إسنا “حسناء الأقصر”.. عنوان التراث ومجمع الحضارات 

تصوير: أحمد دريم

“الحسناء” كان هذا هو اسم مدينة إسنا الواقعة جنوبي الأقصر، في العصر القبطي، والتي تضم بداخلها قرى يعود تاريخها إلى عصور قديمة، منها ماظل محتفظًا بذات الاسم، ومنها ماحٌرفت أسمائها مع الزمن.
يقول محمد محيي، مسؤول إدارة الوعي الأثري بالأقصر؛ إن تلك المدينة الجنوبية أخذت اسم “سنا أو سني” أو “إسنا وسيانة” خلال فترة العصر القبطي، لكن بعد مجيئ العرب، لم يكن مرغوبًا في لفظ “سيانة” فاكتفوا باسم “إسنا” بمعنى الحسناء.
لم يكن اسم المدينة فقط هو القديم بل إن إسنا تحفظ بين جنباتها حضارات مختلفة تتمثل في مزارات مازالت باقية تشهد على أصالة تاريخها.

معبد الإله خنوم.. أيقونة الإبداع المصري القديم والبطلمي

شُيد معبد إسنا على أطلال معبد قديم يرجع إلى عصر تحتمس الثالث، خاصة بعد عثور نقوش تحمل اسم الملك بالمعبد، أما الحالي فقد صُمم في عهد الملك بطليموس والملقب بـ”فليوماتر” أي المحب لأمه، ثم أضيف إليه قاعة أساطين في العصر الروماني.
ويقول الدكتور أحمد حسن، مدير آثار إسنا وأرمنت، إن المعبد كرس لعبادة المعبود خنوم الذي مثل برأس كبش وجسد إنسان، ويعرف باسم خالق البشر من الصلصال، وزوجاته “منحيت ونيبوت”، مشيرًا إلى أن المعبد يعد من أجمل وأهم المعابد في مصر ويتكون من 24 عمودًا ويختلف تاج كل عمود عن الآخر ما يعكس عبقرية الفنان المصري في هذه الآونة.
ويلفت إلى أن المناظر الداخلية للمعبد تتعلق أغلبها بالديانة والعقيدة في تلك الفترة وتتكون من مؤلفات دينية ونصوص عن خلق العالم وأصل الحياة، بالإضافة إلى التضرعات والتراتيل الدينية وأعياد الأله خنوم ومناظر فلكية ومناظر تأسيس المعبد ومناظر سحرية تمثل صيد وقتل الأرواح الشريرة وهزيمة الأعداء.

مئذنة المسجد العمري.. أهم مآذن مصر الفاطمية

مئذنة المسجد العمري بإسنا واحدة من أهم مآذن مصر الفاطمية، وعلى غرارها تم تشييد مآذن الوجه القبلي، ولجمالها تم تخصيص طابع بريد لها استمر خلال فترة الجمهورية العربية المتحدة، بحسب محمد محيي، مسؤول الوعي الأثري بالأقصر.
ومئذنة الجامع العمري لم تكن مخصصة فقط للأذان، بل كانت عاملًا مهمًا في رد الخطر الخارجي نحو الصعيد، إذ كانت المئذنة مستخدمة كإشارة لتنبيه الثكنات العسكرية.
ويوضح محيي: كانت تُشعَل النيران من مئذنة المسجد العمري بإسنا كصافرة إنذار بوجود خطر، ثم تتبعها المآذن المجاورة بذات الإنذار، إلى أن تصل الإشارة للقاهرة الفاطمية آنذاك، التي تُرسل المُدد للمساعدة في رد الخطر.
وفي عام 1992 أحدث الزلزال ميلًا بالمئذنة، لكن يقول محيي إن الميل الذي أحدثه الزلزال بالمئذنة، جعلها إحدى أهم المنشآت المميزة والنادرة، إذ ظلت محتفظة بميلها في شكل ثابت حتى بعد إزالة الصلبات الحديدية التي أُسندت للمئذنة.

وكالة الجداوي.. أكبر مركز تجاري بالصعيد في العهد العثماني

أضفت وكالة الجداوي للمدينة الحسناء قيمة اقتصادية كبيرة في العهد العثماني، إذ كانت أكر مركزًا تجاريًا يقبل عليه التجار من مختلف البلدان والدول ومحطًا لقوافل التجارة آنذاك.
وتوجد وكالة الجداوي أمام معبد الإله خنوم، التي تم إنشاؤها عام 1792م، وبناها أحد المماليك ويدعى حسن بك الجداوي في العصر العثماني، ووجد المماليك في تلك الفترة بمصر لحاجة الوالي العثماني لهم في وهو كان أحد المماليك لمحمد بك ابو الدهب، وسمى الجداوي لأنه في إحدى الفترات كان حسن بك حاكمًا لولاية جدة لانها كانت تابعة للدولة العثمانية.
يقول محيي؛ إن وظيفة الوكالة أنه كان يتم بها عمليات البيع والشراء للسلع إلى جانب توافر بها سكن للتجار القادمون من أنحاء البلاد ومن السودان، ويتم البيع والشراء من خلال:  تجارة داخلية وهي اشتهرت بها مدينة إسنا كبيع العدس الإسناوي، والحلايا وهى عبارة عن ملابس كانت مميزة لسكان مدينة إسنا وزائريها، وهي منتجات كانت جاذبة للزائرين والتجار القادون لإسنا في هذا الوقت.

التجارة الخارجية

ويضيف؛ أما التجارة الخارجية وكان يأتي التجار من خارج مدينة إسنا بمنتجات معينة.. كـ”سن الفيل” والذي يصنع منه العاج والذي يطعم به الأرابيسك ومنتج  الشاي.
يقول محيي إن السودان واليمن كانتا أكثر الدول التي تتعامل مع وكالة الجداوي في التجارة الخارجية.. وذلك نتيجة اتصالهم عن طريق نهر النيل.
وطريق درب الأربعين وهو الطريق الذي جعل إسنا مركزًا رئيسيًا للتجارة الخارجية.. وكان هذا الطريق يبدأ من دارفور بالسودان وحتى السلوم، وكانت إسنا بمثابة “ترانزيت” للقادمين من الجنوب متجهين شمالًا.
ويوضح؛ كان التاجر  يجلب تجارته ويعطيها للوكيل ويذهب ليستريح بالطابق الثاني من الوكالة.. والذي كان مخصصًا لسكن التجار، وكانت الحجرات مبنية بطريقة تسمح بجو رطب للزائر او التاجر.

عمارة المكان

أما عن عمارة المكان.. يضيف محمد محيي مسؤو لإدارة الوعي الأثري؛ بمدخل الوكالة تظهر العمارة الإسلامية والفن الإسلامي واضحين.. فيوجد عقد مدبب يكتنفه بائكة محمولة عبارة عن ثلاثة عقود متجاورة.. الكتلة بها مسمطة داخل الواجهة، وخشبة صغيرة كان يوضع بها قنديل للإضاءة ليلًا.. أما مجموعة الحوانيت الخارجية، فيوجد مكسلتين استخدموا للحراس للجلوس عليها.
وعن الفنون بالوكالة، يتابع محيي؛ العتب الخشبي والزخارف الهندسية، كزخارف الارابيسك وزخارف النجوم السداسية، ثم الكتابات.
ومنها خط الثلث والتي نصت على  كتابات دينية نصية وتذكارية وتسجيلية.. وكلها تعكس الفنون التي كانت مستخدمة آنذاك.
ويضيف أن الوكالة تتكون من أربعين حجرة، والدور الأسفل حجرات للمخازن.. ويتوسط الوكالة فناء مكشوف كان يغطية “شخشيخة” لإضاءة المكان وتهويته.

معصرة الزيوت.. مائتا عام من الإنتاج

معصرة الزيوت الطبيعية بإسنا يعود تاريخ إنشائها إلى أكثر من مائتي عام.. ومازالت تحتفظ بذات الديكور الذي صمم لها.
وهي عبارة عن مبنى مكون من طابق واحد، يضم حجرتين، الأولى تشمل حجر من الجرانيت يزن خمسة أطنان.. ويستخدم لطحن الحبوب تمهيدًا لاستخلاص الزيوت منها.. والثانية بها معدات تصفية الزيت للحصول عليه نقيًا.
على سبيل المثال، نضع أكيالا من البذور على الطاولة الجرانيتية، ثم يدور الحجر بحركة دائرية كالساقية.. وذلك قبل أن يتم نقل الحبوب المطحونة إلى المكبس لعصرها واستخراج الزيت.
في النهاية الزيوت التي تنتجها معصرة إسنا من أجود أنواع الزيوت الطبيعية.. وتستخدم للعلاج أفضل من العقاقير والأدوية؛ منها زيت الخس ويستخدم في علاج القولون والسكر والضغط.. وكذلك زيت حبة البركة لعلاج الكحة وتجلط الدم، إلى جانب إنتاج زيوت السمسم والزيتون.
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر