قراءة فى رواية "شتاء أخضردافئ" للكاتب أحمد الشريف

“شتاء أخضردافئ”رواية جديدة للكاتب أحمد الشريف ،عن دار ألف ليلة، تدور أحداثها فى عدة مدن اسكندنافية أوسلو ،النرويج ، كوبنهاجن، وتسرد مجموعة من الأحداث، وترصدعلاقات بين شخصيات عدة عبر حزمة من روابط سردية تشكل عالم الرواية، وقد نجح الكاتب بامتياز فى أن يحول مفهوم السرد، من مجرد عرض للأحداث، إلى نظام من التواصل، وصياغة جديدة للواقع الذي يتكلم عنه، وهوما جعل الرواية عملا يتمايز ويختلف عن معظم الأعمال الروائية التى كانت ” الغربة” تيمتها المركزية المهيمنة أو ما يسمى برواية الغربة.
“صدقوني لوقلت لكم إن ما أشعر به هنا ، هو إنني في الصيف رغم الثلج والبرد هذا الشعور يلاحقني في الأماكن التي أذهب إليها، محطة المترو، الباص ،القطار، السوبر ماركت ،المباني العامة ،الجامعة ،الشوارع في النهار في الليل ، عند رؤيتي للناس وحديثي معهم، في العمل وفي كل مكان ، حاولت أن أحلل ذلك ولم أصل لنتيجة ، في بلدي والبلاد الأخري التي أقمت بها هناك صيف وشمس علي مدار العام تقريباً، لكنني كنت دائماً أشعر بالشتاء والبرودة تحاصرني من الخارج والداخل ، أما هنا فأشعر بصيف ودفء وانني إنسان.”
كما أن “شتاء أخضردافئ” لاتطرح فكرة الصدام الحضاري بين الشرق والغرب , التى كانت تيمة روايات  لكتاب كثر فى العالم العربى، لكنها تعالج الموضوع الكلاسيكي لفكرة التفاعل مع الغرب، وهو الموضوع المركزي للأدب العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر، من خلال تقنية السرد المتفتت التى تسيطر على الرواية، وابتعادها عن المواضيع الكبيرة وتركيزها فقط على الحياة اليومية للعديد من الشخصيات التى تنتمى لثقافات وجنسيات من كل قارات العالم، حيث تزدحم الرواية بأناس من جذور مختلفة مهاجرين، سودانيين وصوماليين، أفغان وصرب ،عراقيين، ماليين، فلسطينيين، صينيين، أيسلنديين، برتغاليين، وغيرهم .
وهو ما جعل الكاتب يرفض السرد الخطي للرواية الواقعية عارضا تجاورا للشظايا السردية والتي تتجاور بلا أي بنية مهيمنة أو حبكة موحدة، كذلك لم يظهر بالرواية صراعا جدليا بين الخاص و العام، فقد كان  هاجس الكاتب الذى سيطر على عمله حتى أخر كلمة فيه هوالحياة الداخلية للشخصيات، وبالرغم من التأرجح بين تقلص المساحة القصصية للحياة الداخلية حينا وتمددها حينا آخر، فقد وظف الكاتب هذه التقنية بشكل متميز جعل كل شخصيات العمل تختبرنفسها وتكتشف وجودها كجزر معزولة في بيئة اجتماعية وثقافية مغايرة لبيئتها وثقافتها.
ولم يثر الكاتب من خلال هذه السياق السردى أسئلة معرفية تتعلق بكيفية فهم شخصيات الرواية للعالم، ولاكيف تحدد موقفها منه،لذلك حملت الرواية نصا يمكن أن يكون متفككا وهذا ليس نقيصة فى النص بل القصد منه سعى الكاتب لعرض شخوص روايته متعددو الأصوات والمعرضون للخطأ، مركزا على وجودهم بدلا من تأثير أفعالهم.
“قال إنها بلد مريح فى الإقامة ، غير أن كل شئ فى هذا البلد لا يبدو أنه يتحرك ، هناك حالة من الثبات والروتين والكلاسيكية تغلف المكان والناس”
ــ لماذا لا تحب هذا الشعب ؟ أسأله وأنا أحاول أن أسيطر علي مشاعري .
ــ لأني أشعر معهم أنني أجنبي وغريب .
ولأن الغربة حكاية مليئة بالتناقضات وبالتغيرات العصية على التبسيط، كونها قصة لصراع أواندماج بين حضارتين، وتخوف من فقدان الهوية والرغبة أحيانا في فقدها، حفلت “شتاء أخضر” بنماذج عدة من الشخصيات التى تعيش ألم الغربة ويباغتها الشوق للوطن، وتصور الرواية الحالة النفسية التي يعيشها المغترب وحالة الحزن العميق والحنين الدائم التى يبوح بها فى لحظات بكاء أو تذكر لقصة أو مشهد من ذاكرة مثقلة بالحنين،  وذات تواجه صعوبة التكيف فى مجتمع جديد، تضمحل فيه العلاقات الودية بين الأشخاص، ما جعل شخصيات الرواية جميعها على اختلاف ثقافاتها وجنسياتها تظهر مصابة بحالة من الهشاشة النفسية.
“شتاء أخضردافئ”  نص جميل  تحوطه قدرة رائعةعلى السرد بلغة سلسة وبسيطة لكاتب يعرف مكامن روعة اللغة العربية، وقادراً على التحكم فيها، متمكناً من أدواته الفنية وأسلوبه.
 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر