فنان الواحات عادل العمدة: النحت من جذوع النخيل

على طريقته الخاصة، يوثق الفنان عادل العمدة، ابن قرية تنيدة بالواحات الداخلة في الوادي الجديد، التراث، من خلال النحت باستخدام جذوع النخيل، إذ صمم متحفا داخل منزله الصغير بالقرية ووثق فيه كافة مظاهر الحياة بمنطقة الواحات من البيوت والأشخاص وغيرها.. «باب مصر» يتعرف على قصة الفنان.

الواحات الداخلة

شكلت البيئة في منطقة الواحات الداخلة وطبيعتها المتفردة شخصية الفنان عادل العمدة، التي تشتهر بطبيعتها الخلابة وجوها الساحر، دفعته تلك الطبيعة منذ طفولته للميل إلى الرسم والتشكيل، يقول العمدة: طورت من نفسي منذ كنت صغيرًا فقد استخدمت في رسوماتي أبعادًا مختلفة كما استخدمت الظل والنور.

وتابع: بعد انتهائي من دراستي في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في قريتي، انتقلت للمدرسة الثانوية الصناعية بمركز الداخلة وكانت مدرسة داخلية، ثم بعدها انتقلت للدراسة بأحد المعاهد الصناعية بالقاهرة وهو ما جعلني أبعد عن القرية وعن فني بضع سنوات، لكن كي أشبع هوايتي في المعهد كنت ارسم بعض مشاريع الرسومات الهندسية الدراسية بشكل فني، وخلال إجازاتي كنت أقوم بعمل بعض القطع الفنية من الطينة واحتفظ بها لنفسي داخل منزلي.

بداية الأعمال الفنية

في عام 2000 دخل العمدة عالمه الفني وأنتج قطعًا فنية بشكل احترافي، عندما كان يقضي فترة خدمته العسكرية في الإسكندرية، وهناك تعرف على أحد الزملاء من المحافظة، الذي أخذه مرة في جولة داخل تلك المدينة الساحرة، وهناك زار مجموعة من البازارات التي تعرض قطع ومنحوتات متعددة.

يحكي العمدة عند تلك الزيارة التي غيرت مجرى حياته ويقول: اصطحبني أحد زملائي في الجيش بمناسبة قرب إنهاء فترة التجنيد في جولة بشوارع الإسكندرية، توقف زميلي عند التماثيل والمنحوتات داخل البازارات، وبكل ثقة قال لي: “كنت هتشوف دا فين في بلدكم”، هذه الجملة استفزتني كثيرًا، وهو ما جعلني أقول له: “أنا ممكن أعمل شغل زي دا وأحلى منه كمان”، وكان التحدي عندما طلب منى أن أنفذ له تمثالًا لرأس الفنانة أم كلثوم على أي خامة وأن أحضره في الإجازة التالية، وبالفعل عندما نزلت إلى قريتي أخذت أبحث عن خامة لعمل التمثال في البداية وأحضرت قطعة من خشب الكافور وقمت بنحت تمثال لرأس أم كلثوم بكل تفاصيله واصطحبته معي عندما رجعت من الإجازة، وعندما شاهده زميلي أعجب به كثيرًا وأخذه وعرضه على بعض أصحاب البازارات، وطلب منى البقاء في الإسكندرية وتنفيذ أعمال لبيعها في بعض البازارات، لكن لم استطع الابتعاد عن بيئتي وقريتي ورفضت هذا العرض.

توثيق تراث الواحات

استقر العمدة في قريته بالواحات مرة أخرى بعد سنوات من الدراسة في القاهرة والتجنيد في الإسكندرية، وعمل مع والده بالزراعة، ولعشقه للبيئة والتراث الأصيل قرر أن يكون مشروعه الخاص هو توثيق هذا التراث بشكل فني، يمكن للجميع مشاهدته سواء من شاهدوه سابقا، أو من الجيل الجديد الذي سمع عنه فقط، وبالرغم من أنه لم يجد تشجيعًا من أحد بحجة أن العمل في الفن لن يجدي نفعًا- حسبما يرى- لذلك انعزل بفنه بعيدًا واستأجر منزلًا بالقرية ليكون متحفه الصغير الخاص.

يقول العمدة عن متحفه الصغير: “كنت أذهب إلى هذا المنزل بمفردي وأغلق عليّ بابه حتى لا يعرف أحد ما أقوم به ويحبطني، كان مشروعي هو بناء قرية مصغرة داخل هذا المنزل تضم كل أشكال الحياة التي كانت توجد في منطقة الواحات واختفت ومعها اختفت بعض عاداتنا، لذا قررت توثيق مفردات تلك البيئة، ولأشبع هوايتي الفنية، وبدأت في بناء القرية مستخدمًا الطين، وشكلت منازل متراصة بنفس طريقة البناء المعماري القديم، ومظاهر الحياة اليومية للسيدات في القرية وكل ما يقومون به من أعمال منزلية، وهم يرتدون ملابسهم التقليدية، وكذلك الفنون والرقصات، وكتاب القرية والأطفال، والأجداد وهم يجلسون يرون الحكايات لأحفادهم، والرجال في جلسات السمر، وحلقات اللعب وغيرها من مظاهر الحياة بالواحات، وكانت الخلفية هي عبارة عن جدارية كبيرة تصور أبعاد مختلفة من القرية.

ويذكر العمدة أنه لم يستخدم الطين فقط، بل تطرق لخامات مختلفة منها الفخار والأخشاب وجذوع النخيل والجريد، باستخدام أدواته البسيطة.

بعدما ينهي العمدة أعماله يفتح باب منزله، كي يشاهد أهالي القرية ما قام بإبداعه، وعن هذه اللحظة يقول: شعرت بسعادة كبيرة وأنا أرى الاندهاش والإعجاب على وجوه كل من دخل يشاهد قريتي الصغيرة وخاصة كبار السن، فكنت أسمعهم وهم يسترجعون ذكرياتهم القديمة مع بعضهم عند رؤية أحد المجسمات أو القطع أو المشاهد القديمة التي عاشوها، كنت أيضًا أحفظ ما أسمع من حكايتهم بأذني وأترجمها لقطع فنية بعد ذلك، وكل يوم أزيد لقريتي جزء جديد، وبدأ الكثير من أبناء قريتي يتحدثون عن متحفي الخاص، وأصبح له زائرين من الواحات وخارجها حتى أصبح مزارا لضيوف القرية من المصريين والسائحين الأجانب، والرحلات المدرسية وغيرها، وزادني ذلك تعلقا وحبا بما أعمل، ودائمًا ما أتجول داخل قريتنا القديمة لاقتناص بعض الأشكال القديمة لتوثيقها، ومن هنا بدأت شهرتي في هذا المجال وتخصصت بشكل احترافي في الحفر والنحت على جذوع النخيل.

وتابع العمدة: زار محافظ الوادي الجديد متحفي، ولكنه لم يدعمني فجاءت زيارته تقليدية، أما عن أول معرض لي فكان تجربة سيئة بالنسبة لي، إذ كنت أشارك مع المحافظة بمعرض في القاهرة ولصعوبة التنقل وارتفاع تكلفة النقل شعرت بالإحباط وهو ما جعلني أفكر أن أظل بجانب متحفي الصغير وكفى، إلى أن زارني أسامة الغزالي، المسؤول عن مبادرة إبداع من مصر، الممولة من بنك الإسكندرية، وشاهد أعمالي، وبعدها عرفت طريق المعارض وشاركت في العديد منها وكان أخرها معرض تراثنا.

أخشاب النخيل

تمتاز منطقة الواحات الداخلة بالكثير من الحرف والصناعات اليدوية التي تستخدم خامات البيئة، وتشتهر الواحات بوجود أشهر مراكز صناعة الكليم والسجاد اليدوي في مصر بقرية بشندى، أما الحفر والنحت على أخشاب النخيل فقد كانت بدايته على يد العمدة، حيث يصفها ويقول: أخشاب النخيل خامة مجهولة للأسف، فلا يستخدمها أحد من الفنانين، بالرغم من أنها متوافرة بكثرة وبأسعار زهيدة أو بدون سعر في الغالب، لأن هناك من يتخلص منها بالحرق، وهو ما جعلني أطلب من الأهالي عدم حرقها، كما أن لون أخشاب النخيل مميز ويعبر عن طبيعتنا كثيرًا، وتعلمت أن اختار القطع التي تصلح للحفر، ثم أقوم بتقشير الأخشاب من الغلاف الخارجي بالنسبة لجذوع النخيل، واتركها فترة في الشمس، ثم أقطعها حسب ما أقوم به، حيث يمتاز الجذع بالقدرة على تشكيل ما أريده، لكن بالنسبة لكعب الجريد فيفرض عليّ تصميمات معينة حسب شكلها، وهناك قطع اتركها بشكلها الخشبي كما هي، وهناك قطع أقوم بتنعيمها بواسطة الصنفرة، وقمت بتطوير منتجاتي حتى تناسب وضعها داخل المنزل، فهناك التابلوهات أو المعلقات الخشبية لكن بدون براويز كما هي، وهناك قطع توضع على المكاتب وغيرها، ومؤخرًا قمت بتصميم بعض المناطق الأثرية، مثل القلعة وغيرها بجانب تراثنا بمنطقة الواحات.

يختتم العمدة حديثه ويقول: أتمنى أن ينتشر ما أقوم به من فن، ولا أكون أنا فقط من يعمل في هذا المجال، وأتمنى تنفيذ مجموعة من الورش لأعلم فيها هذا الفن، حتى يصل فني الذي يوثق تاريخنا وتراثنا إلى كل دول العالم.

اقرأ أيضا

الفنان التشكيلي ياسين حراز: توثيق «البرلس» فنيا.. تجربتي الأهم

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر