من الأدب الفرعوني| هي مصدر «سفر الأمثال».. رسالة «أمونمبي» للعالم ج(1)

في عام 1888 حصل السير “والس بادج” على بردية مكتوبة بالخط الهيراطيقي – محفوظة الآن بالمتحف البريطاني – عرفت بتعاليم “أمنومبي”، بحسب سليم حسن في كتابه (الأدب المصري القديم).
ويلفت حسن إلى أن “بادج” أعاد كتابتها بالهيروغليفية وترجمها ونشرها في عصر شامبليون، ثم أعاد كتابتها بعد إضافة بعض المصطلحات إليها في عام 1924، ملمحا إلى أن تلك التعاليم أثارت جدلا علميا كبيرا في تلك الفترة، حيث اجتهد عدد من الباحثين في دراستها وتحليلها منهم العالم الأثري “أرمن” والذي كتب مقالا مهما أثبت فيه أن تلك التعاليم كانت هي المصدر الذي اعتمدت عليه “حكم سليمان” والمعروفة بـ”سفر الأمثال العبرية”، واعتقد أرمن أن الدليل على أن سفر الأمثال قد نقل من تعاليم أمونمبي أن كل منهما قسم إلى ثلاثين فصلا، مع ملاحظة أوجه التقارب في المعاني، ويلفت (أرمن) أن التعاليم كانت بمثابة رسالة أمنومبي للعالم أجمع وليست موجهة إلى ابنه (حور ماخر) فقط، مدللا على ذلك أن التعاليم كانت تستخدم بمثابة كتاب المطالعة لتدريب التلاميذ على فن الكتابة والإملاء في عصر الدولة الحديثة (1550- 1170ق.م) والعصر المتأخر (1085-332 ق.م)، مبرهنا على ذلك باكتشاف لوحة خشبية محفوظة بمتحف تورين، عليها طبقة من الجبص مكتوب عليها فقرات من التعاليم.
وحسب ما أشار حسن إليه فقد اختلف علماء الآثار حول تاريخ كتابة التعاليم إلا إنه يرجح نظرية كل من أرمان ودلجا في أنها تعود إلى الفترة ما بين الأسرة 21 (1070-945 ق.م) والأسرة 22 (945-720 ق.م).

درس الحياة

ويورد حسن أن أمونمبي في الديباجة التصديرية للتعاليم وكدأب معظم كتاب الدولة الحديثة يفصح عن الهدف الأساسي من تلك التعاليم ويوجهها لابنه (حور ماخر) – والذي يطمح أن يرث وظيفة أبيه ككاتب ملكي -، ويذيل ذلك بسيرته الذاتية، قائلا: “بداية درس الحياة والإرشاد إلى الخير، وكل قواعد الاندماج بين الموظفين، وعادات معاملة رجال القصر، ليعرف كيف يجيب (شفويا) على سؤال يلقى عليه،
وأن يرد (كتابة) على مسالة لمن يستفسر عنها”.
يعتقد حسن أن  للتعاليم هدفين؛ هدف عام يتمثل في أنها درس عام في الحياة يصلح لكل شخص وكل زمن وهو ما عبر عنه في السطر الأول بـ”درس الحياة والإرشاد إلى الخير”، وهدف خاص تمثل في السطرين الأخيرين بأن يجيب شفاهة وكتابة على ما يعرض عليه من معضلات تتعلق بأمور إدارة الدواوين الملكية.
وفي تعريفه بنفسه يورد أمونمبي: “الفه ملاحظ الأراضي الحاذق في عمله وهو نتاج كاتب مصري، ملاحظ الأغلال ومدير المكاييل…، أمونمبي بن كانخت”.
ويتابع: “لابنه أصغر أولاده، المنصب “حور” على عرش والده، واسمه الحقيقي (حور-مع –حور)”.

(1) أسلم أذنيك واستمع

“أسلم أذنيك واستمع إلى (الكلمات) التي تقال، اشحذ فكرك لتفسرها (أي لتفهمها)، وإنه لمن الخير أن تضعها في لبك”، ويقارن حسن بين هذه المقطوعة والفصل رقم 22 بسفر الأمثال والذي يقول: “أمل أذنيك واسمع كلام الحكماء ووجه قلبك إلى علمي، فأنه يلذ إذا حفظته في باطنك”.

(2) لا تجعل نفسك رسول سوء

“احذر أن تسلب فقيرا بائسا، أن تكون شجاعا أمام رجل مهيض الجناح، ولا تمدن يدك لتمس رجلا مسنا (بسوء)، ولا تجعلن نفسك رسولا في مهمة ضارة (أي رسول سوء)”.

(3) ونم ليلة قبل التكلم

“لا تشتبكن في جدال مع أحمق ولا تخزّنّه بالألفاظ (أي لا تجرحه بالألفاظ)، تأن أمام متطفل، وأعرض عمن يهاجم، ونم ليلة قبل التكلم، لأن العاصفة تهب مثل النار في الهشيم”.

(4)الحلم شجرة باسقة

“أما الرجل الأحمق الذي يخدم في المعبد، فمثله كشجرة نبتت في الغابة، ففي لحظة تفقد خضرتها ويكون مصيرها مرفأ الأخشاب والنار كفتها (أي مثواها)”.
“أما الرجل الحليم حقا: فهو الذي يضع نفسه جانبا (حيث يجب)، فمثله كشجرة باسقة في حديقة، تنمو يانعة وتضاعف ثمرتها، وثمرتها حلوة ولها ظليل”.

