الفنان علاء عبدالحميد: «ليتني أستطيع تحمل هذا الجمال البشع»!

يصر «علاء عبدالحميد» على تعريف نفسه بالفنان البصري المعاصر، لا يحب الخلط بين الفن التشكيلي والفن الحديث والفن المعاصر، لأن الفن المعاصر ضد فكرة المركز ولا يعتمد على أي ثوابت حتى في تقنية الرسم أو النحت ذاتها، ولا يشترط أن يجيد الفنان المعاصر الفن، ولا يشترط أن يعتمد على تكنيك ثابت. ولكنه يرى أن الفن المعاصر هو فن ذهني بالدرجة الأولى. إذ يستخدم أدوات معاصرة للتجهيز من الفراغ.

تطورات نمطية

ولد علاء عبدالحميد بطلخا عام 1986، وانتقل للعيش في القاهرة منذ 2003. ثم حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة- قسم النحت من جامعة حلوان في 2008. كما حصل على درجة الماجستير من جامعة جينيف، كلية الفنون والتصميم “HEAD- Genève” لصالح برنامج (work.mater) للممارسات الفنية المعاصرة بجنيف– سويسرا في عام 2018.

يتساءل عبدالحميد – في دراسته – عن السبب الذي جعلنا نرى الفنان التشكيلي بصورته النمطية على هيئة إما صورة الفنان البوهيمي المجنون مثيرا للضحك أو الفنان الغارق في نزواته. حتى أصبحت كلمة فنان تجر هذين التصورين في العقل الجمعي. ونقب أكثر حول متى بدأ هذا التصور يظهر في السينما المصرية وهل كان بسبب رؤية المجتمع التي انعكست على السينما أم العكس.

يقول عبدالحميد: “كان يجب أن أبحث عن كل الأفلام التي ظهر فيها فنانون تشكيليون في السينما المصرية. تخيلت أن الأمر سيكون سهلا وأنني سأجد قوائم بها أسماء الأفلام وتاريخ إنتاجها ليسهل علي البحث في عناصرها. لكن لم أجد أي قوائم تجمع ذلك. وخلال بحث امتد لثلاثة أشهر وصلت لـ120 فيلما روائيا من الثلاثينيات حتى السبعينيات. وهذا اعتبره الجزء الأول من الرسالة لأني مع البحث وجدت عددا أكبر لكنني اكتفيت بهذا العدد في الجزء الأول”.

الفن التشكيلي

وتابع: أردت تقسيم فصول الرسالة حسب الأنماط المتكررة التي يظهر بها الفنان التشكيلي في السينما. لكني اكتشفت أنه لا يوجد أبحاث سابقة، انشغلت بهذه النقطة لأبني دراستي عليها.

غير عبدالحميد مسار دراسته وأصبحت مقسمة حسب الأقدمية والأحداث السياسية والاقتصادية المرتبطة بتشكيل هذا التصور عن الفنان التشكيلي في السينما المصرية. بداية من سنة 1937 المتوازية مع بداية تاريخ صناعة السينما وتاريخ الفن الحديث في مصر. ثم فصل آخر يخص الأفلام في فترة الحرب العالمية الثانية ما بين 1939 و1945. ثم فترة ما بعد الحرب وظهور أغنياء الحرب الذين أثروا في صناعة السينما ومسار الفن في مصر 1945 و1952. وهناك فصل عن فترة العدوان الثلاثي وما بعده من 1952 لـ1956 وعلاقة هذا الحدث السياسي والاقتصادي وتأثيره على صناعة السينما وصناعة الفن الذي امتد لفترة طويلة وشكل محطة مهمة في التصور النمطي عن الفنان التشكيلي.

يستطرد الفنان: “بعد النكسة أصبح استديو الفنان بيئة خصبة أو مبررا دراميا للمحتوى الجنسي في أي فيلم أنتج في هذه الفترة. وهذا بالنسبة لي ليس سلبيا أو إيجابيا إنما مبتور. كان لدي سؤال عن لماذا لا توجد أفلام وثائقية عن حياة فنانين لتوازن ما يظهر بشكل كوميدي على الشاشة. أنا لست ضد الكوميديا التي تستخدم الفنانين كمادة للضحك لكن حينما ننظر للسينما الآسيوية مثلا نجد هذا التوازن في المعادلة”.

الفهرس المصور

في نهاية 2020 أطلق عبدالحميد مشروع أرشيف الفنون الجميلة في مصر والبلاد العربية، على منصة “انستجرام” بعنوان “الفهرس المصور”. والذي يتيح فيه المعلومات عن كتب وصور مجلات وكتالوجات ومطويات ووثائق جميعها متعلقة بتاريخ الفن الحديث في المنطقة العربية. ويعتمد المشروع على مكتبته الأرشيفية الشخصية التي تحتوي على أكثر من 7000 وثيقة مرتبطة بتاريخ الفن الحديث في المائة عام الأخيرة.

فكرة الأرشيف أصبحت تريند في عام 2014. عديد من الفنانين بدأوا في الأرشفة واعتبر أن هذا التوجه سببه كان سياسيا في المقام الأول. بسبب إدراك لحظة الهزيمة بعد الثورة التي جعلتنا نبحث عن إجابات عن لماذا نحن في هذه اللحظة؟ وهذا ما جعل هناك اهتمام بالأرشيف بشكل عام، ربما للبحث في تاريخ غير رسمي أو رواية بديلة.

يقول: “السلطة لم تكن مهتمة بكتابة تاريخ الفنون الجميلة. كل ما كتب كان جهودا فردية لم يكن هناك رواية رسمية موجهة لكتابة تاريخ الفنون الجميلة. ربما يوجد رواية لكنها مبتورة بسبب عدم الاهتمام”.

جزء من المكتبة
جزء من المكتبة 
 أرشيف يخص المرء وحده

مخاوف عبدالحميد تدور حول كلمة بعد الموت. يقلق من فكرة أن تجميعه للأرشيف أو لأرشيفه الشخصي سيؤول في النهاية لأي بائع روبابيكيا بعد موته.

يقول: “هكذا حصلت على معظم مواد الأرشيف، من بائعي الروبابيكيا. مثلا اشتريت مكتبة” محمود البسيوني” الذي يعد من أهم الكتاب في تاريخ التربية الفنية في مصر من الستينيات حتى التسعينيات. وأيضا مختار العطار ونعيم عطية ومحمد حمزة والعديد من النقاد الفنيين اشتريت مكتباتهم بهذا الشكل”.

وتابع: لهذا أطمح أن أحول هذا الأرشيف لمؤسسة سواء أنا هنا أم لا. لأنني قلق حيال إعطاء الكتب لمؤسسة حكومية. لأني مهتم بوجود أرشيف متخصص ومتماسك لهذا المجال فقط وبتسلسل معين.

العقاد كمدخل لفهم تاريخ الفن في مصر

لم يكن لدى عبدالحميد أي تصور كيف يريد قراءة تاريخ الفنون الجميلة. فهو يعرف أنه بهذه الطريقة سيفقد حياديته وتتحكم ميوله ووجهات نظره في اختيار الكتب والوثائق. ويقول: “هناك العديد من الكتب عندي لا أحبها لكنني حيادي في الأرشفة، أضع وجهة نظري فقط حينما اشتغل على بحث مثل كتاب “عباس محمود العقاد مقالات نادرة عن الفنون الجميلة” رغم أنني لا أحب آراءه”.

خمس سنوات استغرقها عبدالحميد في جمع مادة الكتاب. وقبل البدء فيه كان يريد أن يستكشف تطور استخدام المصطلحات الفنية المتخصصة المستخدمة في الكتابات النقدية، في الوسط الفني والثقافي في مصر.

وحينما أعاد قراءة الكتابات النقدية في مجالات الفنون الجميلة في مصر على استحياء في 1908 مع افتتاح “مدرسة” في ذلك الوقت. أخذ مجموعة من الكتاب على عاتقهم مهمة الكتابة النقدية قبل ظهور حركة نقدية متخصصة في مجال الفنون الجميلة. مثل سلامة موسى وإبراهيم عبدالقادر المازني ومي زيادة ومحمد حسين هيكل وعباس محمود العقاد وغيرهم.

ولكن العقاد كان أكثرهم إنتاجًا فيما يتعلق بالكتابات عن الفنون الجميلة. من حيث الغزارة والاستمرارية. فقد ظل يكتب عنها حتى وفاته عام 1964. فرأى أن تتبع هذه الكتابات مهم لتحليلها ودراستها من أجل إعادة قراءة تاريخ الفن في مصر منذ بدايته.

الكتاب يضم حوالي 30 مقالة منها مقالات رد على العقاد في الفن من جانب الرافعي ورمسيس يونان وسلامة موسى وغيرهم.

اللعب داخل التجربة

“فرد أمن” تجربة روائية للفنان عبدالحميد في عام 2012 عن دار دار ميرميت، يقول عنها: “كانت تجربة محبطة بالنسبة لي بسبب التوزيع. حينما كان يسألني أحدا عن الرواية أخبره أنه لن تجدها سوى في دار النشر. لحظتها شعرت أنه لا جدوى من النشر، لكنني لم أستطع التوقف عن الكتابة لذلك أدخلت الكتابة في ممارستي الفنية”.

نشر عبدالحميد كتابا مصورا عام 2016 بعنوان “المجسم الذي عثر عليه مرتين- دفتر الهوامش”. يعتمد على نصوص مضفورة بالوسيط البصري “الصور”. ويأتي النص تأويلا لثلاثة نصوص متشابهة أولهم وصفيا وثانيهم أدبي وثالثهم فلسفي.

تلعب الهوامش دورا أساسيا في دعم هذا النص ويتم الاعتماد عليها بشكل دائم، لأن الكاتب يفترض اختلاف ثقافات من سيقع تحت أيديهم هذا النص، والاستشهادات، والمقتطفات من النصوص الأخرى هي تماه مع طريقة والتر بنيامين في التعامل مع اللغة. فقد كان يسمى هذه الطريقة– استخدام نصوص أخرى للاستشهاد- “الموزاييك الأكثر جنونا”.

وثائق من الفهرس المصور
وثائق من الفهرس المصور

يقول: “أثناء إقامتي في فرنسا أردت تطوير العملية الذهنية في إنتاجي الفني. وقتها أصبحت الأفكار الفلسفية هي التي تحركني وهي أهم ما في منتجي البصري للتفاعل مع الجمهور. استمتعت بهذا لكن ما غير هذا الاتجاه هو أحد المدرسين الذين علقوا على عملي بسؤال “أمي تفهم ده؟”.

بسبب هذا التعليق كان المشروع الذي يليه عبارة عن كائنات خرافية بلعب الأطفال، تستطيع أمي أن تفهمه ويستطيع الجميع أن يستمتع به وفي نفس الوقت فيه رؤيتي دون الوقوع في فخ الضحية.

تحمل هذا الجمال البشع

وصف الجمال في المصطلح لا يعتمد بالدرجة الأولى على جمال الشكل، وإنما الغرض من عمله، أو بمعنى أدق صفاء مضمونه من أغراض أخرى غير الجمال ذاته.

يستخدم عبدالحميد مفهوم الجمال المتشظي ليعبر عن الجمال من وجهة نظره. فهو يرى أن مفهوم الجمال غير متماسك وأن هذا شيء ليس بالسلبي إنما على العكس هذه الرؤية تسبب ثراء.

يقول: “حالة التشظي غير موجودة على أرض الواقع، الجمهور يحب أنماطا معينة والسوق يرحب بأنماط معينة هو الآخر هذا يشعرني بنوع من الخلل حولي”.

أحيانًا تشكل عملية تجاوز تلك المفاهيم المحافظة عبئًا ثقيلًا يصعب تحمله. ففي عام 1941 كتب الفنان رمسيس يونان منتقدًا: “تلك الموجة من الجمال الكلاسيكي المحافظ، الذي لا يخجل من سوء مستواه، ولا من جماله البشع”. ولتخفيف هذا العبء، شارك عبدالحميد في معرض “قشر البندق” الذي أقيم في شهر مايو الماضي في جاليري “اكسيس” بأعمال فنية عبارة عن رسم على “قطاعي” الإنسان البدائي والحضارات القديمة تحت عنوان “ليتني أستطيع تحمل هذا الجمال البشع”.

تجربة هامشية

يقول عبدالحميد: “هذه التجربة على هامش ممارستي الفنية، هذه المرة الأولى لي في الرسم واستعنت به كبحث عن المساحة التي يمكن أن التقي بها مع الجمهور وآليات السوق. وهذا ما جعلني أرجع الرسومات البدائية لأن هذا المفهوم الأول الذي عرف به البشر مفهوم الجمال من رسومات الكهوف، هذا يعني أنه متجذر فينا وأننا سنتقبله”.

أنتج عبدالحميد هذه الرسومات بين عامي 2014 و2022 وفي كل مرة يعود للعمل عليها يشعر أنه يراها لأول مرة، ويتطور تصوره عن هذا المشروع الذي استخدم فيه تأويلا جديدا حول وظيفة القصعة نفسها.

وتابع: “كنت أملك قصعة واحدة فقط لخلط الأسمنت، وظيفتها تتمحور في وضع صورة المادة بشكلها الأولي لإنتاج شيء كامل، فكان فكرة رسم عناصر بدائية عليها تنفذ نفس وظيفة القصعة”.

لا يتعامل عبدالحميد مع عمله على أنه إعادة تصنيع، ولا يهتم بهذا المفهوم، إنما يستخدم في ممارسته الفنية مواد مجهزة الصنع أو مجسمات معثور عليها، لأنه يحب إعادة استعمال الأشياء المعثور عليها.

اقرأ أيضا

قبل ثورة يوليو: كيف بدأت المصايف وتحولاتها في الإسكندرية؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر