بعد رفض مشروع «تبليط الهرم».. ماذا كتب «راهب الصحراء» عن سفن الأهرامات؟

بعد جدل استمر على مدار أسابيع حول إمكانية وجدوى تنفيذ مشروع «تبليط الهرم» المشترك بين المجلس الأعلى للآثار وبعثة جامعة واسيدا اليابانية. رفضت اللجنة العلمية العليا المشكلة برئاسة الدكتور زاهي حواس، وعضوية ستة علماء متخصصين، مقترح د.مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بشأن تكسية هرم منكاورع بالجرانيت.

بركة مياه بالأهرامات 

في الوقت الذي تتابع فيه الصحف الدولية مصير مشروع “تبليط الهرم”، ظهرت بركة مياه غزيرة بمنطقة الأهرامات، والتي أثارت غضب الكثير من الأثريين وتساءلوا عن سبب وجودها بهذه الغزارة والوفرة، وعلاقتها بالحفائر الجارية. وإذا كانت أعمال الحفر هي السبب في ظهورها.

وقارن الكثير مشهد ظهورها بالصور القديمة لمنطقة الأهرامات بينما يجاورها بحيرة مياه. لكنها أثارت تساؤلات عن تأثير هذه المياه مجهولة المصدر على الآثار بالمنطقة وخاصة معبد الوادي وأبي الهول.

تبليط الهرم.. فكرة مستحيلة

حسم أعضاء اللجنة العلمية وهم: الدكتور ممدوح الدماطي، وزير الآثار الأسبق والمشرف على قسم علوم الآثار والحفائر بكلية الآثار جامعة عين شمس، والدكتور هاني هلال، وزير التعليم الأسبق وأستاذ الهندسة بجامعة القاهرة. والدكتور مصطفى الغمراوي، رئيس قسم الهندسة الإنشائية الأسبق بجامعة القاهرة، والدكتور ديترش راو، مدير معهد الألماني للآثار بالقاهرة، والدكتور مارك لينر عالم الآثار، والدكتور مروسلاف بارتا، عالم الآثار ومدير المعهد التشيكي للمصريات، الجدل حول مشروع تكسية الهرم. إذ رفض كل الأعضاء المشروع برمته وعدم تركيب أي كتل جرانيتية حول هرم منكاورع.

وتضمنت أسباب رفض تنفيذ المشروع، حسب التقرير الذي سلمته اللجنة لوزارة السياحة والآثار، أنه يجب الحفاظ على حالة الهرم الحالية دون أي إضافات بسبب قيمته العالمية الأثرية الاستثنائية. بالإضافة إلى استحالة التأكد من المكان الأصلي ومعرفة مكان أي كتلة جرانيتية، وحال وضعها فإنها ستعمل على تغطية الشواهد الباقية على جسم الهرم.

وعن جدوى الفكرة للاستدلال على شكل الهرم كما كان في السابق. خلصت اللجنة في تقريرها إلى أنه يمكن الاستدلال على شكل الكساء الأصلي للهرم من خلال المداميك (الصفوف) السبعة الموجودة على جسم الهرم حتى الآن منذ آلاف السنين.

العمال يرفعون الحجارة أثناء مشروع الترميم عند قاعدة هرم منكاورع.. تم التقاطها في 29 يناير 2024. خالد دسوقي وكالة الصحافة الفرنسية عبر Getty Images
العمال يرفعون الحجارة أثناء مشروع الترميم عند قاعدة هرم منكاورع.. تم التقاطها في 29 يناير 2024. خالد دسوقي وكالة الصحافة الفرنسية عبر Getty Images
الهدف الحقيقي من المشروع

من جانب آخر كشف تقرير اللجنة عن الهدف الحقيقي من أعمال الترميم حول هرم منكاورع، والتي لم يعلنها وزيري خلال حديثه عن “تبليط الهرم”. وهي أعمال التنقيب الأثري للبحث عن مراكب الشمس الخاصة بهرم منكاورع. إذ وافقت اللجنة مبدئيًا على أعمال التنقيب الأثري للبحث عن حُفر مراكب هرم منكاورع. مع ضرورة تقديم دراسة مفصلة وعلمية توضح أسباب الأعمال المقترحة قبل البدء في الحفائر.

ووفقًا للتقرير، سيتم عرض الدراسة على اللجنة العلمية العليا للتأكد من وجود أسباب علمية واضحة للتنقيب وتنظيم الموقع. وليس من المقرر أن تقتصر الأعمال على البحث عن حُفر المراكب فقط. بل يجب أن تشمل أعمالًا أخرى ذات صلة. ويتطلب المشروع الأثري المقترح لهرم منكاورع أيضًا إعداد خطة عمل علمية شاملة. ستتم مناقشتها من خلال اللجنة، وسيتم رفع تقرير علمي لوزارة السياحة والآثار للتنسيق مع اليونسكو واللجنة الدائمة للآثار المصرية. بالإضافة إلى ذلك، سيشمل المشروع تنظيف وتنظيم الموقع للزيارة. بما في ذلك الكشف عن باقي الكتل الجرانيتية ذات الزوايا المائلة حول الهرم.

البحث عن مراكب الشمس

قبل 10 أيام من إعلان اللجنة العلمية قرارها، أكد د.محمد عبدالمقصود، عالم الآثار وأمين عام مجلس الآثار الأسبق لـ«باب مصر» أن الهدف الحقيقي من المشروع هو البحث عن مراكب الشمس لهرم منكاورع. وعدم ظهورها حتى الآن أثار الحيرة بين العلماء لفترة طويلة. خاصة بعد اكتشاف مراكب مشابهة بجوار هرمي خوفو وخفرع.

بحسب عبدالمقصود، يتطلب العثور على مراكب الشمس في هرم منكاورع القيام بحفريات تكشف الأرضية الأصلية للهرم. حيث يُعتقد أنها تحتوي على خمسة مواقع محتملة للمراكب. ويقترح أنه بدلاً من تحريك الحجارة، يُمكن استخدام تقنيات حديثة مثل السونار والرادار وغيرها لاستكشاف الأرض وتحديد مواقع الفراغات بدقة. مشددا على أن الهدف الرئيسي هو البحث عن المراكب، وليس ترميم الهرم أو توثيق الحجارة.

مراكب الشمس لهرم منكاورع كانت محل اهتمام العديد من الباحثين والمؤرخين والأثريين. ومن بينهم دكتور أحمد فخري، أستاذ تاريخ مصر القديمة والشرق القديم بكلية الآداب جامعة القاهرة.

قضى د.أحمد فخري المُلقب بشيخ الأثريين وراهب الصحراء حياته بين الآثار المصرية القديمة، منذ تخرجه في قسم الآثار بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1928 حتى وفاته عام 1973 واكتشافه أكثر من 5 مواقع أثرية مصرية قديمة. بحسب الكتاب، فإن الخلافات بين أفراد البيت المالك، سواء في عهد خوفو وما بعد عهده، كانت سببا للكثير من المتاعب. خاصة لزواج الملك خوفو من عدة زوجات بعضهن غير أميرات.

دار الصراع على الحكم بين “خفرع” و” دجيدف – رع” والذي استمر وانتقل إلى الأجيال اللاحقة والشعب والكهنة. إذ حكم خفرع بعد “دجيدف- رع” وبعد موت خفرع، استمر الخلاف مرة ثانية. وبحسب بردية تورين ومصادر أخرى فإن الفترة بين حكم خفرع وحكم منكاورع، كانت فترة قصيرة، في مدى خمس سنوات. وبحسب دراسته فإنه يرجح عدم تشييد أهرام ليدفنا فيها خلال حكميهما القصير المملوء بالاضطرابات. وأنهما دُفنا عند موتهما في مصاطب عادية.

سُفن خشب الأرز بين 1954 و2024

يتشابه الوضع الآن للبحث عن مراكب الشمس لـ”منكاورع” -بطريقة لم تكن علمية من البداية- بالبحث عن مراكب خوفو الذي دارت حوله تكهنات كثيرة ومنافسة -بعيدة عن الروح العلمية- على حد وصف د. فخري في كتابه. وأشار في دراسته إلى الإعلان في مارس عام 1954 عن اكتشاف سفينة من خشب الأرز لم يسبق الكشف عنها من قبل. على يد المهندس كمال الملاخ مشرف عملية تنظيف الجهة الجنوبية من هرم الجيزة الأكبر.

وكانت مركب الشمس في حفرة في الصخر طولها 30 مترا وأنه هناك سفينة أخرى إلى الغرب. وأوضح: “الأثريين يعرفون منذ وقت طويل بوجود مثل هذه السفن إلى جانب مقابر الملوك، بل وبعض الأفراد. وقد عثر في حلوان على حفرات تشبه السفن في شكلها مبنية باللبن على مقربة من مقابر الأسرتين الأولى والثانية”.

وعن حفر مراكب الشمس، أشار إلى أنه “كان معروفا أيضا أن بعض السفن كانت مدفونة على مقربة من هرم الجيزة الأكبر. وأن ثلاثا من الحفرات كانت موضوعة فيها قد تم الكشف عنها منذ سنوات في الناحية الشرقية للهرم. وخمس من هذه الحفرات على مقربة من الهرم الثاني على مسافة قليلة من مكان هذه السفينة”.

مركب الشمس لهرم خوفو من كتاب الأهرامات المصرية للدكتور أحمد فخري
مركب الشمس لهرم خوفو من كتاب الأهرامات المصرية للدكتور أحمد فخري

وكانت هذه السفن موضع دراسة مستفيضة لـ د. سليم حسن، نشرها عام 1946 بعدما نشر نتائج حفائر موسمه السادس في منطقة أهرام الجيزة لموسم 1934 – 1935. أما عن تسميتها مراكب الشمس، أشار د. أحمد فخري في كتابه إلى أن هذا الاسم أطلق على السفن التي عثر عليها بجوار الأهرام، ولكن هذه التسمية ليست دقيقة. وكانت لدى المصريين القدماء عدة أنواع من السفن كان القصد منها إمداد الملك المتوفى ببديل مادي عن السفن التي قد يحتاج إليها في الحياة الأخرى.

ومن دراسة نصوص الأهرام، يوجد 8 أنواع من السفن كان الملك يستخدمها في أسفاره السماوية. وكانت اثنتان منها لأجل عبور السماء يركب إله الشمس إحداهما لرحلة النهار وأخرى لرحلة الليل، وصحح تسميتها بالسفن الجنائزية أو الطقسية.

اقرأ أيضا:

أحدهم يبحث عن المدينة المفقودة.. من هم أعضاء اللجنة العلمية لدراسة مشروع «تبليط الهرم»؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر