«عبد الحميد البسيوني».. معضلة تشابه بين أديب ولاعب كرة قدم

يجلس الروائي والقاص «عبد الحميد البسيوني» في شرفة منزله المطلة على حديقة صغيرة، تحولت أطرافها إلى أماكن انتظار للسيارات، مترقبا لقاء كان من المقرر أن يتم في مقهى قريب اعتاد الجلوس فيه مساءً. إلا أنه فضل أن يكون في شرفة منزله مع نسمة هواء ألطفت حرارة ليل الصيف.
وفي ركن جانبي بجوار الشرفة، خصص البسيوني لنفسه مكتبة لقراءاته، وإلى جوارها ركن يضم نسخا من إصداراته الخمس، التي يهدي منها لأصدقائه. جذب منها عدة نسخ وبدأ فرزها قبل أن يقول: “لا أعتبر نفسي محترفا، فأنا هاو ومنتسب للكتابة، لا أعمل بنظام يومي للقراءة والكتابة. حين تأتيني الفكرة لا أكتبها سريعا. وإنما أتركها تتخمر ببطء لمدة أسبوع وقد تصل إلى شهر أو أكثر. حتى تكتمل قبل بدء كتابتها، بالنسبة لي، العمل الأدبي أشبه بعملية الولادة. ينشأ جنينا ويكتمل على مهل حتى ينضج”.
ويضيف مبتسما: “عندي سبعين سنة، أنتجت ثلاث مجموعات قصصية ورواية وكتابا نقديا. قد لا يكون الإنتاج غزيرا، لكنه يعبر عني وعن تأثري بالمدن التي عشت فيها والأشخاص الذين قابلتهم. وأعتقد أن أي كتابة حقيقية لا بد أن تجد صدى لدى القارئ الفاهم ولو بعد حين”.
معضلة الكاتب ولاعب الكرة
عند البحث عن اسم الأديب عبد الحميد البسيوني عبر محركات البحث، قد تظهر نتائج عن لاعب كرة قدم سابق ومدرب حالي بالاسم نفسه، يحظى بشهرة أكبر. في عالم اليوم قد يكون تشابه الأسماء مشكلة حقيقية. خصوصا إذا كنت كاتبا تسعى لبناء أسمك في عالم الأدب. بينما يشاركك الاسم لاعب كرة يملأ الملاعب صخبا. تلك هي المعضلة التي يعيشها القاص والروائي عبد الحميد البسيوني.
أصدر البسيوني خلال مسيرته: مجموعة قصصية بعنوان “أصوات في الليل عن دار الثقافة الجديدة عام 1979. و”أخطاء صغيرة”، مجموعة قصصية عام 1995 عن الهيئة العامة للكتاب. و”عدة أسباب للقسوة” 1997 عن أدب الجماهير. وكتابا نقديا بعنوان “القصة والرواية في الإسماعيلية بين كرة القدم وثمرة المانجو عام 2007. قبل أن يصدر مؤخرا روايته الأولي “أن تكون في نيجريللي” 2015، عن مركز الأهرام للنشر.
ويبرر قلة إنتاجه وطول الفترات بين أعماله بأن فترة المراهقة والدراسة قبل الجامعة كانت مرحلة كتابة تدوينات شعرية. بينما بدأت رؤيته الأدبية تتشكل في الجامعة. حين تعرف على طلاب من اليسار السياسي شكلوا وعيه الجديد. بعدما انتقل من حياة الريف البسيطة في أجا إلى القاهرة حيث درس في كلية التجارة بجامعة القاهرة.

كيف يبتعد الكاتب عن الكتابة؟
يعتبر البسيوني فترة سفره إلى العراق للعمل كانت أطول مدة انقطاع عن الكتابة. إذ سافر عام 1979 وبقي حتى 1984 دون أن يكتب. وكان السبب نصيحة من كاتب مصري قابله هناك، حذره من أن يعرف نفسه ككاتب أو روائي أو أن يرتبط بالثقافة أو السياسة.
ويقول: “كانت العلاقات السياسية متوترة بين مصر والدول العربية بعد زيارة السادات للكنيست. وهناك لم أكتب، بل اكتفيت بالقراءة. كنت أعمل بمحافظة في جنوب العراق بتزكية من وفد وزارة الصناعة العراقية في مقابلة عمل بالقاهرة. ويبدو أنهم أدركوا ميولي اليسارية قبل سفري”.
قبل أن يستأنف الكتابة
يرى البسيوني أن تلك كانت أطول فترة ابتعاد عن الكتابة. وحتى بعد عودته إلى مصر وانتقاله للإقامة في الإسماعيلية عقب التحاقه بالعمل في إحدى شركات هيئة قناة السويس. استغرق وقتا طويلا – كما يقول – ليعتاد على المدينة ويتأثر بها قبل مواصلة الكتابة.
“لم أكتب عن فترة العراق، وإن ظهرت بعض ملامحها لاحقا. لكن الريف وذكريات الميلاد والطفولة ظهرت في شخصيات قصصي. لأن المكان يؤثر على الكاتب. الكتابة في جوهرها تشكيل جمالي للواقع، والمكان مادة الخام لها”.
ويضيف: “التعامل مع اليسار السياسي يجعل الكاتب يرى الواقع بشكل مختلف. لأن رؤيته تنبع من فهمه للعالم والقوانين التي تحكمه”. لذلك لعب تأثره باليسار دورا كبيرا في اهتمامه بالكتابة عن مشكلات الناس، والمدن الصغيرة مثل الإسماعيلية. وهو ما جسده في روايته الأولى “أن تكون في نيجريللي”.
الراوية الأولى
استغرقت كتابة “أن تكون في نيجريللي” ما بين عامي 1997 و2015. ويقول البسيوني: “هذه الرواية احتاجت وقتا طويلا لكي تنضج، عادة أكتب ببطء. قبل شهر كنت في طريق عودتي إلى الإسماعيلية من الإسكندرية. وحدث موقف أمامي منحني فكرة لقصة قصيرة، “لسه بتستوي في مخي.. قبل ما تتكتب على الورق”.
ويرى أن شهرة الكاتب قد تعتمد على ظروف مختلفة. ويحكي: “بينما كنت أبحث عن اسمي في محركات البحث استعدادا لبرنامج تليفزيوني، فوجئت بأن النتائج تشير دائما إلى اسم وتاريخ لاعب ومدرب كرة قدم بنفس الاسم. أتوه حتى أجد ما كتب عني”.
ويبستم قائلا: ” هو بالتأكيد أشهر مني، فالكرة أهم بالنسبة للجمهور. ليس في الإسماعيلية فقط، بل مصر كلها. لاعب الكرة أكثر شهرة من أي كاتب، وللأسف جمهور الثقافة أقل بكثير من جمهور الكرة”.
الكتابة عن المدن
يرى البسيوني أن الرواية ابنة المدن الكبيرة، وبما أن الإسماعيلية مدينة صغيرة نسبيا. فقد عانت من قلة الأدباء والكتاب، فلم يعرف المجتمع الأدبي إلا أسماء محدودة مثل محمود دياب، فؤاد طلبة، ومحمد عبدالله عيسى.
ولأن الأدب يلعب دورا مهما في تجسيد المدينة مادةً وروحًا، والحفاظ على تراثها وهويتها. فقط طغت على كتابات أدباء مدن القناة سمة المقاومة. وساد فيها شعر العامية لقربه من الناس وقدرته على الوصول إليهم. بينما ندر أن يخرج منها كتاب قصة أو رواية أو شعراء فصحى باستثناءات قليلة.
ونسج البسيوني شخصيات روايته متأثرا بشلة أصدقائه في الإسماعيلية خلال فترة التسعينيات. فحولهم إلى شخصيات روائية دارت حولها أحداث الرواية، التي تناولت التغيرات التي شهدتها المدينة في الثمانينيات. بعد ظهور التيارات الإسلامية المتشددة. إثر إطلاق السادات يد التيار الإسلامي في مواجهة الحركات اليسارية في الشارع والجامعات المصرية.
رسم صورة حقيقية لمصر
يقول البسيوني: “أنظر إلى الفن باعتباره تشكيلا جماليا للواقع في حركته وتحولاته نحو المستقبل. وقد سعيت من خلال رواية “أن تكون في نيجريللي” إلى رسم صورة حقيقية لمصر بعد حرب أكتوبر. حين أطلق السادات ما يسمون بمسجوني الإخوان إلى الشوارع. بالتزامن مع عودة أعداد ضخمة من المصريين العاملين في الخليج حاملين ثقافة الصحراء والعودة إلى الماضي. وفي الوقت نفسه، كانت السلطة منشغلة بالاتجاه نحو الرأسمالية والانفتاح الاقتصادي. فساءت الأحوال وانحدرت ثقافة المجتمع إلى الأسفل. كان علينا أن نجسد ذلك في أعمال فنية، حتى نتمكن من شرحه للجميع”.
ويختتم حديثه مضيفا: “الرواية تجسد هذه التحولات وتشير إلى ضرورة التخلص منها. معظم شخصياتها مأخوذة من المجتمع من حولنا. من أصدقاء في الإسماعيلية بأصوات مختلفة ونماذج عدة. كما أنها تصور الصراع بين التخلف والرغبة في التقدم، وهو الصراع الذي ينتهي بانتحار الشخصية المثقفة في الرواية، المتمثلة في “بهجت”. الذي تعرض لاعتداء من عناصر الإخوان دفعه في النهاية إلى الانتحار. وبذلك تكون رسالتي وغرضي من الرواية هو تصوير الواقع المر الذي عشناه أثناء تحول المجتمع المصري من مجتمع منتج إلى مجتمع مستهلك. وسيطرة السماسرة والتجار على مفاصله”.
اقرأ أيضا:
«بطرس كساب».. وسقط بيت آخر من بيوت السويس المنسية
إنقاذ سور «بيت المساجيري».. السويس تعيد الروح إلى البيت العتيق