عرض لكتاب “حوار مع فدريكو فلليني” جيوفاني جرازيني

كتب – مارك أمجد

بلغة تشبه أفلامه تماما، يتحدث المخرج الشهير فدريكو فلليني لمحاوره الصحفي جيوفاني جرازيني، حينما انتهز فرصة تواجده في أحد المهرجانات السينمائية، فينيسا على الأغلب، وطلب منه أن يحظى بوقت ليس بقليل معه.

يصرح فلليني، أنه رغم شهرته ليس من هواة إجراء الحوارات الصحفية، لأنه لا يعتقد أنه يقول كلاما هاما، وفي أكثر من موضع من الحوار يتوقف سائلا نفسه قبل سؤال محاوره، إن كان ما يتفوه به سيضيف شيئا لمن يقرأه من المهتمين بالسينما.

بفطنة صحفية يستدرج جيوفاني جرازيني المخرج الملهم إلى مناطق بعيدة تخص طفولته ونشأته الكاثوليكية المتحفظة، وتخبطاته في وظائف بسلك الجرائد، واستقراره أخيرا في مجال كتابة السيناريو وإخراج الأفلام، ودون شفقة يمطره جرازيني بكل الأسئلة التي تدور حول أي مخرج معروف، لكن يتحرج الجمع من توجيهها له في المحافل العامة؛ مثل هل أراد أن يتملق المؤسسة الفلانية أو يشوه أخرى؟، وهل استخدم أفلامه كوسيلة انتقام من الكاثوليكية والفاشية والبيئة الإيطالية برمتها.

لا يتحرج فلليني من حكي أمور لا يمكن أن نتصورها عنه، فكثيرا ما انتابه اليأس وفكر في التراجع قبل الشروع في أهم أعماله، ويذكر أنه ليلة أول يوم لتصوير فيلمه 8½ فكر جديا أن يلغي كل شيء وجلس إلى مكتبه يكتب خطابا طويلا للمنتج، مفاده أن هو فدريكو فلليني يعتذر عن تنفيذ هذا الفيلم، وكان يخطّ جوابه السوداوي بينما تتناهى إلى مسمعه أصوات دقّ شواكيش العمال في موقع التصوير بالخارج، ثم خرج ليتسامر معهم وللغرابة وجدهم يحتفلون بعيد ميلاد واحد منهم، وعند رفع كؤوس النخب احتفلوا بالأولى بفيلم “فلليني” الجديد الذي على وشك أن يدخلوا التاريخ غدا عندما يبدأ تصويره، فخجل المخرج جدا من نفسه واحتفظ بورقة الجواب في خزانته.

يوضح فلليني علاقة السينما بالسياسة من منظوره، وبالأخص في دولة مثل إيطاليا مرّت بظروف حربية عصيبة، وهو يذكر الأمور التي استنبطها من تأمله كفنان لشخصيات مثل موسوليني وأدولف هتلر، وكيف قرن بعض الشواهد والتلميحات في أفلامه بهذين القائدين، كذلك علاقته الصعبة بالكرادلة، لأن الكنيسة شكّلت دوما على أفلامه هيئة رقابية مستقلة عن الدولة صعبة المراس، وفي أحيان كثيرة كان يحدث أن يطلبوا حذف مشاهد يعتبروها إباحية أو بذيئة، لكن الرقابة طاردت فلليني حتى لما خرج من إيطاليا، فهو يذكر ضمن الوقائع التي يسردها بحواره لقاء تم بينه وبين رجل بارز من الاتحاد السوفيتي، ولما رفض فلليني حذف مشهد واحد بناء على رغبته، سأله السوفييتي بكل براءة لماذا تريد حرمان الشعب من الاستمتاع بفيلمك؟

من أجواء الحوار نقرأ:

لقد تجاوزت الستين… هل تقلقك الشيخوخة؟

آه، أجل عمري 64 عاما. أكرر هذا الأمر مرارا لأقنع نفسي به، مع ذلك أواظب على الإنصات بأذني الباطنية لأعلم إن تغير شيء، أو أصابه الصدأ أو العطب باختصار، لأسمع ما يشعر به ويفكر فيه شخص بلغ الرابعة والستين، عندما جئت لروما لأول مرة، سكنت في نزل، وكان جاري عاملا في الأربعين تقريبا لكنه يحاول جاهدا أن يبدو أصغر سنا، فقد كان يذهب إلى الحلاق يوميا ويستخدم كمادات وطلاء لشد بشرة الوجه، غالبا ما كنت أراه يخرج من غرفته مرتديا الروب، يغلق الباب، يقف بلا حراك لعدة ثوان ممسكا بمقبض الباب، ثم فجأة يعيد فتح الباب ويقحم رأسه داخل الغرفة.

كانت هذه الحركة تثير فضولي، فسألته يوما عن السبب الذي يجعله يفعل ذلك، في البداية بدا أنه غير راغب في إخباري، لكن بعد حين نظر مباشرة في عينيّ وقال إنه بإقحام رأسه على نحو مباغت وسريع، بعد إغلاق الباب للحظة، إنما كان يحاول أن يكتشف من خلال الشم ما إذا كانت هناك رائحة شيخوخة عالقة في الغرفة.

فدريكو فلليني

مخرج سينمائي إيطالي وكاتب سيناريو أيضا (1921-1993) عمل بالصحافة والراديو في بدايات حياته المهنية ثم انتقل للسينما، حصل على عدة جوائز من بينها الأوسكار والسعفة الذهبية، ومن أشهر أعماله: روما والطريق و8½ والحياة الحلوة.

عن الكتاب

الحوار صادر باللغة العربية عن منتدى مكتبة الإسكندرية ضمن سلسلة كراسات السينما في 130 صفحة من القطع الكبير، من ترجمة أمين صالح، ضمن إطار الدورة السادسة 2007 من مسابقة “أفلام من الإمارات”.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر