«قرون الخروف» أبرزها.. المعلقات السحرية على أبواب البيوت في الصعيد
«قرون خروف، حروف هيروغليفية، كف مصبوغ بالدماء، حذاء بالي».. موروثات شعبية مازال الأهالي يحرصون على تعليقها أو كتابتها أو حتى طبعها على وجهات منازلهم وإن كانت القديمة منها بكثرة، في اعتقادهم هي ترمز للحماية أو حفظهم من الشر أو ما إلى ذلك من دلالات يحفظونها عبر السنين.. «باب مصر» يبحث في أصل هذه المعتقدات.
تراث شعبي
يقول العم سيد، من نجع حمادي، عن تعليق قرني الكبش أو الرسومات التي يحرص الأهالي على رسمها على وجهات المنازل: “عادات توارثناها من الأجداد، تجلب الحظ، وتحفظ البيوت من الشر”، وهو ما اتفقت معه الخالة بخيتة، مشيرة إلى أنها لا تعلم لماذا يتمسك الأهالي بمثل هذه العادات، ولكن نحن خلقنا ووجدناها تميز وتزين أبواب منازلنا.
وحول تفسير تلك الموروثات يقول الدكتور مصطفى جاد، عميد المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون لـ«باب مصر»: المعلقات السحرية تندرج تحت قسم التراث الشعبي لدينا، ولكنها تختلف إن كانت على السيارات أو الأبواب أو الأشجار، ومنها ما هو خاص بالنصوص القرآنية، ومنها متعلقات مثل حدوة الحصان، الكبش، الأحذية، مثل تعليق حذاء بالي على السيارة لفلق العين.
ويشير جاد إلى أن الوظيفة الأساسية للمعلقات مرتبطة بدرء العين والحسد، ومن أشهر الأدوات تعليق “حدوة الحصان” في المنزل للحماية من العين والحسد، وأيضًا تعليق “الكف” قد يكون متشكل، أو كف مصبوغ بدم الأضحية، ورمز الكف معروف بالرقم (5)، والبعض يفسره بكف السيدة فاطمة ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتابع جاد: قد تكون المعلقات أيضا حيوانية، مثل “القرون” للكبش، التماسيح المحنطة، الأسماك، وعين الذئب، تجعل الرجل متحفز، وسن الذئب يعلق في رقبة الصبي الصغير لحفظه، وهناك معلقات لها وظيفة مثل الثوم لطرد البرص، وهناك معلقات أخرى لها وظيفة داخل المنزل مثل “الشعاليق” عند النوبة، وهو حامل من الخوص يوضع به الطعام والخبز حماية من الحشرات.
ويوضح جاد أن هذه الموروثات مرتبطة بمصر كلها وليست الصعيد فقط، أيضًا هناك الأحجبة بها رسومات معينة، وبعض الناس يفضلون الأحراز وبها نصوص قرآنية، وأخرى مرتبطة بالأئمة، وهناك أيضا حمائل، مثل الجعران المرتبط بعصور المصريين القدماء، رسوم هيروغليفية مرتبطة بالمأثورات الخاصة بحماية الإنسان من الشرور في تراثنا الشعبي، هذا كله مرتبط بالتفكر المصري القديم.
ونوه جاد بأنه هناك شكل الصليب والمصحف، عبارة عن مربعات سحرية من المعلقات، فالموروثات لا تموت عبر العصور، إنما تتجدد بأشكال مختلفة فتأخذ طابع العصر الذي تعيش فيه، البعض يلجأ للكتب التراثية لمعرفة معاني تلك الرموز. فالعناصر قد يكون فيها بعض التغيير في الشكل والمضمون وفق البيئات الجغرافية – على سبيل المثال – عادة خلاصة المولود ورميه في النيل تعتبر حماية للطفل، قد تختلف من بيئة النيل لترعة أو بحيرة أو صحراء، أو بحر، واحات، ريف، حضر.
ويختتم جاد حديثه: نعكف على دراسة الجماعة الشعبية، وما هي الممارسات التي تقوم بها بغض النظر عن تقييمها صواب أو خطأ جيدة أو سيئة، لتفسير ما تقوم به في مجالات التنمية والسياسة والاقتصاد وغيرها، على سبيل المثال عادة الثأر أو زيارة الأموات في الأعياد، هي ليست دعوة لتلك العادات، إنما هناك سلوكيات ومظاهر لتلك العادة يمكن دراستها بشكل تحليلي لتفسيرها، هناك أيضا طفل القرى الذي يعاني من مرض ذهني فيطلق عليه مبروك، الجانب الآخر هو حيلة لحمايته من الإيذاء عن طريق تعريفه بأنه مبروك.
أصل فرعوني
يشرح عمر صلاح، باحث في الآثار المصرية بجامعة القاهرة، الموروثات الشعبية، فيقول: ليست عادة وضع قرنا الكبش على أبواب المنازل فقط العادة المتوارثة من المصريين القدماء في الصعيد، هناك أيضًا بعض العادات التي تظهر في سلوكيات الناس مثل، زيارة المقابر كل خميس، توزيع الرحمة والنور، استئجار معددة في المآتم، رش الملح للتطهير.
ويضيف، أما عن تعليق “قرون الخرفان” تحديدا، ففي عصر المصري القديم كان يستخدم قرني الثور، والخروف والثور حيوانات، والمصري القديم لم ينظر للحيوان ككيان مادي، وإنما رمز لصفة بعينها يتميز بها الحيوان، وهذا يفسر عبادته للبقر والثور، فهي لم تكن عبادة للحيوان، وإنما رمز للصفة الحسنة في هذه الحيوان.
وتابع: الثور كان يرمز عند المصريين القدماء للخصوبة والقوة، وحين أراد المصري التعبير عن هذه المفاهيم المعنوية أتخذ من قرني الثور أداة يتم تعليقها في المنازل والمعابد معتقدًا أن الثور حين يموت جسده تبقى الروح التي كانت تسكنه وهي روح مقدسة، نفس فكرة نفخ الله سبحانه وتعالى الروح في الطين لخلق سيدنا آدم، وهذه الروح شئ مقدس من الله.
كما أن المصري القديم أدرك نفس المفهوم، فكل البني آدميين والحيوانات فيهم من روح الإله، فبالتالي الكيان المادي أي الجسد عند موته وفناءه لا تموت الروح، فعند أخذ القرون منه ووضعها على باب منزل أو في المعابد مرتبط بمفهوم حمايتها أو وقايتها عن طريق طرد الأرواح الشريرة وتطهيرها، واستخدام القرن تحديدا لأنه لا يفنى أي لا يتحلل.
ويوضح صلاح، حتى تاج الملك كان يركب من عناصر حيوانية ويستخدم فيها القرن، وهناك في قاعة تماثيل المعبودات في المتحف المصري، توجد أجزاء منفصلة من التيجان البرونزية ويوجد بها قرون أبقار وخرفان وثور وريش نعام.
ويذكر الباحث، أن القرون أيضًا استبدلت بشكل خاص في العصر الدولة الحديثة بداية الأسرة الـ18 باللوحات التي تحتوي على تعويذة للشفاء، أشهرها لوحات حورس السحرية يرسم عليها المعبود “خربا غرت”، أي طفل ممسك بثعابين وعقارب وأسود اللون يقف على تمساح، يصب عليها مياه في مزراب على اللوحة من الأمام حيث تكتسب المياه المصبوبة بركة الكلمات المنقوشة، ويشربها لمريض أو شخص لديه علة.
التاريخ الإسلامي
ويوضح محمود مدني، باحث في الآثار الإسلامية والقبطية بمصر العليا: أن استخدام قرنا الكبش هي عادة رمزية، وقرن الخروف في حد ذاته ما هو إلا رمز للفدو، ويدلل على أن هذا المنزل يفدي في كل عام على سبيل التفاخر والتباهي، وهذه الموروثات انتهت بتعاليم الإسلام وإنما تبقى الرمزية وهي الموجودة في الفن الإسلامي.
أما عن الرسوم على أبواب المنازل والنقوش، فيقول مدني: نحن مجتمع رمزي بطبعه، نكتب ونرسم على البيوت وعلى شواهد القبور، ونعلق أشياء قرنا الكباش أو حذاء قديم، في إشارة منه للتعبير عن شئ لا يستطيع التعبير عنه.
ويختتم: هي موروثات ومن خلال الفن الإسلامي صبغت الرمزيات بالطابع الديني، وعلى مر العصور تجد كتابة على المنزل منها عبارات مثل الشهادتين، أو الله أكبر، والله، والله محبة أو رسم لهلال أو لصليب مكان التهوية أعلى الأبواب.