صور| كيف تحولت إيزيس من لوحة إلى حقيقة على يد فنان بالصعيد؟

الهاربة من المتحف، ابنة النيل، نفرتيتي العصر الحديث، الجميلة السمراء وغيرها من ألقاب حازت عليها الفنانة سوسن بدر، التي استغلت مؤخرا هذا الشبه بالمصريات من الحضارة الفرعونية وجسدته في أكثر من جلسة تصوير، كان آخرها لصالح  مجلة “elle” الفرنسية بنسختها العربية، وتصدرت مواقع التواصل الاجتماعي. الصور مستوحاة من لوحات الفنان التشكيلي علاء أبوالحمد، وشارك في تجسيد اللوحة فريق عمل منهم مصمم الأزياء محمد سامي، والإخراج الفني وخبير الماكياج للفنان محمود رشاد، والستايلست خالد عزام.

لوحات حقيقية

بدأت الفكرة من لوحات الفنان التشكيلي د.علاء أبوالحمد، المدرس بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، الذي أوضح لـ«باب مصر»: المشروع تضمن 8 لوحات بعضهم كان بمعرض في مارس الماضي، وتم رسمها بألوان الزيت على القماش «توال»، وجاءت تحت اسم «عروس النيل» كمفهوم عن التضحية والحب والإخلاص وليست قربانا للنيل كالشائع، فالمصري القديم لم يقدم قرابين حية، ومجموعة لوحات أخرى من معرض «حدائق اليارو» وتعني في الفكر المصري القديم، نعيم الجنة، أو الفردوس الأعلى وهناك تغني الحور بالناي.

بداية التعاون في جلسة سوسن بدر كانت قبل خمسة أشهر، عندما رشح الفنان أحمد حرفوش أعمال الفنان علاء أبوالحمد، لتحويلها إلى حقيقة، ووقع الاختيار على 8 لوحات لأبو الحمد لتجسيدها بجلسة التصوير، ويعد سبب نجاح التعاون المثمر هو الشبه الشديد بين سوسن بدر وملامح المصريات قبل آلاف الأعوام، حتى أن أبوالحمد يراها «نفرتيتي العصر الحديث» وأرجع هذا اللقب نظرا لدراسته الفن القديم.

سألناه: «يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنك اعتدت رسم لوحاتك مستوحاة من ملامح سوسن بدر.. ما حقيقة ذلك الأمر؟» أجاب: “لا، لا زوجتي ملهمتي الوحيدة”، موضحا لـ«باب مصر»، أن زوجته هي العارضة الوحيدة في حياته يستلهم منها تفاصيل كل أعماله الفنية، “أعمالي كلها عن قصة حبي بزوجتي من خلال تجسيدها بـ”إيزيس”. وكان المخرج الراحل شادي عبدالسلام قد أطلق على سوسن بدر لقب نفرتيتي، ولولا عدم اكتمال فيلم «أخناتون» بمشاركة الفنان محمد صبحي لكان هو أول من يقدمها للجمهور في إطلالة فرعونية، ورغم عدم تدريس عبدالسلام لأبوالحمد إلا أنه اعتبره دوما معلمه الأول وسبب حبه للحضارة المصرية القديمة والحفاظ على الهوية المصرية، حتى أنه تخصص في تقديم شخصية «إيزيس» فقط كرمز للسيدة المصرية.

إيزيس.. حب لا ينتهي

أعمال أبوالحمد جميعها قائمة على العلاقة بين المرأة والرجل، ورآها متجسدة في علاقة والده بوالدته، ومن ثم علاقته بزوجته، ومن هنا قرر أن تعبر كل لوحاته عنها وهو تعبير ذاتي عن إحساسه الداخلي، وهذا المنهج اتبعه منذ تخرجه في عام 2003 حتى الآن، فعلى حد وصفه هو شديد التأثر بالحضارة المصرية القديمة لكن بشكل معاصر، لا يقلد المصري القديم ولكن يستوحي منه الروح الخاصة بالعمل فقط، متسائلا في كل عمل: “لو كانوا عايشين دلوقتي كانوا هيعملوا اللوحة دي إزاي!”.

أما عن تخصصه في تجسيد المرأة المصرية فقط، يرجع إلى احترام الأجداد للمرأة وتقديرهم لها حد التقديس، الأمر الذي لم يحدث مثله في أي حضارة أخرى، «بالنسبة لي وللمصري القديم إيزيس كل حاجة»، ويتبع في كل لوحاته رسم المرأة في مرحلة عمرية واحدة وهي الشباب مع عدم التطرق لتجسيدها طفل أو مسنة، ويجيب عن ذلك لـ«باب مصر» قائلا: “المصري القديم اعتاد تقديم الفئة العمرية المثالية في أعماله».

الوقت لا يعد عاملا للانتهاء من عمل فني، اللوحة الواحدة قد تستغرق أسبوعا، شهرا، عدة أشهر أو عاما كامل، لا يهم عامل الوقت على سبيل تقديم الفكرة بالطريقة المثالية قدر الإمكان كما تخيلها، أما عمله الأكاديمي في التدريس لا يؤثر على تفرغه للرسم، “بنفيد بعض”.

الحياة في صعيد مصر تعد عامل الإلهام الأول، هناك حيث يعيش – أحفاد الفراعنة – كما يُلقب أهل الصعيد نظرا لاحتفاظهم حتى الآن بعادات تقاليد فرعونية وتصل إلى حد طهي الطعام، ومن هذه العادات احترام الأنثى وتقديرها وهو ما تجسد في أعمال أبوالحمد، التي اتخذت من العلاقة بين الرجل والمرأة سبيلا لتجسيدها، مع تحفيز المخزون البصري بالقراءة المستمرة في الأدب المصري القديم والأدب الصوفي كمثيرات فنية، وصرح لـ«باب مصر» أنه يعمل حاليا على المعرض القادم الذي سيقام بحلول نهاية العام، على أن يكون عدد الأعمال المعروضة يتراوح من 15 إلى 20 لوحة وسيتم الإعلان عنه بمجرد التأكد من صلاحية الفكرة للتنفيذ.

طبق الأصل

الأزياء البيضاء التي ظهرت بها سوسن بدر من تصميم مصمم الأزياء المصري محمد سامي الذي أوضح لـ«باب مصر» أنها ظهرت بـ8 فساتين مستوحاة كليا من لوحات أبوالحمد، وتم تنفيذها خلال أسبوعين فقط، أما بداية التعاون ترجع إلى مارس ماضي، “الفترة دي كنا بنجهز الفكرة”. هذا ليس العمل الأول لـ”سامي” يظهر فيه اهتمامه بالحضارة المصرية باختلاف حقباتها الزمنية، حيث اعتمد على إحياء التراث وتقديمه بشكل عصري مثل، استخدام «التللي» في أكثر من قطعة للفنانين، وهو تزيين القماش بخيوط فضية وما زال مستخدما حتى الآن في صعيد مصر. يرى سامي أن نجاح الصور الأخيرة يرجع إلى فريق العمل، وملامح الفنانة سوسن بدر تعد التجسيد الأفضل للشكل المصري ولكن في القرن الـ21، “أظهرت لينا كمصريين وللعالم حضارتنا مع التطوير بشكل مختلف”، وفي رأيه لم يقتصر الأمر على أنها جلسة تصوير لمجلة فرنسية، بل وصل إلى أنه عمل جماعي ذو طابع مميز. صرح سامي لـ«باب مصر» أنه يعمل حاليا على مشروع آخر للوحات فنان مصري، واستوحى منها مجموعة أزياء، ولكن تم تأجيلها بسبب جائحة كورونا، واعتبر أن نجاح الجلسة التصويرية ناتج عن روح الجماعة خلال التعاون.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر