تصفح أكبر دليل للفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

فرنسا تطلب «حجر رشيد» من بريطانيا.. من يملك حق التفاوض على قطعة آثار مصرية؟

تستمر المفاوضات بين بريطانيا وفرنسا على خلفية طلب فرنسا استعارة «حجر رشيد»، أحد أشهر القطع الأثرية المصرية المعروضة في المتحف البريطاني، وذلك مقابل عرض المتحف البريطاني لوحة «نسيج بايو» الضخمة المُعارة من فرنسا العام المقبل.

وكانت موافقة فرنسا على إعارة النسيج الأثري بداية لمفاوضات وضغوط فرنسية شملت مطالب بتقديم دخول مخفض أو مجاني للمواطنين الفرنسيين، غير أن الطلب الأبرز تمثل في استعارة «حجر رشيد»، ما أثار جدلا واسعا وتساؤلات حول أحقية البلدين في التفاوض على قطعة أثرية تعود ملكيتها الأصلية إلى مصر.

إعارة آثار

تعود البداية إلى موافقة فرنسا على إعارة قطعة النسيج المطرز. والمعروفة باسم “نسيج بايو”، الذي يرجع تاريخه إلى نحو 900 عام. ويصور الغزو النورماندي لإنجلترا عام 1066. ويبلغ طول النسيج 68 مترا. وتضمن الاتفاق إرسال بريطانيا قطعا أثرية للعرض في فرنسا، من بينها كنوز “ساتون” وقطع “لويس تشيسمن” التي تعود إلى العصور الوسطى.

مطالب بالدخول المجاني

ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن المسؤولين الفرنسيين مارسوا ضغوطا من أجل أمرين إضافيين: الدخول المجاني أو المخفض للمواطنين الفرنسيين. وهو ما رفضه المفاوضون البريطانيون باعتباره أمرا “لن يحدث أبدا”.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن مثل هذه الخطوة غير معتادة. إذ نادرا ما تمنح المتاحف الفرنسية دخولًا مجانيًا حتى لمواطنيها. في المقابل، لا يفرض المتحف البريطاني رسوم دخول لمجموعته الدائمة، لكنه يفرض على المعارض الخاصة.

استعارة حجر رشيد

كان لدى المفاوضين الفرنسيين طموحات أكبر. إذ طالبوا باستعارة “حجر رشيد” المصري، أشهر قطعة أثرية في المتحف البريطاني.

وبحسب موقع “آرت نيوز”، باء هذا الاقتراح بالفشل، إذ أن الحجر الذي استولت عليه بريطانيا عقب الحملة الفرنسية على مصر عام 1801 يخضع لقاعدة عدم نقله من المتحف، نظرا لأهميته. فهو مفتاحَ فكّ رموز الهيروغليفية الذي استخدمه العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون.

حجر رشيد الأثري خلال عرضه بالمتحف البريطاني - مشاع إبداعي
حجر رشيد الأثري خلال عرضه بالمتحف البريطاني – مشاع إبداعي
عريضة اعتراض في فرنسا

إعارة النسيج الأثري لبريطانيا أثارت اعتراضا واسعا في فرنسا. إذ جمعت عريضة لمنع نقله أكثر من 52 ألف توقيع حتى الجمعة الماضية، بحسب قناة “فرانس 24”.

وبرر المعترضون موقفهم بمخاوف تتعلق بسلامة النسيج، واصفين النقل بأنه “جريمة تراث حقيقية”.

دعم رسمي

رغم الاعتراضات، أوضح مسؤول فرنسي مشرف على عملية الإعارة أن القطعة الأثرية ليست هشة للغاية بحيث لا يمكن نقلها. ودافع عن هذه الخطوة، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وافق على إقراض النسيج للمتحف البريطاني العام المقبل احتفالا بالعلاقات الفرنسية – البريطانية.

وقال فيليب بيلافال، المكلف بمتابعة القرض، إنه لم يتم اتخاذ قرار بعد بشأن كيفية نقل النسيج. وفي حال الموافقة على إقراض النسيج، فستكون المرة الأولى التي يوجد فيها على الأراضي البريطانية منذ نحو ألف عام.

مطالب سابقة

اعتبر ماكرون أن إعارة النسيج تعكس الصداقة الأنجلو- فرنسية. خاصة أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي طالبت إعارته لأول مرة عام 2018. غير أن الخطوة أجلت مرارا بسبب المخاوف بشأن هشاشة النسيج وصعوبة نقله.

المتحف البريطاني

يثير الطلب الفرنسي تساؤلا: هل يحق لبريطانيا وفرنسا التفاوض على حجر رشيد، وهو أثر مصري أصيل؟ وهل يمكن أن يغادر الحجر بريطانيا دون موافقة مصرية؟

يجيب عن هذه التساؤلات الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية. موضحا أن المتحف البريطاني يضم نحو 13 مليون قطعة أثرية جمعتها بريطانيا منذ تأسيسه عام 1753، عبر الشراء، والتنقيب، والهدايا، والتبرعات. إضافة إلى ما حصلت عليه خلال فترات الاستعمار بطرق غير شرعية.

وأكد أن: “الاستعمار البريطاني الذي امتد إلى نصف الكرة الأرضية سهل عمليات نهب ونقل الآثار. ولولاه لما استطاع الأكاديميون البريطانيون تكوين هذه المجموعة الضخمة”.

حجر رشيد الأثري خلال عرضه بالمتحف البريطاني - مشاع إبداعي
حجر رشيد الأثري خلال عرضه بالمتحف البريطاني – مشاع إبداعي
خروج حجر رشيد من مصر

يضم المتحف البريطاني أكثر من 110 آلاف قطعة أثرية مصرية، منها مقتنيات من عصور ما قبل التاريخ، وآثار مصر القديمة، والحقبة المسيحية.

ويشير الدكتور ريحان إلى أن سقوط الحملة الفرنسية أمام القوات البريطانية عام 1801. وما تلاه من توقيع معاهدة الإسكندرية، غير وضعية الآثار والمخطوطات التي جمعتها البعثة الفرنسية خلال وجودها في مصر. فقد أصبحت هذه الكنوز ضمن الممتلكات العامة، واستحوذت عليها بريطانيا. وكان من أبرزها حجر رشيد الذي نقل إلى المتحف البريطاني عام 1803.

تحالف قديم

بحسب وصف الدكتور عبد الرحيم ريحان، خرج حجر رشيد من مصر نتيجة تحالف بين (فرنسا – بريطانيا – الدولة العثمانية التي كانت مصر جزءا منها). وقال: “نُقِل حجر رشيد بشكل رسمي عن طريق معاهدة دولية، لكن تفوق بريطانيا عسكريا حينها أتاح لها نهب الآثار المصرية بشكل غير مستحق”.

وأضاف: “بعد مغادرة نابليون بونابرت مصر، هاجم العثمانيون والإنجليز قوات الحملة الفرنسية في خليج أبو قير، في مارس 1801. واستولوا على جميع الآثار التي جمعها العلماء الفرنسيون. وبعد هزيمة الفرنسيين وتراجعهم إلى الإسكندرية، اصطحبوا معهم مجموعة من الآثار المصرية. بينها حجر رشيد، الذي أودع في أحد المستودعات باعتباره من مقتنيات القائد الفرنسي جاك فرانسوا مينو”.

ومع اشتداد الحصار البريطاني على المدينة، اضطر مينو في 30 أغسطس 1801 إلى إعلان الاستسلام. وبموجب المادة 16 من اتفاقية التسوية، جرى تسليم جميع الآثار التي كانت بحوزة الفرنسيين، بما فيها حجر رشيد، إلى البريطانيين الذين نقلوه لاحقًا إلى لندن.

أحقية بريطانيا في إعارة حجر رشيد

أوضح الخبير الأثري أن حجر رشيد خرج من مصر في فترة خضوعها للسيطرة العثمانية. وعن أحقية بريطانيا في الحصول عليه آنذاك قال: “يعتبر أخذ انجلترا لحجر رشيد من الفرنسيين أمرا مقبولا من قبل الخلافة العثمانية التي كانت تسيطر على مصر. نظرا للحلف القائم بينها وبين انجلترا في ذلك الوقت. وهو ما منح الأخيرة الموافقة على أخذ الغنائم من الجيش الفرنسي، بما فيها الآثار”.

وعن مفاوضات بريطانيا وفرنسا  لنقل حجر رشيد دون الرجوع إلى مصر، أضاف: “خرج الحجر بموجب معاهدة رسمية دولية، وبالتالي لا تستطيع مصر الاحتجاج على أي تصرف لإعارته من بريطانيا لأي دولة أخرى. نظرا لعدم وجود حق ملكية فكرية للآثار في المعاهدة الدولية”.

حقوق الملكية الفكرية والقوانين الدولية

أشار الدكتور ريحان إلى أن المجتمع الدولي تجاهل حقوق الملكية الفكرية للآثار التي بدأ سريانها عام 1995، والتي تنص على ضرورة الحصول على تصريح من مالك الحق الفكري ودفع ثمن لهذا الانتفاع. وقال: “وضعوا القوانين والاتفاقيات الدولية ظاهريًا لحفظ استقرار المجتمع الدولي. وباطنيًا لشرعنة الحصول على آثار البلاد صاحبة الحضارات العظيمة ومنها مصر”.

وأردف: “تجاهل المجتمع الدولي إدراج التراث المادي ضمن اتفاقية حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو)، التابعة للأمم المتحدة. والتي أسست عام 1967 في جينيف بعد مؤتمر باريس للملكية الصناعية، وتضم 177 دولة من بينها مصر”.

عدم تضمين الآثار

كشف عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة أن استبعاد التراث المادي من الاتفاقية الدولية يعود إلى رغبة الدول في الاحتفاظ بالقطع المنهوبة من بلاد أخرى – وعلى رأسها مصر – وعرضها في متاحفها. دون منح أي حقوق مادية أو أدبية للدول الأصلية.

وأوضح أن هذه الدول، رغم ادعائها “الملكية القانونية” لتلك القطع الأثرية. إلا أنها – على حد وصفه – تروج لها على أنها آثار مصرية، ما يعود عليها بأرباح ضخمة تُقدّر بالمليارات. سواء من زيارات المتاحف أو من إعارتها مؤقتا أو حتى من بيع نسخ مستنسخة منها.

حجر رشيد وافتتاح المتحف المصري الكبير

ليست المطالب باستعارة حجر رشيد جديدة، ففي عام 2009 بدأت مفاوضات غير رسمية بين مصر وبريطانيا لعرضه بشكل مؤقت في القاهرة. وبحسب تقرير نشرته «هيئة الإذاعة البريطانية»  في ديسمبر 2009، قال د. زاهي حواس، رئيس هيئة الآثار المصرية آنذاك: “سأتخلى عن المطالبة باستعادة حجر رشيد بشكل دائم إذا وافق المتحف البريطاني على إعارته لمصر”.

وأضاف حواس أنه، رغم رغبته في عودة الحجر إلى موطنه الأصلي، فإنه سيكتفي بإعارته لمدة ثلاثة أشهر، وكتب إلى المتحف البريطاني يطلب عرضه مؤقتا بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير بالجيزة عام 2013. لكن متحدثة باسم المتحف البريطاني صرحت  بأن مصر لم تتقدم بطلب رسمي لإعادة «حجر رشيد» بشكل دائم، أما طلب الإعارة المؤقتة سيناقشه أمناء المتحف.

أهمية حجر رشيد

بحسب “بي بي سي”، تكمن أهمية «حجر رشيد» في أنه يحمل نصوصا بثلاث لغات: الهيروغليفية، والديموطيقية (المصرية القديمة)، واليونانية القديمة. وأتاح وجود النص اليوناني إمكانية فك رموز الهيروغليفية لأول مرة، وهو ما فتح الباب أمام فهم تاريخ مصر القديمة وحضارتها.

اقرأ أيضا:

كيف تحافظ دول العالم على مبانيها التاريخية؟ تجربة أمريكا في نقل مبنى سكة حديد

بعد تورط متاحف في بيع قطع مشبوهة.. قانون أوروبي جديد يُغير مشهد تجارة الآثار عالميا

امتلكها أمير عربي.. القصة الكاملة لبيع قطعة أثرية يُرجح سرقتها من مقبرة توت عنخ آمون

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.