سقوط رفرف ميضأة السلطان حسن: هل نقول وداعا لهرم مصر الإسلامية؟

فوجئ المترددون على جامع السلطان حسن أمس بمنعهم من أداء صلاة الجمعة، حيث جرى إبلاغهم بوجود أعمال صيانة تتم داخل المسجد، مما اضطرهم في النهاية إلى البحث عن مساجد أخرى لأداء الصلاة. ولكن بعد بعد ساعات قليلة من تلك الواقعة تداول البعض صور تشير إلى سقوط بعض أجزاء الرفرف الخشبي للفوارة التي تتوسط صحن المدرسة، الأمر الذي استنكره الكثيرون خاصة وأنه هناك منذ فترة مطالبات من جانب المهتمين بالآثار بإجراء صيانة وترميم عاجل لميضأة المسجد بسبب وجود شروخ ظاهرة، مما يعرض الميضأة للخطر. وقد اعترفت وزارة الآثار في بيان صحفي بصحة واقعة سقوط الرفرف الخشبي الحديث لقبة الفوارة بجامع السلطان حسن، إذ ذكرت أن هذا الجزء قد تم استحداثه ضمن أعمال الترميم التي قامت بها لجنة حفظ الآثار العربية بالجامع خلال النصف الأول من القرن الماضي، وصرح الدكتور أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية وقال: إن قبة الجامع في حالة جيدة من الحفظ، وأن الجزء الذي سقط هو مستحدث، حيث قامت لجنة حفظ الآثار العربية في مطلع القرن الحالي باستبدال الرفرف الأثري المتهالك بآخر حديث وهو الموجود حاليا بالمسجد والذي سقط اليوم بفعل عوامل التعرية، كما تم تشكيل فريق متخصص من مرممي المجلس الأعلى للآثار للبدء الفوري في أعمال الترميم والصيانة لإعادته إلى ما كان عليه.

كراسات لجنة حفظ الآثار

وخلال رجوعنا لكراسات لجنة حفظ الآثار العربية وذلك لمعرفة مدى صحة الواقعة التي ذكرها رئيس قطاع الآثار الإسلامية التي تفيد بأن الجزء الذي سقط هو مستحدث، وجدنا أن ما ذكره صحيحًا بالكامل، إذ ذكرت كراسات اللجنة تفاصيل الواقعة بالكامل والذي جاء فيها: إنه فيما بين عامي 1907 و1908 وافق القسم الفني للجنة حفظ الآثار العربية الاجتماع على المقايسة الخاصة بترميم «الفسقية» التي تتوسط صحن المدرسة، وتشتمل هذه المقايسة على توريد شبابيك جصية معشقة بالزجاج الملون في دائرة القبة من الداخل والخارج وتركيبهما.

وأشار ماكس هرتس بك -عضو اللجنة- إلى أنه اتفق مع المقاول على أن يقوم بهذا العمل مقابل 3 جنيهات مصرية للمتر المربع. وفي 18 مايو من عام 1908 عرض على القسم الفني للجنة، مشكلة خاصة بالمقاول سيلفاني، (مقاول مدرسة السلطان حسن) جاء فيها أن المقاول يرى المبلغ المعتمد بالمقايسة وهو 200 جنيه مصري، وذلك لإصلاح قبة الفسقية يعد قليلًا بالنسبة للأعمال المطلوبة وإن الخسارة التي عادت عليه من ذلك تصل إلى حوالي 148جنيهًا مصريًا فلاحظ القسم الفني للجنة أنه ليس من اختصاصه البحث عما إذا كان المبلغ المعتمد بالمقايسة قليلا أو كثيرا بالنسبة لهذا العمل لأن المقاول كان لديه متسع من الوقت للتدبر في الأمر قبل التقدم بعطاء، ولكن نظرًا للصعوبات التي تعرض لها أثناء العمل قد قرر القسم الفني أن يمنح المقاول سيلفاني مبلغ 70 جنيهًا مصريًا زيادة عن المبلغ الوارد بالمقايسة.

غياب الترميم والصيانة

الدكتور حسام إسماعيل، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار بجامعة عين شمس، أوضح لـ«باب مصر»: أن سبب الأزمة يعود لغياب الترميم والصيانة، ففي الفترة الأخيرة أكملوا مشروع القاهرة التاريخية والذي بدأ في حدود عام 1992، وبدأ العمل الفعلي فيه مع بداية القرن الحالي، لكن للأسف باقي الآثار فهي في حالة تداعي يرثى لها، بسبب غياب الترميم والصيانة كما ذكرت، بالإضافة لغياب النظافة، فمدرسة السلطان حسن هىي أفضل حالًا من جميع الآثار الإسلامية الأخرى الموجودة بالقاهرة وفي مصر عمومًا، فجنوب القاهرة من ناحية باب زويلة وصولًا إلى الإمام الشافعي جميع الآثار الموجودة هناك في حالة تداعي، باستثناء القليل منها مثل قبة الإمام الشافعي، والتي انتهت من ترميمها مؤخرًا مي الإبراشي والتي سعت لتوفير منحة خارجية لترميمها، فجميع آثار القلعة والجمالية الواقعة خارج شارع المعز في حالة مزرية، فلا يوجد مبدأ لصيانة أثر على الإطلاق.

ويضيف: أتذكر أنه قبل أن يكون عندنا ميزانية لهيئة الآثار كان هناك «مقاول السنوية» وهو شخص يقوم بصيانة الأثر بصفة دورية من خلال عطاء، على أن يتم صرف مستحقاته فيما بعد، لكن في الوقت الحالي لا يوجد أي صيانة من أي نوع، فالأزمة الأساسية سببها هو غياب الدعم المالي المقدم من جانب الوزارة لصيانة وترميم الآثار، لأن معظم الميزانية يذهب لأشياء أخرى”.

وتابع: الإضافات التي تمت بمسجد السلطان حسن تعود لمطلع القرن الـ20، وبالتالي مر عليها أكثر من مائة عام وتعامل معاملة الأثر تمامًا وهذا ما ينطبق على ميضأة مدرسة السلطان حسن. ويطالب إسماعيل وزارة الآثار بتشكيل لجان أثرية لمعاينة حالات التداعي التي أصابت الآثار الإسلامية وتوفير ميزانية لها حتى تتم عملية الترميم، لأن ذلك هو جرس إنذار للآثار الإسلامية بشكل عام.

غياب الرقابة والمتابعة

الدكتور محمد حمزة الحداد، أستاذ الآثار الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، يرى سبب الأزمات الحالية هو عدم احترام القوانين واللوائح المعمول بها وكذلك غياب الرقابة والمتابعة، ولا يوجد رد من جانب المسؤولين للاستفسار ولا أقصد هنا ما حدث فقط بميضأة السلطان حسن، لكن نحن تعودنا على عدم الرد من خلال الهروب من الأسئلة، وهذا ما يفعلوه دائمًا فهل يعقل مثلًا إزالة طابية فتح الأثرية بأسوان لإنشاء مشروع خزان مياه؟، وهل يعقل أن يصمت المسؤولين عن تلك الواقعة، فحتى الآن لم أجد تصريحًا رسميا عن الواقعة، فهناك خلل ما يجب أن يعالج.

أما بالنسبة لميضأة السلطان حسن، فالمنظمات الدولية أوصت بترميم واستكمال الأجزاء الموجودة للحفاظ على الأثر، ولولا لجنة حفظ الآثار العربية وأعمالها لفقدنا ثلثي الآثار في مصر، لذلك فالمشكلة أنه يتم التلاعب بالقانون وبنص المادة الأولى من قانون حماية الآثار التي تقول فيما معناه بأن تسجيل الأثر يحدده فترة المائة عام كشرط لتسجيل الأثر «من وقت صدور القانون عام 1983»، أي أنه لا يتم الاعتراف بأي أثر أنشئ بعد عام 1883، لكن المادة الثانية من القانون ذكرت نصًا: أنه يتم التغاضي عن الحد الزمني في حالة وجود أي معلم أو مبنى يتيميز بقيمة تاريخية وفنية ومعمارية وأثرية وبالتالي يسجل بقرار رئيس مجلس الوزارء بناء على عرض الوزير المختص، فما فعلته اللجنة كان الهدف منه هو الحفاظ على الأثر، لذلك أنا أطالبهم بدلًا من أن يتلاعبوا بالقانون بأن يدركوا الخطأ الذي وقعوا فيه وأن يفعلوا المادة الثانية من القانون والتي تسمح لهم بالتسجيل، خاصة وأن مدرسة السلطان حسن هي رمز للحضارة الإسلامية.

من عجائب الدنيا

يذكر أن عالم الآثار والمؤرخ المصري حسن عبدالوهاب في كتابه «تاريخ المساجد الأثرية» وصف المدرسة وصفًا دقيقًا إذ قال: «إن حق لمصر الفرعونية أن تفخر بأهرامها فإن لمصر الإسلامية أن تتيه عجبًا بمدرسة السلطان حسن التي لا يعادلها بناء آخر في الشرق بأجمعه، فقد جمعت شتى الفنون فيها.

ويضيف عبدالوهاب: أن موقعها قديما عرف بسوق الخيل، وكان به قصر من أجمل القصور، أمر بإنشائه الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 738هـ (1337م) لسكنى الأمير يلبغا اليحياوي وقد بقي هذا القصر حتى هدمه الملك الناصر حسن وبنى محله هذه المدرسة. ففي سنة 757هـ (1356م) بدأ هذا السلطان في بنائها وعنى بها عناية شديدة واستمرت العمارة جارية فيها مدة حياته، وكان يصرف عليها بسخاء عظيم. ونسب الطواشي مقبل الشامي إلى السلطان حسن أنه قال: «لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه».

ويعقب عبدالوهاب في كتابه عن الأمر فيقول: «ليس مستبعد أن يقول هذا؛ فالبناء شامخ يدل على العظمة والجبروت وعلى المقدرة الفنية، كما ينم عن كثرة النفقات، وقد ابتكر مهندسه في هذا البناء الضخم زخارف دقيقة وكتابات ونقوشا ونحاسًا مكفتًا آية في الحسن والبهاء»، كما وصفها المقريزى المؤرخ بقوله: «فلا يعرف في بلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحاکی هذا الجامع وقبته التي لم يبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها، وقد أجمع على هذا الرأي جميع المؤرخين والرحالة الذين زاروها، فيقول عنها ابن تغری بردی: «هذه المدرسة ومئذنتها وقبتها من عجائب الدنيا، وهي أحسن بناء بني في الإسلام».

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر