كيف قيم اليونسكو وضع القاهرة في اجتماعه الأخير؟
قدم أعضاء اليونسكو خلال اجتماعات لجنة التراث العالمي في دورتها الرابعة والأربعين، تقييمًا شاملًا حول وضع مدينة القاهرة خلال الفترة الأخيرة. «باب مصر» يعرض أبرز ما جاء في الاجتماع الذي أقيم عبر الانترنت، وكذلك التوصيات التي قدمها اليونسكو للحكومة المصرية خلاله.
اجتماع اليونسكو
تحدث الأعضاء – خلال الاجتماع- عن المشاكل الرئيسية التي تعاني منها القاهرة. ومن بينها المياه (المطر/ المياه الجوفية)، والتي تؤثر بشكل كبير على المباني بشكل كبير. وكذلك تحدثوا عن تهدم البنية الأساسية داخل المدينة، بالإضافة إلى الإهمال وافتقار الصيانة، وكذلك استمرار وجود العشوائيات بداخلها، مع غياب خطة شاملة لحفظ المناطق الحضرية، بالإضافة إلى عدم وجود خطة متكاملة لحدوث نشاط اجتماعي واقتصادي، والذي يمكن من خلاله الربط بين النسيج الحضري والنسيج الاجتماعي الثقافي لجوهر المدينة.
النسيج العمراني التاريخي
وأشار تقرير اليونسكو إلى زيارة بعثة الرصد التفاعلي المشتركة بين مركز التراث العالمي والمجلس الدولي للمعالم والمواقع ICOMOS إلى القاهرة في الفترة من 9 إلى 13 يونيو 2019. حيث قدمت البعثة عدة ملاحظات واستنتاجات من بينها تزايد تدهور النسيج العمراني في القاهرة، بالإضافة إلى أن النسيج العمراني التاريخي يعاني بدوره أكثر من الآثار المحمية الفردية. وتحدث التقرير عن أن الإهمال ونقص الصيانة يؤديان إلى تدهور إلى ما هو أبعد من إعادة التأهيل وقد يؤدي إلى الانهيار التام لبعض المباني. وهو الأمر الذي يحدث في عدة أماكن في القاهرة.
توصيات بعثة 2019
قدمت البعثة في ذلك الوقت عدة توصيات. اعتمدتها لجنة التراث العالمي في دورتها الثالثة والأربعين (باكو، 2019). إذ دعت إلى وقف فوري لهدم المباني القديمة، بالإضافة إلى تعديل قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 والذي يسمح بالهدم من قبل المالكين لأسباب تتعلق بالسلامة من الانهيار.
وقد طالبت البعثة وقف أية عملية قطع أو توسيع للشوارع. لتحسين حركة مرور المركبات، بالإضافة إلى ضرورة تحديد رؤية شاملة وذلك للحفاظ على المدينة الحضرية التاريخية. وطالبت البعثة بضرورة تفعيل مرسوم عام 2014 بشأن تشكيل لجنة وزارية مشتركة. وذلك لإدارة القاهرة التاريخية وتوضيح أدوار ومهام أصحاب المصلحة الرئيسيين.
تقرير حكومي
جاء رد الحكومة المصرية بشأن التوصيات التي اعتمدتها اللجنة. إذ إنها تحدثت عن أن قرارا رقم 90 لسنة 2016 وهو المعني بتحديد ارتفاعات المباني في بعض المناطق. وأنه لا يجوز ارتفاع المباني المجاورة للآثار عن ارتفاع الأثر المجاور. ويحتسب ارتفاع الأثر عند منسوب سطح جسم الأثر. وتشمل لجنة التراخيص ممثلة في قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، التابعين لوزارة السياحة والآثار، بالإضافة إلى الجهاز القومي للتنسيق الحضري، ومحافظة القاهرة.
تطرقت الحكومة أيضًا إلى مشروع تطوير القاهرة التاريخية. إذ أوضحت أنه قد تم تقسيم المشروع إلى ثلاث مراحل أساسية وهي؛ المرحلة الأولى (جمع البيانات)، والمرحلة الثانية (تحليل البيانات)، والمرحلة الثالثة تضمنت الرؤية الإستراتيجية للتنمية المستدامة.
القاهرة التاريخية
وبالنسبة لما يخص القاهرة التاريخية. فقد تحدثت الحكومة إلى أنه قد تم مناقشة الهيكل الإداري لمشروع تطوير القاهرة التاريخية، بالإضافة إلى الهيكل الإداري المقترح لموقع التراث العالمي. وكذلك استخدام قاعدة بيانات المشروع. أما بالنسبة لمشاريع ترميم المباني الأثرية في القاهرة التاريخية فهي جارية ويتم تنفيذها وتمويلها من قبل وزارة السياحة والآثار ومن ضمنها مشروع حملة لإنقاذ مائة مبنى أثري والذي حقق تقدمًا ملموسًا، بالإضافة إلى الحفاظ على مجموعة مهمة من المباني الأثرية ودخول مجموعة أخرى في مرحلة التنفيذ.
وقد أوضحت الحكومة أن العمل هذا يأتي بالشراكة مع العديد من الجهات الحكومية في الدولة والعديد من المنح لكيانات ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدني سواء المحلية أو الدولية أو الأجنبية، بالإضافة إلى التمويل الحكومي لمشاريع الترميم في القاهرة التاريخية.
بعثة 2021
تحدث تقرير اليونسكو عن أنه قد تم إيفاد بعثة استشارية لليونسكو إلى مصر في الفترة من 30 يناير إلى 4 فبراير 2021. وقد نظرت البعثة في العديد من القضايا المتعلقة والتي تخص ممتلكات التراث العالمي، بما في ذلك القاهرة التاريخية. إذ تم عقد اجتماعات وصفت أنها “رفيعة المستوى” وذلك لتقديم مقدمة مفصلة لاتفاقية التراث العالمي والمبادئ التوجيهية التشغيلية الخاصة بها.
توصيات البعثة
قدمت بعثة 2021 عدة توصيات منها؛ ضرورة التنفيذ الكامل لتوصيات بعثة المراقبة التفاعلية لعام 2019، لاسيما فيما يتعلق بضرورة الانتهاء من خطة لإدارة القاهرة التاريخية. وكذلك ضرورة تقديم معلومات كافية تخص أي مشاريع كبرى، داخل القاهرة، وعمليات الهدم، وذلك لتجنب التأثيرات على النسيج التاريخي والحضري بالقاهرة. بالإضافة إلى ضرورة مشاركة المعلومات مع مركز التراث العالمي وفقًا للفقرة 172 من الإرشادات التشغيلية، قبل تنفيذ مثل هذه المشاريع.
طالب تقرير اليونسكو بضرورة عدم اتخاذ قرارات هدم لأية مبان إلا عندما لا يكون هناك بديل آخر ممكن. وأن يكون الهدم في هذه الحالة ضَرُورِيًّا لأسباب تتعلق بالسلامة ويخضع لإتباع الإجراءات المعمول بها، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز التواصل والتعاون مع المجتمعات المحلية.
فيما تحدث التقرير أيضًا عن أنه في 26 إبريل 2021، أبلغت الحكومة المصرية، اليونسكو بإصدار قرار يأمر بوقف تصاريح الهدم في منطقة القاهرة التاريخية.
استنتاجات مركز التراث
قدم التقرير تحليلًا كاملًا لأعمال جميع اللجان التي ذهبت إلى مصر منذ عام 2019 وحتى عام 2021. إذ أشارت بعثة عام 2019 إلى أنه قد تم إحراز تقدم خلال السنوات الخمس الماضية. لكنها أشارت إلى أنه لا يبدو إلى أن هناك تقدم أرض الواقع من حيث وقف التدهور المستمر في الهيكل الحضري أو تطبيق أنظمة أكثر صرامة على عمليات الهدم، كما طلبت اللجنة.
وانتقد اليونسكو قرار رقم 90 لسنة 2016 والصادر عن وزارة الآثار. وذلك لأنه تطرق فقط إلى المباني المسجلة في عداد الآثار. إذ إنه لم يحظر هدم المباني غير المسجلة. وقد رحبت اليونسكو بالقرار الذي صدر في مارس 2021، والذي يخص وقف تصاريح الهدم مؤقتًا.
نقطة حرجة
أشار التقرير إلى أن المباني في القاهرة قد وصلت إلى نقطة حرجة. وهي دليل على تدهور النسيج الحضري والذي يتزايد تدهوره يوم بعد يوم. فعلى الرغم من عدم معرفة العدد الدقيق لعمليات الهدم خلال السنوات الخمس الماضية، لكن من الواضح على أرض الواقع أنها تؤدي بشكل تراكمي إلى تحولات جذرية في بعض مناطق المدينة.
وقد أفادت وسائل الإعلام أن هناك عمليات هدم للعديد من المقابر والأضرحة في المقابر التاريخية، والتي تقع في شمال وجنوب القاهرة، بسبب إنشاء طريق جديد، وهي منطقة تحتوي على آلاف من المقابر المتشابكة مع المباني التاريخية.
أشار التقرير إلى أنه لم يتم إرسال أي معلومات عن هذا المشروع مسبقًا إلى مركز التراث العالمي. وذلك لتقييمه من قبل الهيئات الاستشارية. ورغم أن هذه المقابر والأضرحة المهدمة ربما لم تكن محمية ضمن عداد الآثار، إلا أنها مهمة بالنسبة للنسيج الحضري التاريخي.
وقد أشار التقرير إلى أن مركز التراث العالمي أرسل رسالة في يوليو من عام 2020 إلى الحكومة المصرية، يطلب فيها تأكيد هذه المعلومات المتداولة حول هدم المقابر التاريخية، بالإضافة إلى تقديم أي معلومات ذات صلة، إلا أنه لم يتم تقديم أي من هذه المعلومات حتى الآن. وهذا يؤكد لوجود حاجة ملحة لإتباع نهج منسق وكلي. فيما يتعلق بالحفاظ على النسيج الحضري، والمباني والآثار الفردية، بما يتماشى مع خطة رئيسية شاملة. لاسيما فيما يتعلق بمشاريع التنمية والبنية التحتية الكبرى.
تهديد تراكمي
أشار التقرير أيضًا إلى أن مدينة القاهرة التاريخية تعكس تعاقب العواصم على مدى تسعة عشر قرنًا. وفي حين أن منظرها العمراني التاريخي “المعقد” لا يزال موجودًا في أجزاء كثيرة. إلا أن سماتها للقيمة العالمية الاستثنائية تتعرض للتهديد بشكل تراكمي من خلال، الانحلال الوظيفي، والهدم، ومؤخرًا، تطوير البنية التحتية على نطاق واسع والذي يقطع أنماطها الحضرية. لذلك فهناك حاجة إلى تدابير عاجلة وإجراءات سريعة لوقف الاتجاه الحالي. حتى يتم وضع الخطط اللازمة لتمكين الهياكل الإدارية للمضي قدمًا في مشروع الحفاظ الذي يقوم على حماية القيمة العالمية الاستثنائية. مع تحسين الهياكل الاقتصادية والاجتماعية في نفس الوقت بالمدينة، وبالتالي سد الفجوة بين الحفظ والتنمية.
تطرق التقرير مرة أخرى إلى قرار رقم 90 لسنة 2016. والذي يخص تحديد ارتفاعات المباني في بعض المناطق. إذ أوضح التقرير إلى أن القرار سيشكل الأساس لتطوير اللوائح الخاصة بـ17 منطقة تاريخية مقترحة في القاهرة. وقد يعني ذلك أن اللوائح الجديدة ستوجه بشكل أساسي إلى شكل التطوير الجديد بدلًا من صيانة وترميم وتجديد وتحديث الهياكل التاريخية غير المحددة.
الشكل الحضري
يبدو أن هناك تركيزًا على المعالم الأثرية الرئيسية مع الحفاظ على الشكل الحضري. مع عدم الإشارة إلى الشوارع والمنازل التي تعكس طبقة فوق طبقة من التاريخ. ومما يثير القلق أيضًا أن خطة التنمية المستدامة ستحدد مجالات إعادة التأهيل التي يمكن تقديمها لشركات التنمية بالتنسيق مع مركز الآثار والبيئة بجامعة القاهرة. لذلك يجب أن يكون استخدام العديد من الأسواق التقليدية كأساس للانتعاش الاقتصادي وتنشيط الثقافة المحلية جزءًا من نهج متكامل للحفاظ على المناطق الحضرية.
وتحدث التقرير في نهايته عن أن التفاصيل المقدمة من جانب الحكومة حول هذه المشاريع لا تزال غير كافية لإثبات أن التدابير المتخذة تحقق الأثر المنشود. إذ يبدو أنه لا يزال هناك تركيز قوي على الآثار المدرجة ضمن عداد الآثار المسجلة. لكن ما يجب التركيز عليه أيضًا هو تقديم الدعم والحفاظ على الهياكل التقليدية ومنع هدمها. فلا يزال التقدم بطيئا للغاية في تحسين الإطار العام للإدارة حتى الآن.
في نهاية تقريرها طالبت اليونسكو بضرورة تقديم الحكومة بحلول شهر فبراير من عام 2022. تقريرًا محدثًا عن حالة الممتلكات وتنفيذ ما ورد في التقرير، كي تناقشه لجنة التراث العالمي في دورتها الخامسة والأربعين في عام 2022.