنوع غالبًا من حجر الجرانيت، ويظهر الملك بملامح حازمة، بعينين غائرتين وفم مغلق، ما يعكس الصرامة والحكمة. وعلى الرغم من الأسلوب التقليدي في تماثيل الفراعنة. يتميّز هذا التمثال بتعبيراته الإنسانية القوية التي تدل على التفكير العميق والمسؤولية الثقيلة التي يحملها الملك.
لا يعد هذا التمثال عملًا فنيًا رائعًا فحسب، بل وثيقة بصرية تجسد ملامح الحكم والدولة في تلك الفترة. ويعكس اهتمام الفن المصري بتجسيد شخصية الملك كإله حي يحكم البلاد بقوة وحنكة. ما يجعل التمثال واحدًا من الكنوز النادرة التي تجسّد الفكر السياسي والفني للدولة الوسطى.
مركبة الملكة حتشبسوت رمز التبادل التجاري والريادة البحرية
يشير موسى إلى أن نموذج السفينة المعروض في حديقة المتحف يمثل إحدى سفن أسطول الملكة حتشبسوت، التي حكمت خلال الأسرة الثامنة عشرة. ويجسد النموذج بعثة الملكة الشهيرة إلى بلاد بونت لأغراض التبادل التجاري.
استلهم تصميم السفينة من نقوش معبد الدير البحري في الأقصر، حيث تظهر القوارب الخشبية الكبيرة، المجدفون، والحيوانات والنباتات التي جلبت من الرحلة. يعكس هذا العرض تفوق المصريين في فنون الملاحة والتجارة البحرية.
كما يمنح النموذج الزائر لمحو عن أهمية البحر الأحمر كطريق تجاري، ويبرز دور السويس التاريخي كميناء ومركز للتجارة العالمية منذ آلاف السنين.
أدوات التجميل: أسرار الجمال والروح في مصر القديمة
يقول عماد الدين محمد، أمين عام جمعية أصدقاء المتحف، إن متحف السويس يحتوي على مجموعة من أدوات التجميل استخدمها المصريون القدماء. والتي تعد من أعمق الشواهد على نمط الحياة اليومية وفهم المصريين للجمال والنظافة. من بين هذه الأدوات: المرايا النحاسية، أواني الكحل، الأمشاط، الزيوت العطرية، وأدوات طحن المواد التجميلية.
تُظهر هذه الأدوات دقة عالية في الصنع، كما تكشف عن اعتقاد المصريين بأن الجمال لا يقتصر فقط على المظهر الخارجي. بل يتصل بالنقاء الداخلي والروحاني. فقد كان للكحل، على سبيل المثال، وظائف وقائية إلى جانب الجمالية. حيث استخدم للوقاية من أشعة الشمس والتهابات العين، وكان يُعتقد أيضًا أنه يدرأ الأرواح الشريرة.
الزيوت العطرية أيضا كانت تستخدم في التجميل والتطهير، وفي الطقوس الدينية أيضًا. مما يعكس تداخل الجمال بالروحانية في الثقافة المصرية القديمة، تعكس أدوات التجميل هذه مكانة المرأة والرجل على حد سواء في المجتمع. حيث كان الاهتمام بالمظهر والنظافة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
اقرأ أيضا:
من أعماق البحر إلى صفحات العلم.. قصة معهد علوم البحار ومتحفه العريق بالسويس
«متحف النصر للفن الحديث».. ذاكرة بورسعيد في لوحات ومنحوتات
«متحف قناة السويس».. تاريخ من سخرة الحفر إلى إرادة التأميم والتطوير