«غارة» الصحافة على الوزارة

نشرت مجلة «الكشكول» في 4 ديسمبر 1936 مقالا معنونا «عندهم وعندنا»، نسب فيه إلى البرلمان المصري، الذي يملك إسقاط الوزارة بسحب ثقته منها، أنه يستسلم دائما لرغبات الوزارة ويحقق مطالبها في أسرع من لمح البصر، ويقر المعاهدة التي أتت بها هذه الوزارة، رغم ثقته من أنها كبلت الأمة بقيود العبودية إلى الأبد، وحدَّت من استقلال البلاد وحريات أبنائها.
وذهبت المحكمة في أن المقال لا يخرج عن كونه نقدا لمجلس النواب في تسرعه في إجابة الحكومة إلى كل ما تطلبه، وبنوع خاص في إقرار المعاهدة بين مصر وإنجلترا، وكان طبيعيا أن ينتقد كل مصري مشروع المعاهدة وأصحاب الشأن.
ومن حيث إن النقد المباح هو إبداء الرأي، وازن المقال بين ما يحدث في مصر وما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان موقف رئيس جمهورية الولايات المتحدة حرجا تجاه محكمة البلاد العليا، التي حكمت ببطلان مشروعات الانتعاش التي وضعها الرئيس خلال مدة رئاسته السابقة، بحجة أن هذه المشروعات غير دستورية، مع أن الشعب الأمريكي أقر هذه المشروعات بكل جوارحه.
ومع ملاحظة أن محكمة أمريكا العليا لا تستطيع إقالة رئيس الجمهورية، حيث جاء في المقال: “يحدث هذا في أمريكا، بينما برلماننا، الذي يملك حق إسقاط الوزارة بسحب ثقته منها، يستسلم دائما لرغبات الوزارة، ويحقق مطالبها في أسرع من لمح البصر، ويقر المعاهدة التي أتت بها هذه الوزارة، رغم يقينه من أنها كبلت الأمة بقيود العبودية إلى الأبد، وحدَّت من استقلال البلاد وحريات أبنائها، تمسكا بأهداب المنصب وحرصا منه على مرتب هذا المنصب”.
***
نشرت جريدة «المشهور» الأسبوعية عام 1933 صورة تمثل حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي، رئيس مجلس الوزارة، في زي جندي واقف خلف عامل مصري من عمال شركة ثورنيكروفت، وقابض بإحدى يديه على كفه، واليد الأخرى مرتفعة أعلى رأسه وبها هراوة. وأمام العامل، شخص أوروبي قد أغمد خنجرا في قلبه والدم يتدفق منه. ومدون أسفل الصور كتابة تفيد أن العامل استنجد بذلك الجندي، وبدلاً من نجدته، سبه وساقه للشرطة بدعوى أن دمه لوث ملابس الأوروبي.. إشارة لإهمال دولته أمر العمال المصريين، إرضاء للأجانب ولشركة ثورنيكروفت.
فضلاً عن إهانة الجريدة لهيئة نظامية عليا (مجلس الوزراء) لنشرها صورة أخرى تمثل مجلس الوزراء، وقد ربطت أعناقهم بحبل مربوط بآخره حجر ثقيل، والعام الجديد يركلهم بقدمه ويقذف بهم في الهاوية، معنونة “الوزارة بين عامين”، وعلى لسان العام الجديد كتابة مفاداها: “ابعد عني بقي بفمك، خليني أفوق، ما أثقل دمك”.
كل ذلك، يفند وقائع تخص مطالب العمال التي رفعت للشركة، فضلا عن أن عددا من العمال قصدوا إلى وزارة الداخلية لرفع شكاياتهم لوزيرها، فلم يظفروا بمقابلته لتغيبه عن الديوان بسبب مرضه. ومضوا إلى مكتب العمل المختص بالتوفيق بين أرباب الشركات والعمال في المنازعات، فصرفهم على وعد بالسعي لدى الشركة في تحقيق مطالبهم. وقصدوا أيضا وزارة الأشغال التي لم تعبأ بهم سوى أن فرق رجال البوليس جموع العمال بالقوة والضرب أثناء عودتهم إلى مقر نقابتهم.