(5) لا تكونن جشعا

“لا تسيء استعمال أنصبة المعبد، ولا تكونن جشعا حتى تجد الخير العميم”.

(6) لا تزحزن الحد الفاصل

“لا تزحزن الحد الفاصل (بين الحقول)، ولا تحولن موقع خيط القياس ولا تطمعن في ذراع أرض، ولا تقذفن بحدود الأرملة (أي لا تتعد عليها)، وأن المسلك الذي عبده الزمن، من يغتصبه ظلما في الحقل، بأن يتصيده بالأيمان الكاذبة، لأنه يكون ظالما للضعيف، وبيته عدو للمدينة، ولكن أجرانه تخرب وأمتعته تنتزع من يد أطفاله وأملاكه تعطى غيره، واحذر رب العالمين، وأن المكيال الذي يعطيه لك الله خير لك من خمسة آلاف تكسبها بالبغي”.
وفي الفصل 22 من سفر الأمثال ورد نفس المعنى بهذه الصيغة “لا تزح الحدود القديمة التي وضعها آباؤك”، وفي الفصل 23: “لا تزح الحدود القديمة ولا تدخل حقل الأيتام”، ويقابل السطر الأخير من التعاليم بسفر الأمثال في الفصل رقم 15: “القليل مع مخافة الرب خير من كثير عظيم مع الاضطراب”.

(7) ساعة الحظ

“لا تندفعن بقلبك وراء الثروة، إذ لا يمكن تجاهل شاي ورننت” (إلهي الحظ)، فكل إنسان مقدر له ساعته (ساعة حظه)، أي أن خيره موكل بحظه، لأن الثروة لو أتت إليك من طريق السرقة، فإنها لا تمكث سواد الليل”.

(8) ضع طيبتك في جوف الناس

ضع طيبتك في جوف الناس (في أعماق قلوبهم)، حتى يحبك كل إنسان. احفظ لسانك سليما من الألفاظ الشائنة وبذلك ستصبح المفضل عند الآخرين وستجد مكانك في المعبد وستخدم في شيخوختك وستكون في مأمن من بطش الآلهة”.

(9) احفظ لسانك

“لا تخالطن الرجل الأحمق ولا تدن منه لتحادثه، واحفظ لسانك سليما من مجاوبة رئيسك واحذر من أن تذمه، ولا تجعله يرمي بكلامه ليحبلك (ليوقعك في أحبوله)، ولا ترخ العنان لجوابك، وأحذر الاندفاع في النطق به، فالإنسان يبني ويهدم بلسانه”.

(10) لا تقولن السلام عليكم رياءً

“لا تصافحن قرنك الأحمق على الرغم منك، ولا تحزنن قلبك من أجل ذلك ولا تقولن له (السلام عليكم) رياءً، عندما يكون في باطنك حقد (تدابير فظيعة)، ولا تتكلمن مع إنسان كذبا فذلك يمقته الله، وأن الممقوت من الله من يزور كلام، لأن أكبر شيء يكرهه هو النفاق”.

(11) لا تطمع

“لا تطمعن في متاع تابع (فقير) ولا تتطلعن (جوعا) لخبزه، والواقع أن متاع التابع شجا للحلق ومقيئ للزور، وعندما يحصل عليه بالأيمان الكاذبة، تنعكس رغبته ببطنه (أي يلفظه مرة أخرى بعد ابتلاعه)”.

(12) خدمة الشريف

“لا تطمعن في متاع شريف، ولا تعطين مقدارا من غذاء الخبز تبذيرا، إذا نصبك على إدارة أعماله، فابتعد عما يخصه حتى يثمر ما تمتلكه، وإذا أرسلت لنقل التبن فابتعد عن مكيال الغلال، (لأنك لم ترسل لتقوم بذلك)، وهتك ستر الرجل في أمر حقير، يعوق استخدامه مرة أخرى”.

(13) جرة قلم

“لا تضرن رجلا بجرة قلم على بردية، لأن ذلك يمقته الله، ولا تؤدين شهادة كذبا ولا تزحزحن إنسانا آخر بلسانك، ولا تفرض ضريبة على شخص لا يملك شيئا، ولا تستعمل قلمك في الباطل، وإذا وجدت فقيرا عليه دين كبير فقسمه ثلاثة أقسام وسامحه في اثنين وابق واحدا وستجد ذلك سبيلا للحياة وستضطجع بالليل وتنام نوما عميقا وخير للإنسان (أكل) الخبز مع قلب سعيد من الثراء مع الكدر”.

(14) الكرامة

“لا تحترمن شخصا (لا تفرض على نفسك الذلة لشخص)، ولا تجهد نفسك لتبحث عن يده (أي مساعدته)، اذا قال لك خذ رشوة، لأن ذلك ليس بالأمر الهين، ولا تكن خجلا أمامه وتحني رأسك له، ولا تلقين بنظرك إلى الأسفل”.

(15) واجب الكاتب

“لا تغمس قلما في المداد لتفعل الضرر، فإن منقار “أيبيس” (إله الكتابة) هو أصبع الكاتب واحذر من إزعاجه، فإذا رأى من يضر باسمه، لأنه يرمي بطعامه إلى اللّجه العميقة، أما الكاتب الذي يضر بإصبعه، فإن ابنه لن يحفظ في السجل”.

هوامش

الأدب المصري القديم – سليم حسن – الهيئة العامة للكتاب (مهرجان القراءة للجميع 200) – من ص 231 إلى ص 280.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر