في ندوة «باب مصر» عن السينما وذاكرة المكان: حلول لإنقاذ الأرشيف الضائع

تحت عنوان «السينما..ذاكرة المكان» نظم موقع «باب مصر» الإلكتروني التابع لشركة ولاد البلد للخدمات الإعلامية، ندوة على هامش المعرض الفني، في مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، بالتزامن مع احتفاء السينما المصرية بمرور مائة عاما على تاريخها، لمناقشة سُبل الحفاظ على الأرشيف السينمائي المصري.

السينما والمدينة التي كانت

شارك في الندوة عصام زكريا، الناقد السينمائي ورئيس مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، والدكتور مجيب الرحمن عامر، أستاذ تاريخ العمارة والمدن، وأدار اللقاء الكاتب الصحفي محمد شعير. في حضور عدد كبير من المثقفين من بينهم الدكتور عماد أبوغازي المؤرخ ووزير الثقافة المصرية الأسبق، هاني أبوالحسن رئيس صندوق التنمية الثقافية، ياسر عثمان مدير مكتبة القاهرة الكبري، الفنان التشكيلي طارق مأمون.. وآخرون.

في البداية تحدث محمد شعير عن قيمة الأفلام السينمائية باعتبارها وثيقة مرئية تتناول المكان وشكله والتغييرات التي طرأت عليه. بدءا من أول فيلم مصري “برسوم يبحث عن وظيفة” إنتاج عام 1923 لرائد السينما المصرية محمد بيومي، وعلى مدار التاريخ السينمائي المصري، مثل فيلم “الحياة والموت”.

وأضاف أنه تظل السينما وثيقة تقدم شكل المدينة الذي كان، والتغييرات المتسارعة التي تطرأ عليه، وطوال هذه السنوات وثقت أفلام تم تصويرها في القاهرة والإسكندرية هذا التغييرات. من بينها حديقتي الحيوان والأورمان المُهددة بالاختفاء خلال السنوات الخمس القادمة.

وأشار شعير إلى محاولات الكُتاب لإنقاذ الأرشيف السينمائي. حيث كتب عصام زكريا سلسلة مقالات تناول فيها التهديدات للتراث السينمائي في ثلاجات الحفظ. فضلا عن أن بعضها تم بيعه لجهات أخرى مُحافظة على هذه الأفلام لتعرضها للرقابة الشديدة.

وقال: “الفيلم الذي يتم عرضه على قناة ما يتم حذف 20 دقيقة منه وأكثر من قناة تعرض فيلم واحد بأكثر من مدة. ولا يوجد لدينا مرجع مصري نعرف من خلاله مدة ومشاهد الفيلم الأصلي. رغم كل المطالب لعمل أرشيف سينمائي مصري في الصحف والمجلات، التي قادها الناقد المصري سمير فريد في السبعينات. ومنها حملة عام 1979 في جريدة الجمهورية قال فيها أن الفئران ستأكل نيجاتيف الأفلام وبعد 50 سنة لن يوجد أرشيف سينمائي”.

الأرشيف السينمائي

من جانبه قال الناقد السينمائي عصام زكريا: “هناك الكثير من الجهود نتمنى تنفيذها. لأن كل فترة تتكرر المناقشات لانفعال وحماس لكن في النهاية تصل الأفكار إلى نقطة معينة وتتوقف لعدة أسباب من بينها البيروقراطية. وكان الدكتور عماد أبوغازي وزير الثقافة الأسبق شاهدا على المحادثات السابقة”.

وكشف أن أي نجاح سيكون من خلال إصدار تشريع قانوني على مستوى الجمهورية للحفاظ على الأرشيف السينمائي ومع وجود مؤسسة لديها صلاحيات. خاصة في ظل فقدان الكثير من الأفلام المصرية بين العراق وأوروبا وأمريكا اللاتينية. موضحا أن فكرة الأرشيف السينمائي تتضمن 3 اتجاهات مختلفين (متحف – مكتبة – أرشيف سينمائي) الأول لمقتنيات المشاهير، والثاني مكتبة للباحثين والأرشيف للحفظ وليس للاستهلاك اليومي.

وأشار زكريا إلى أن مشكلة السينما، الفيلم يكون له نسخة واحدة أصلية فقط مثل اللوحات الفنية. وحال تعرض هذه النسخة للتلف كأن الفيلم لم يُوجد، ومشكلة النيجاتيف أن له عمر افتراضي وبعد ذلك يتحلل تلقائيا نتيجة العوامل الطبيعية لهذا يستوجب الحفظ بطريقة علمية.

وهذا ما حرص عليه المعهد السينمائي وكان النواة الأولى للأرشيف السينمائي. لكن بمرور الوقت قد تحدث حرائق أو الفئران تأكلها، ونتيجة الجهود آخر التسعينات عبر تنفيذ ثلاجة حفظ الأفلام. لكنها في النهاية لن تحفظه بشكل مثالي لعمر النيجاتيف الافتراضي، في ظل غياب الخدمة اليومية والفحص الدوري للأفلام.

النيجاتيف وثورة التحول الرقمي

وعلى حد وصفه فإن الثورة الرقمية يسرت هذه المهمة. خاصة أنه بالإمكان عمل نسخ ديجيتال تعادل النيجاتيف في الجودة بل أفضل، مع معالجة النسخة الأولى. ويقول: “حال الفيلم بنفس الجودة سيتم حفظه عبر نسخ لانهائية وقيمة النيجاتيف ستصبح مثل قيمة المتحف والأجيال القادمة ستود رؤية شكل النيجاتيف قديما”.

وتابع: “عند الكشف على أفلام الثلاجة سنكتشف المفاجآت لأن بعضها سيكون تحلل وأخرى بأسماء خطأ أو بها جزء مفقود. وكل هذه الأفلام ستكون بحاجة إلى عمل يومي للحفاظ عليها. والخطوة الأولى ستكون عن طريق حفظها ديجيتال. وهنا جهود في هذا السياق مثل جهود روتانا وبعض المهرجانات العربية مثل البحر الأحمر والقاهرة والإسماعيلية في مجال الأفلام الوثائقية التي تعد منسية”.

بالإضافة إلى جهود هيئة الاستعلامات عبر رقمنة ما تم الحفاظ عليه من أفلام روائية. والطريقة الصحيحة هي ترميم النيجاتيف مثل اللوحة وعمل نسخة رقمية منه.

وعن الخطوات المُقترح إتباعها، يقول: “الأولى هي ترميم الأفلام التي في حوزتنا ورقمنتها وعلاجها، وحل المشكلة الثانية لاختلاف مدة الأفلام من قناة لأخرى. عبر الرجوع إلى النيجاتيف الأصلي الذي أحيانا يكون مفقود ونستعين بالنسخ غير الأصلية لاستكمال النيجاتيف وهناك وظائف متخصصة في البحث واستكمال الأفلام”.

وعن إشكالية التمويل أوضح: “الشكوى دائما من التمويل لكن اعتقد أنها ليست مشكلة، فالمشكلة هي أننا نطالب بوجود تشريع. وحال تدشين المؤسسة ستجد طريقها للتمويل عبر الشراكات مع  مؤسسات عربية ودولية مثل التي تتعاون مع مهرجانات وأرشيفات عالمية مقابل نسخة تحتفظ بها بدون حق استغلال تجاري. وأي أرشيف عالمي لا يتضمن عبء على الدولة”.

عن كيفية الاستفادة من الأرشيف السينمائي، أوضح الناقد السينمائي: “الدولة لديها أفلام تستطيع الحفاظ عليها ومنع بيعها. ويستهدف التشريع حفاظ الدولة على أي فيلم يتم تصويره في مصر عبر الاحتفاظ بنسخة عالية الجودة منه لغرض الأرشفة كتراث قومي يحمل رقم إيداع مثل الكتب وليس للاستغلال التجاري. وحال عرض الفيلم يكون المقابل دفع مبلغ بسيط لأصحاب الحقوق، لكن الأهم هو الحفاظ على النسخة”.

العمارة والمدينة في السينما

لا تقتصر أهمية الأرشيف السينمائي على حفظ الأفلام لغرض المشاهدة الترفيهية فقط. لكن الدراسة والبحث أيضا، نظرا لوجود علاقة وثيقة بين ما تقدمه الأفلام من أدلة شاهدة على تحول المدن. وتطرق الدكتور مجيب الرحمن عامر، أستاذ تاريخ العمارة والمدن للحديث عن الأرشيف السينمائي باعتباره وسيلة لتوثيق المكان.

وإجابة عن سؤال: “هل تعتقد أن السينما تقدم أبعاد جديدة للمدينة بتناقضاتها”. قال موضحا: “رصدت رسالتي للدكتوراه 3 أدوار للفيلم السينمائي تتجاوز البحث. باعتبار السينما أولا أو الفيلم أرشيف متحرك ناطق لا نستطيع فصله عن أنه واقع. لكن عبر منهجته في الأسلوب العلمي الدقيقة لفهم المدينة في زمن ما من الأزمنة”.

وأضاف: “نستطيع من خلال الفيلم رصد كيفية رسم المدينة، مثل فيلم شارع الحب والعبارة الأولى المدونة في بدايته. وهو أداة لتوثيق نبض المدينة في زمن ما لواقع المجتمع. أما الدور الثاني يعد أعمق وتناولته باستفاضة في الدراسة، عن كيفية تحليل مجموعة من المفاتيح في الخريطة.

وضرب مثالين بالترتيب الزمني، الأول فيلم “باب الحديد” في مشهد حديث يوسف شاهين مع هند رستم عن شراء المزرعة. وردت عليه: “أفتحلك بيبس!”، بخلاف تعبيره عن واقع وأنه بداية الفيلم، لكنه يحكي أيضا عن قناوي الذي جاء من مكان مجهول ودلال الاسم لها عامل (قناوي مشتقة من قنا). الذي ترك البيئة الريفية وانتقل إلى المدينة بحثًا عن الثراء والازدهار، ووجد نفسه في بحرٍ من التغييرات.

تمثال رمسيس

وفي مشهد آخر لقناوي تنتقل الكاميرا لتمثال رمسيس. حيث يشاهد الكادر يتحرك من موقعٍ إلى آخر، وكأن المخرج يريد التأكيد على أن الأصل الحقيقي لقناوي ورمسيس متشابه وأن كلاهما غادر مكانه الحقيقي في الصعيد.

واستكمل: “هناك لقطات من فيلم “سواق الأتوبيس”. حيث يتم تصوير مشهد لضرب حرامية، ويظهر المدرس زكي الذي ينادي على صورة جامعة الدول العربية. ويعبر ذلك عن الفشل والانهيار لمشروع الزعامة المصرية في الدول العربية. وبخاصة بعد وفاة عبدالناصر على إثر مؤتمرٍ عُقد في إحدى هذه الجامعات”.

أما الدور الثاني يوضح أستاذ العمارة والمدن: “هو دور التنبؤ في فهم الواقع في الأفلام السينمائية، وذلك عن طريق دراسة التكتيكات المستخدمة في الفيلم. مثل حركة الكاميرا والموسيقى وغيرها. ويمكن تسمية هذه التكتيكات بـ”المحددات” التي يمكن استخدامها في التحليل والفهم. مثل فيلمي “عمارة يعقوبيان” و”آخر أيام المدينة” التي ساهمت بشكل كبير في توثيق النوستالجيا لفقدان التراث والمخاطر التي تواجهه”.

وذكر أيضًا مسلسل “الملك فاروق” والذي تم تصويره في استديوهات ورغم ذلك لقي تفاعل كبير. لافتا إلى أهمية المحافظة على التراث. باعتبار هذه الأعمال الفنية يمكن استخدامها كمنبهات توعوية تعلمنا كيفية الحفاظ على المدن وحمايتها من التدهور ومعرفة أسباب اعتلال المدينة.

وأشار عامر إلى قضية أخرى وهي سبل تعاون السينمائيين مع المهتمين بتراث المدينة وإنقاذها. وقال: “عبر اللجوء إلى المتخصصين قبل إصدار أي عمل سينمائي، ليتمثل دوره كالمراجع اللغوي ولكن من الناحية المعمارية والعمرانية. هناك خطأ حدث في مسلسل الفتوة الذي تدور أحداثه في القرن الثامن عشر ويظهر بإحدى المشاهد مئذنة مسجد الرفاعي الذي اكتمل بناؤه في القرن العشرين وهذا خطأ كبير. فالمبدع كنز للباحث وكلما درس المبدع العمل السينمائي كانت نتائجه أفضل”.

ذاكرة السينما بريشة فنانين

وجاءت الندوة على هامش المعرض الفني “ذاكرة السينما” الذي يضم 30 عمل لمجموعة من الفنانين التشكيليين. وهم: محمد عبلة، وفتحي عفيفي، وعماد أبوجرين، وأروى جمعة، وأحمد عزت، ومهاب عبدالغفار، وهاني عبدالجواد، ورضا خليل، وأدهم لطفي.

تتسم الأعمال الفنية بأنها تحمل مشاهد أو أشخاص من السينما المصرية. مثل لوحات أكريلك على خشب للفنان أحمد عزت لعدد من الممثلين مثل فؤاد المهندس، تحية كاريوكا، هند رستم، ونادية لطفي.

ولوحات أخرى زيت على توال أو اكريلك على توال. ويتضمن المعرض لوحة للفنان محمد عبلة تمثل مشهد من فيلم رد قلبي، ولوحة أخرى من فيلم “شيء من الخوف” للفنان رضا خليل.

اقرأ أيضا:

اليوم.. فعاليات «السينما ذاكرة المكان» بمكتبة القاهرة الكبرى

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر