في مأثرة تاج الأصحاء

حينما حاصرت الكوارث والنكبات والأوبئة عموم القطر المصري تهددت صحة وعافية من سكن الديار المصرية. حيث صارت أرواح البشر في خطر وسكة السلامة في مأزق. لذا كدت عديد من الجمعيات والروابط الخيرية المشمولة بعناية الملل والأجناس القاطنة القطر المصري في البحث عن مسالك للنجاة آنذاك.

وقد شهدت البلاد طيلة القرن الـ19 عدد من الأوبئة التي فتكت بالسكان. أبرزها وباء الكوليرا الذي حصد ما لا يحصى من نفوس عديدة لتردي الحال الصحي وقتذاك وتسبب ذلك في الهلع الذي ساور الناس من كافة الملل. فكانت مؤسسات الإسعاف هي الملاذ الأخير وطوق النجاة المنشود آنئذ.

ومن ثَم، لاقت نداءات الإيطالي بيترو فازاي وآخرين بتكوين اتحاد استهدف إسعاف المرضى والمصابين، استحسانا هائلا. وأسفر عن تأسيس مقرا للجمعية بشارع الكنيسة الأمريكية قبيل الانتقال إلى شارع سيدي المتولي في العام 1908 مرورا بمقرها الحالي بكوم الدكة. والذي أُنشئ في العام 1928، وصممه المهندس المعماري الإيطالي “فروتشي” مهندس القصور الملكية وحضر الاحتفال الملك فؤاد الأول.

وفي ذِكر ما جرى، أسهمت جمعية الإسعاف بدور اجتماعي فعَّال. فشاعت ظاهرة التطوع المجاني، وتدابير أخرى لتدبير موارد الجمعية عبر التبرعات والاشتراكات واليانصيب والحفلات بكازينو “بلفدير” و”الهمبرا” وغيرها.

عربة الإسعاف التي كانت تجرها الخيول قديما
عربة الإسعاف التي كانت تجرها الخيول قديما

وفي سياق التطور الملموس الذي شهده مرفق الإسعاف. استخدمت الطائرات في نقل المرضى والمصابين في الثلاثينات برعاية “الاتحاد الملكي لجمعيات الإسعاف العمومية” بالقاهرة، وذلك بعد عربة النقل “النقالة” التي تجرها الخيول والتي أهداها الخديوي عباس الثاني للجمعية في العام 1908.

فضلا عن ذلك، كبائن الإسعاف التي تناثرت على ساحل البحر في الشاطبي واستانلي وسبورتنج طيلة فصل الصيف.

**

ومن زاوية أخرى برز دور جمعية الإسعاف في خدمة نقل الموتى بالمجان. ومهام نقل الجنود الفرنسيين المصابين والمرضى من وحدات الأسطول إلى المستشفيات. إبان اندلاع ثورة 1919 الوطنية حينما اشتعلت المظاهرات بالإسكندرية. احتجاجا على نفي سعد زغلول إلى مالطة وحضور لجنة ملنر إلى مصر.

تسبب هذا في حدوث مصادمات بين المتظاهرين وقوات الاحتلال. حيث بادرت بنقل المصاب برصاص جنود الاحتلال البريطاني إلى المستشفيات. وتنظيم خدمة الوقاية من الغارات الجوية أثناء الحرب العالمية الثانية، بمشاركة بلدية الإسكندرية.

ومن اللافت للنظر، بروز جهود أخرى موازية في حقول الصحة. تجلّت في تأسيس المستشفى الأميري في العام 1830 والمستشفى الأوروبي عام 1816، وإنشاء مستشفى كوم الدكة من قِبَل الجالية اليونانية في العام 1818. وفي العام 1844 تأسس المستشفى الأوروبي بإدارة راهبات الإحسان برعاية الأخت “جروويل” وتعاونها مع ستة من الأخوات. ومن هنا أتت تسمية “شارع السبع بنات”.

**

بالإضافة إلى ما سبق ذكره، أنشأت الطائفة اليهودية في العام 1893 المستشفى الإسرائيلي بمساعدة البارون منشة، ودار الولادة الدولية (الماتيرنيتيه) في العام 1898.

وشهد العام 1930، افتتاح مدرسة الممرضات بفرع فلمنج من قِبَل جمعية الإسعاف بإدارة الطبيب اليوناني أ.كوستالاس.

لذا، من الأهمية بمكان، إدراك أن ترقية الوعي الصحي ليست ترفا أو رفاهة. لكنه ضرورة تبعث السعادة والمسَرّة. فالصحة “تاج فوق رؤوس الأصحاء” تمتلك قانوناً لا يمثل قيداً لأحد. بل هي متلازمة لحياة موسومة بالجسارة والجدارة في آنٍ واحد.

اقرأ أيضا:

«جودة الونش».. موت بائع الخبر

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر