الكاتب عصام الزهيري في ختام «الرحلة»: لا توجد خطورة من العامية على الفصحى

ناقش الكاتب والقاص عصام الدين الزهيري إشكالية تأثير اللغة العامية على اللغة العربية الفصحى، وذلك خلال مشاركته في ندوة «علاقة المصرية القديمة بالعامية» التي أقيمت على هامش افتتاح فعاليات النسخة الثالثة من معرض «الرحلة» الذي نظمه موقع «باب مصر» بالتعاون مع قصر ثقافة الفيوم واستمر على مدار يومين.

معركة تحتاج لبحث

في البداية وجه الكاتب الصحفي محمد شعير حديثه للقاص عصام الدين الزهيري، وقال: إنه في عام 1955 كان الدكتور طه حسين هو رئيس تحرير جريدة الجمهورية وكتب بها سلسلة مقالات هامة للغاية حول اللغة العربية واللغة العامية. وكتب اسمه وقتها “طاها” بالمد وكانت تلك إحدى المعارك المجهولة للدكتور طه حسين بالنسبة للكثيرين. لذا تحتاج للبحث مرة أخرى، وذلك لكونه حيث أحد حماة اللغة العربية في مصر. كما أنه قرر أيضًا كتابة مقالات باللغة العامية المصرية، والمدهش أن يأتي هذا القرار من طه حسين.

ورد الزهيري: هل ما نتحاور عليه اليوم هو اللغة بمعناها العام أم اللغة كما نملكها؟. لأن اللغة بمعناها العام هي لغة بشرية واحدة، وهناك فرضية علمية ينكرها الغرب للأسف، وهي فرضية “أننا نمتلك لغة بشرية واحدة”. وهنا يأتي سؤال هام هل اللغة هوية أم معرفة؟

لغة هوية

وتابع: أعتقد أن اللغة العربية ليست هوية. حيث سنجد ثقافات كثيرة تتكلم عدة لغات، وهناك عدة قوميات تتكلم نفس اللغة، لذا يقودنا ذلك لسؤال آخر مهم وهو كيف وصلت لدينا اللغة؟. وهل هناك لغة مصرية ولغة عربية فصحي؟

وأجيبكم: أنا لا أعتقد أنه يوجد ذلك، لأنه عندما نرى في القرن الرابع أو الخامس الهجري عملاق مثل الجاحظ أو المبرد وغيرهم من العمالقة، الذين قالوا وقتها أن اللغة التي يكتبون بها ليست لغة البدو أو العرب قبل الإسلام. هذا دليل على أن اللغة العربية الفصحى التي كان يتحدث بها جيل ما قبل الإسلام تختلف عن اللغة الفصحى لما بعد الإسلام، غير التي تحدث بها العباسيين والفاطميين في مصر. فنحن هنا أمام شيء يتحور ويتغير ويتطور مع مرور الوقت، لكن في النهاية لا يفقد جوهرة وهو اللغة العربية.

ويرى الزهيري أن هناك أساس واحد للغة البشرية وهو “جهاز النطق”. فنحن جميعًا بشر نتحدث بنفس جهاز النطق في أي مكان في العالم بنفس الإمكانيات لكن باختلاف. ومن خلال علم الصوتيات نستطيع أن نكتشف لماذا لغة تختلف عن الأخرى في النطق. على سبيل المثال “أقول” في اللغة العربية، تنطق بالعامية “آاول”. وفي الصعيد أصبحت “أجول” لماذا؟، هل لعجز في الجهاز الصوتي، بالطبع لا فهناك من يقول الكلمات الثلاثة بسهولة.

وأوضح، هناك تراكيب معينة في كافة اللغات في مختلف المناطق، وتلك الأمور تحتاج لمناهج علمية، وليس لإحالتها لفكرة الهوية. إذ أنها تعود للثقافة والجغرافيا والأسرة والعالم المحيط ومؤثراته. ويجب الابتعاد بالمسألة عن فكرة الهوية للدخول لأرض المعرفة، كي نعرف كيف وصلت إلينا اللغة؟. ويجب أن يكون لدينا الوعي وخاصة لدى الكتاب بأصل اللغة التي نستخدمها.

قناعات خاطئة

وتحدث الزهيري عن وجود بعض القناعات لدى الكثير، والتي أثبت خطئها الآن ومنها مصطلح “النقاء العرقي”. فهذا وهم ولا يوجد على سبيل المثال ما يقال عن الحامية أو السامية، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، شهدت العديد من الهجرات على مر التاريخ، سعيًا وراء العمل، والماء وخلافه، ولأسباب طبيعية أو اجتماعية. وأشار الزهيري إلى نظرية ذكرها الكاتب لويس عوض وهي أن الحامية والسامية ليست نظرية عرقية ولكنها لغوية. حيث كانت توجد سلالات معينة تنطق السين حاء، وأخرى تنطق الحاء سين.

وأكمل: المصرية القديمة كان يطلق عليها أنها “كلام الله”، تلك اللغة التي اندثرت الآن. وهو ما نراه الآن غير معقول ولا يصح بعد أربعة آلاف سنة أن يتحدث البعض عن اللغة العربية على أنها كلام الله، وأنها لغة مقدسة. وفي ذلك مغالطة كبيرة لأن “الله سبحانه وتعالى لا يتكلم لغة البشر” ولكن يرسل إلينا الرسائل بلغتنا، وهذا تجاوز لأصول العقيدة.

لا توجد خطورة

“لا توجد خطورة من اللغة العامية على اللغة العربية الفصحى”. هكذا قال الزهيري، مضيفًا المشكلة أن هناك من لا يعترف بالواقع وتطور اللغة. فأنا ابن اللغة العربية التي تطورت بهذا الشكل الآن. وفي كل دول العالم نجد هناك لغة للفكر ولغة للنطق. كما أن اللغة الفصحى أيضًا تطورت مع الوقت وما توجد الآن ليست هي لغة الجزيرة في الماضي البعيد، لكنها لغة متطورة.

وأضاف، الآن على سبيل المثال، اللغة العربية الفصحى تصنف على أنها لغة فكر، مثل لغة الصحافة ونشرات الأخبار، ليست كاللغة التي نتحدث بها، نحن لا نحتاج لصراعات جديدة أيدلوجية وهمية. فلا نرى اللغات تقفز من القواميس كي تتنازع لكنها تتعايش وتنتج. وقد نرى لهجة ما تظهر في عصر وتختفي في عصر آخر، وبالفعل أصبحت العامية المصرية هي اللغة الأولى بالمنطقة.

ويري الزهيرى أنه إذا ما تقلص أو كف الإبداع المصري عن ضخ الدماء في اللغة العامية المصرية، أو توقف عن الإبداع فيها. قد تظهر على السطح لهجات أخرى بإنتاجها الثقافي، تستطيع أن تحل محل العامية المصرية.

واختتم حديثه بقوله: يجب أن نعيد قراءة اللغة العامية والعربية في نفس الوقت ودراستهم بطريقة علمية ومعرفية. بعيدًا عن مسألة القداسة. وهنا يمكننا أن نجيب على سؤال هل اللغة هوية أم معرفة؟ فإذا كانت هوية فنحن لا نحتاج إلى دراسة. وإذا أقتنعنا أنها معرفة فعلينا الآن أن نكتشفها من خلال النظريات العلمية. فكما لا يوجد نقاء عرقي لا يوجد بالطبع نقاء لغوي.

اقرأ أيضا

تنظمه «ولاد البلد»: اليوم افتتاح النسخة الثالثة من معرض «الرحلة» بالفيوم

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر