بورتريهات متخيلة (15): معالي زايد.. كأغنية تصعد من الدم

هي مشتهاة كأغنية تصعد من الدم. كجلد تذوب فيه القنابل وتحيل الأصابع إلى مشاعل من نار، بخور اللذات حبيس جذعها، بشرتها مكسوة بالعسل ونداوة الفجر وسيلان شموع، شفتاها رياح في قمقم الأرض تغذي بركانا.

لا، ليس لكل هذا هي مشتهاة، بل لأنها تشتهي أولا، هي سيدة رغبتها، حيث فعل الحب موطن راحة لأقدام قد لُعنت، لأنه لا هروب من قيد نحمله معنا أينما ارتحلنا، وتُشد إليه أعناقنا، لأن الهواء يحملنا كعبء، ستنهك أجنحته في اللحظة الخطأ.

**

يا حلوة، كنت حمراء كتفاحة، يا حلوة، ثم رنت أجراس، ففر من قبو عينيك سرب حمام أعمى، وتساقطت عن جلدك غراميات ميتة، وهرول فزعا لصوص لم يعودوا عشاقا، لم يكونوا. البخور والعطر، سُربلا بالعار. السكرة النشوانة بنفسها نُكل بها، الزيوت والمسك جردا من الفرح، وفي لحظة أخفق كل شيء.

لا تأس عليها، كل من ظن بخسة أنه صياد، كان في حقيقته فريسة. كل من ظن أنه يتسلى كان الدمية.

**

زح الغنج، والضحكة اللعوب، ألقمها لعنكبوت نسيان، ستجد نظرة لامرأة صلابتها راسخة. ذات جذع يصد ألف ريح، أما الابتسامة فحقيقية، كأنها روح العالم وقد اختمرت، كأن الأرض فوق كتفيها. إنها تعرف أن كل هذا الهزل جد، وأن الهموم لم تكن وضيعة، وأن لذات الليل تركت حروقا لا أمل في شفائها.

زح الغنج والضحكة اللعوب، ستجد وجها منحوتا بإزميل الزمن، روحا لم تقهرها ألغاز الطريق، نخلة عالية إلى وتدها تطمئن وتستند ويُخيم قلبك، واثقا تنام.

**

سأستسلم، قالت لنفسها، فلربما في الهاوية الملعونة نعيم غامض. انغمسي بكلك دون عودة، فلربما في عمق تلك الفتنة صلاة.

**

ما الذي انتظرها كل ليلة على وسادة الشوك، وهي تسقط مثقلة في قاع النوم؟

يا حلوة، يا وجه ذائب في غيوم الزمن. ما الذي كان عليك أن تحمليه لصق قلبك حتى الممات؟ هل بالموت عرفت الحقيقة التي أخفاها عنا أسر الليل والجسد؟ هل الحياة حقا كانت محض حلم، والموت هو أن نستيقظ أم العكس؟ أم أن الحب بضوءه الضئيل كان المصباح الوحيد الممكن، كأن القبلات كانت تلطف من وطأة حقد غامض يكتوي بقلب دمرته النيران.

**

لا شهوة دون مخيلة. بعناق الأشباح تكتسي أوهامنا لحما وعظاما. كأن في الحب تنسكبين من إناء إلى إناء، يعاد تشكيلك بأنامل لها شهوة النحات، تفعلينها بنفسك، لأن أصابع اللصوص لا تحفل إلا بغنائم الهروب، ولا تدهشها الخبيئة.

أقرأ أيضا:

بورتريهات متخيلة (14): محمود الجندي.. على جبينه الأنوار

بورتريهات متخيلة (13): سناء جميل.. اختراع الطريق

 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر